مفهوم التقریب عند آیة الله الشیخ التسخیری | ||||
PDF (1125 K) | ||||
![]() | ||||
د. السید محمد الغریفی آیة الله الشیخ محمد علی التسخیری (رحمه الله) شخصیة بارزة فی عالمنا الإسلامی المعاصر، نشأت فی حوزتی النجف وقم العلمیتین، تولى مناصب ثقافیة متعددة فی الجمهوریة الإسلامیة. من أبرزها التی کان له دورٌ مؤثرٌ فیها: الوکیل الدولی لمنظمة التبلیغ الإسلامی (١٩٨١ - ١٩٩١)، الأمین العام لمجمع أهل البیت (ع) العالمی (لمدة ٩ سنوات)، الوکیل الدولی لمکتب القائد المرشد (١٩٩٠ - ١٩٩٦)، رئیس منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامیة (منذ بدء التأسیس فی العام ١٩٩٤ إلى ٢٠٠١)، الأمین العام للمجمع العالمی لتقریب المذاهب الإسلامیة (٢٠٠١ إلى ٢٠١٢)، عضو فی مجلس خبراء القیادة، ومستشار قائد الثورة الإسلامیة الإمام الخامنئی (دامت برکاته) فی شؤون التقریب بین المذاهب. وعضواً فی عشرات المؤسسات والمنظمات الثقافیة الأخرى، وکذلک فعالیته فی بعض المؤسسات الخارجیة، مثل رابطة علماء المسلمین فی مکة، ومجمع الفقه الإسلامی فی جدة، التابع لمنظمة التعاون الإسلامیة. وکان أیضاً نائب رئیس الاتحاد العالمی لعلماء الإسلام وعضواً فی مجمع اللغة العربیة فی دمشق. والسمة البارزة للفقید التسخیری بأنه کان رمزاً فی مجال “الوحدة” و”التقریب” بین أتباع أهل البیت (ع) ومسلمی العالم. کان نجماً ساطعاً متمیزاً فی اجتماعات ومؤتمرات مجمع الفقه الإسلامی - التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامی - اتحاد علماء المسلمین، المجمع العالمی لتقریب المذاهب الإسلامیة، رابطة العالم الإسلامی، ومئات المؤتمرات الإسلامیة الداخلیة والخارجیة الأخرى. حیث یرى (رحمه الله) بأن المراد من مصطلح التقریب بین المذاهب یوضح هو: (إیجاد التقارب بین وجهات النظر بین المذاهب على طریق الاخوة الإسلامیّة فینبغی لاتباع المذاهب الإسلامیّة المختلفة - رغم وجود الاختلافات المذهبیة فیما بینهم - أن ینظر أحدهم إلى الآخر نظرة المسلم لأخیه؛ یرعى حقوق الاخوة الدینیة وکذلک العمل على إزالة الحواجز النفسیة المصطنعة، فالتقریب أذن لا یعنی التذویب ولا التخریب بمعنى اندماج مذهب فی المذاهب الأخرى، ولا هجوم مذهب على مذهب آخر).. تنطلق رؤیته هذه من تجربة (دار التقریب بین المذاهب الإسلامیة) الذی انطلق من القاهرة فی النصف الثانی من الأربعینیات القرن الماضی، واستمر فاعلیته حتى مطلع السبعینیات. حیث عرف مصطلح التقریب بین المذاهب فی نظامه الأساسی: (العمل على جمع کلمة أرباب المذاهب الإسلامیة، الذین باعدت بینهم آراء لا تمس العقائد التی یجب الإیمان بها). کما أوضح هذا المصطلح الشیخ محمد أبو زهرة أحد الرواد الأوائل للتقریب: (لسنا نقصد بمحو الطائفیة محو المذهبیة، وإدماج المذاهب الإسلامیة فی مذهب، فإن ذلک لا یصح ولن یکون عملا ذا فائدة، لأن إدماج المذاهب فی مذهب لیس عملا علمیاً یحمد عند العلماء، فإن کل مذهب مجموعة من المعلومات أقیمت على مناهج تتجه فی مجموعها إلى النصوص الإسلامیة