الشیخ د.عبدالله حلاق
عرفت الشیخ محمد علی التسخیری من الغیارى على وحدة الأمة الإسلامیة، وقد شعرت کما شعر الکثیرون من خلال سعیه الدؤوب وکأنه أم الولد على هذا الصعید، حیث یقول: «إننا نعتقد -بکل وضوح- أن سبیلنا الحقیقی هو سبیل الوحدة الإسلامیة الکبرى، ولذا فلن نضعف عن الدعوة إلیها والاستجابة لنداء الإمام القائد الکبیر لتحقیقها... إن المسلمین جمیعا ینطلقون من أصول العقیدة الأولى، ویرجعون إلى المنبعین الرئیسیین: الکتاب الکریم والسنة الشریفة، ویؤمنون بالإسلام منهج حیاة... فلیعمل المفکرون والمسؤولون والواعون المتألمون لقضایا أمتهم، العاملون على دفع مسیرتها إلى الأمام على تحقیق الهدف الکبیر عبر تعمیق هذه الأسس المشترکة فی وجود الأمة وتوضیح مقتضایاتها العملیة ولتسکت کل صرخة مفرقة؛ لأنها لا تصدر إلا من شیطان، أو جاهل، أو متعصب مقیت».
ویرى الشیخ التسخیری أن الوحدة بین المسلمین ینبغی أن لا تبنى على أسس زائفة من المصالح السیاسیة أو القومیة أو التعصب القبلی أو العامل الجغرافی أو التاریخ المشترک أو الحضارة المادیة أو المصالح الطبقیة، بل یجب أن تبنى على أساسین... العقیدة الحیة الواقعیة والعاطفة القائمة على أساس عقائدی ینطلق من القرآن الذی یؤکد على وحدة القلوب، تلک الوحدة التی لو أنفق مافی الأرض على تحقیقها بالعوأمل المادیة لما تحققت:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَکُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَکُمْ مِنْهَا کَذَٰلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمْ آیَاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ﴾
وقد وضع الشیخ الفاضل منهجا للوصول إلى الوحدة الإسلامیة حیث یطرح وبشکل واضح بین معالم التلاقی العقدی والفکری بین المسملین استنادا إلى القرآن الکریم والأحادیث الشریفة، ویرى أن أسس التلاقی هی التالیة:
١. الإیمان بالتو حید الإلهی إجمالا.
٢. الإیمأن بنبوة الرسول الأکرم (ص) ولزوم طاعته فی کل ما یصدر عنه.
٣. الإیمان بالقرآن الکریم والعمل بکل أوامره ونواهیه وقبول کل تصوراته وتعالیمه.
٤. الإیمان بالمعاد إجمالا.
٥. الإیمان بتشریع الإسلام لمجموعة الأحکام التی تنظم السلوک الفردی والاجتماعی ولزوم تنفیذها.
ویشیر الشیخ التسخیری إلى ضرورة تحقیق التوزان والوحدة بین المسلمین ویضع رؤیة واضحة لذلک من خلال الالتفات إلى القضایا الجوهریة التالیة:
أ- الأصول الإسلامیة الأولى التی تقع موقع البدیهیات الإسلامیة، فیجب أن تشکل المساحات الفکریة المشترکة.
ب- الأخلاقیة العامة التی تشکل الخصیصة المشترکة الاخری بل یتعدی هذه المساحة إلى حیث یشغل کل الخصائص العمة للأمة الإسلامیة، فیجب الععل من قبل کل المسلمین على التحلی بهذه الخصائص.
ج- تطبیق الشریعة الإسلامیة على کل الحیاة، ویمکن أن یعد هذا من البدیهیات الفقهیة للإسلام باعتباره أطروحة حیاة جاء به الأنبیاء جمیعا لیعدوا البشریة لتقبلها وتطبیقها.
د- الموقف، السیاسی الموحد من القضایا العامة وخصوصا فی مواجهة أعداء القضیة کلها. وهم المشرکون والمنافقون والمستکبرون والعمل على الدفاع عن بیضة الاسلام.