والبناء علیها، وهو ثمرات جهود لأکابر العلماء فی هذا المذهب، وکل إدماج فیه إفناء، ولیس من المصلحة العلمیة فی شیء إفناء تلک الجهود الفکریة التی قامت فی ظل القرآن والسنة والصحیحة الثابتة، بل یجب أن تکون کل الجهود قائمة على أصولها، یرجع إلیها، ویختار منها عند العمل أصلحها للبقاء، أو أکثرها ملاءمة للأزمان، أو أقواها اتصالا بالقرآن، مع بقاء المصدر فی موضعه یرجع إلیه). کما عرف مصطلح التقریب بین المذاهب (المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الإسلامیة) الذی کان یرأسه الفقید الراحل الشیخ التسخیری، حیث ورد فی نظام تأسیسه سنة ١٩٩٠م فی طهران ،التعریف التالی: (التقارب بین أتباع المذاهب الإسلامیة بغیة تعرف بعضهم على البعض الآخر، عن طریق تحقیق التآلف والأخوة الدینیة، على أساس المبادئ الإسلامیة المشترکة الثابتة والأکیدة). وقد عرف أیضاً هذا الاصطلاح (التقریب بین المذاهب) المنظمة الإسلامیة للتربیة والعلوم والثقافة بأنه: (وسیلة لجمع الشمل، ورأب الصدع، وتبادل حسن الظن والتقدیر بین أبناء الملة الإسلامیة الواحدة، من أجل صیانة وحدة الأمة الإسلامیة، والحفاظ على مقاصد الشریعة التی تقر وتحفظ مصالح الجمیع). ومن الأمثلة التطبیقیة للتقریب بین المذاهب: العمل على تشخیص المسائل والقضایا المشترکة بین المذاهب، والمسائل المتفق علیها فی مجال العقیدة والفقه، کما یقصد به السعی لإیجاد طرق وفاق بین المسائل الخلافیة، من منظور التقارب وحسن التفاهم، وبما یوضح الفروق بین المسائل الخلافیة الفرعیة، وبین المسائل الخلافیة الأصولیة، حتى لا تضیع الأصول فی ترجمة الاختلافات الفرعیة، مع العمل على التسلح بالدلیل القاطع والبرهان الصحیح، المستنبط من مصادر التشریع الإسلامی الصحیحة، دون تسرع فی الحکم على أهل القبلة بأی من الأحکام المفرقة، کالتکفیر أو التفسیق أو رمی المسلم بالشرک، أو اتهامه بالخروج عن جادة الإسلام، مع الالتزام بمبدأ التجرد عن التعصب المذهبی، والابتعاد عن الطائفیة الضیقة، وضرورة تحری الحقیقة الإسلامیة، وبناء الأحکام على أسس الأدلة الصحیحة). وخلاصة التعاریف أن مفهوم التقریب یترکب من عنصرین متلازمین هما: نفی التباعد، وتحصیل التقارب، فالعنصر الأول له طابع سلبی، ویتصل بإزالة کل أشکال التباعد بین المذاهب الإسلامیة وأتباعها، وکل ما یقع فی طریق التباعد، کالجهل والتعصب والتطرف والقطیعة والانغلاق، وکل ما یؤدی إلى هذا التباعد وبکافة الصور والأشکال. والعنصر الثانی له طابع إیجابی، ویتصل بتحصیل کل أشکال التقارب بین المذاهب الإسلامیة وأتباعها، وکل ما یقع فی طریق التقارب، کالتعارف والتسامح والتواصل والانفتاح والتآلف، وکل ما یؤدی إلى هذا التقارب وبکافة الصور والأشکال. وقریب من مصطلح (التقریب بین المسلمین) مصطلحات أخرىذکرها دعاة الإصلاح من علماء المسلمین على مر التاریخ الإسلامی، مثل: (الوحدة الإسلامیة أو الاتحاد الإسلامی، والأمة الواحدة الإسلامیة أو الجماعة الإسلامیة، والأخوة الإسلامیة أو التآلف بین المسلمین، ....)، وهذه المصطلحات تشترک فی المغزى والهدف وهو تقارب المسلمین وتآلفهم، إذا تأملنا فیها وأعطیناها حقها من الدقة والاعتبار فنجد لکل منها مفهوم خاص یختلف عن غیره بقلیل أو کثیر: ١- الوحدة الإسلامیة: أو الاتحاد الاسلامی، عبارة عن وحدة کلمة الأمة اتجاه قضایاها الأساسیة وأهدافها المشترکة ووقوفها صفا واحداً أمام الأعداء، وهی الغایة القصوى للمصلحین فی العالم الإسلامی. ٢- الأمة الواحدة: أو الجماعة الإسلامیة، التی تحمل فی جوهرها علاوة على وحدة الکلمة والصمود أمام الأعداء وحدة جماعیة إلى جانب الأمم الأخرى یحسن التعبیر عنها بالقومیة الإسلامیة. فالمسلمون لهم جنسیة إسلامیة، قوامها الإیمان بالله ورسوله والتسلیم لهما، ولهم وطن واحد، وسلطان قائم بذاته تحت قیادة واحدة، ولهم ثقافة ملموسة، وتقالید مرسومة، مصدرها الکتاب والسنة. ٣- الأخوة الإسلامیة: هی جعل شرعی ثابت من الله سبحانه بین کل المسلمین فی هذا الکون، وبهذه الإخوة یکون المسلم مرتبط بالمسلمین أفراداً ومجامیع برباط متکافئ وحاکم على کل الروابط التی تترتب على الاعتبارات الأخرى التی تنشأ من الأوضاع الأخرى، ولذا یکون المسلمون کیاناً واحداً من جمیع النواحی وخاصة من الناحیة السیاسیة. ٤- الائتلاف بین المسلمین: هی تعبیر عن الجانب العاطفی والتعاطف الروحی بین المسلمین باعتباره تشدیدا للعلاقة بینهم وتبادلا للمحبة بین قلوبهم محبة الأخ للأخ، ولا یثبت بمجرده حقا فلا مسؤولیة بینهم. ویرى الفقید الشیخ التسخیری الاختلاف بین المذاهب هو اختلاف فی حقیقته وجوهره راجع الى الاختلاف فی تقلید المجتهدین، فکما یوجد اختلاف فی الأحکام بین فقیه وآخر عند الشیعة، والأمر نفسه بین فقهاء مذاهب أهل السنة، فالمفروض أن تکون کذلک بین السنة والشیعة، فکل مسلم یتبع فی تقلیده أحد فقهاء المسلمین من الأموات أو الأحیاء، وهذا الأمر یلزم أن یکون طبیعی فی المجتمع الإسلامی لا یستوجب التنافر والتباعد والقتال، لأنها أمور مفتعلة لأغراض سیاسیة. وفی فترة من فترات الماضی کان الاختلاف بین مذاهب أهل السنة اکثر من الاختلاف الموجود بین الشیعة والسنة. وأن الفرق بین المذاهب السنیة کانت کثیرة، ولکن عقلاءهم عملوا على إزالة هذه الخلافات فیما بینهم، وعرف بعضهم بعضا بأنهم غیر مختلفین حتّى یتفرقوا نحن نشاهد الیوم اتباع هذه المذاهب رغم وجود الاختلافات بینهم ولکنهم لا یشعرون بالاختلاف العملی، فالمالکی فی المجتمع الشافعی أو الحنبلی فی الوسط الحنفی لا یشعر بالغربة. السمة البارزة للفقید التسخیری بأنه کان رمزاً فی مجال “الوحدة” و”التقریب” بین أتباع أهل البیت (ع) ومسلمی العالم. کان نجماً ساطعاً متمیزاً فی اجتماعات ومؤتمرات مجمع الفقه الإسلامی - التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامی - اتحاد علماء المسلمین، المجمع العالمی لتقریب المذاهب الإسلامیة، رابطة العالم الإسلامی، ومئات المؤتمرات الإسلامیة الداخلیة والخارجیة الأخرى. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 436 تنزیل PDF: 221 |
||||