ثم یبین سماحته معالم الآلیات التی تؤدی إلى الوحدة الإسلامیة یبلورها فی البنود التالیة:
أولا: إن الوحدة التی یسعى لها الإسلام تقوم على أساس العقیدة والعاطفة معا، ویتم التعبیر عنها بوحدة القلوب.
ثانیا: إن النظام الإسلامی یوقف المسلمین جمیعا دونما تمییز أمامه على حد سواء، ویشعرهم بلزوم تحمل مسؤولیاتهم المشترکة تجاهه دونما أی تقصیر، وإلا وجه اللوم للجمیع على حد سواء.
ثالثا؛ حذف الإسلام مقاییس التفاضل کلها وأبقى على المقاییس المعنویة فقط وهی (التقوى والعلم والجهاد والعمل) لا غیر ووفر بذلک أروع أرضیة للوحدة.
رابعا: هناک مساحات فعلیة تشعر المسلمین بوحدتهم من ناحیة ما تقرره الشریعة من ملکیة عامة لأفراد الأمة.
خامسا: ویقف نظام العبادات فی طلیعة النظم التی تؤدی إلى تعمیق الوحدة الإسلامیة حیث یقف المسلمون قی کل بقاع الأرض فی وقت واحد - عرفا- متجهین إلى مکان واحد ومرددین ذکراً واحداً ومؤدین لعمل واحد وملتزمین بشروط واحدة، وحین تدخل الأمة الإسلامیة کلها فی عملیة تربویة کبرى فی کل سنة شهراً واحداً، وذلک بمحض إرادتها، فهی تتدرب على استرجاع إنسانیتها... وهکذا نصل إلى الحج کعملیة تربویة رائعة یجتمع فیها ممثلو الأمة المسلمة من کل حدب وصوب.. فتنغرس فی نفوسهم معانی الأمة الواحدة العابدة الطائفة حول التوحید والرافضة للنظم الوضعیة والأخلاق الصنمیة والملتزمة بحدود الله والمبتعدة عن حرماته.
ولقد تسلم الشیخ التسخیری الأمانة العامة لمجمع التقریب بین المذاهب الإسلامیة- تأسس فی طهران عام ١٩٩١ - بعد سماحة الشیخ محمد واعظ زادة الخراسانی الذی عمل بکل جهد على تقعید القواعد للمجمع وجعله تحت سمع وبصر العالم الإسلامی، مجمعاً فاعلاً مؤثراً على مسیرة الوحدة الإسلامیة.. فحمل الشیخ التسخیری الأمانة خیر حمل وتابع الرسالة خیر متابعة من أجل تحقیق أهداف المجمع التالیة:
١. السعی فی سبیل تحقیق تعارف وتفاهم أکثر بین العلماء والمفکرین والقادة الدینیین للعالم الإسلامی فی المجالات العقائدیة والفقهیة والاجتماعیة والسیاسیة.
٢. السعی لإیجاد التنسیق وتشکیل جبهة واحدة على أساس المبادئ الإسلامیة الثابتة وذلک فی مواجهة التآمر الإعلامی والهجوم الثقافی لاعداء الإسلام.
٣. العمل علی اشاعة فکرة التقریب بین الجماهیر الاسلامیة و توعیتها و تعریفها بأنماط التآمر التمزیقی المعادی.
٤. السعی لتحکیم و اشاعة مبدأ الاجتهاد و الاستنباط فی المذاهب الاسلامیة.
٥. السعی فی سبیل الوصول إلى آراء فقهیة مشترکة فی المسائل التی تطرح نفسها فی العالم الإسلامی.
و سماحة الشیخ التسخیری من العلماء الذین غرفوا من معین الإسلام على المستوى العقدی والعبادی والفکری والتشریعی والفقهی والسیاسی والاقتصادی والاجتماعی، حیث تمیزت ثقافته بالشمولیة والموسوعیة، ولذلک رأینا الشیخ وقد حول حیاته باتجاه إعمال فکره وقلمه قی مجالات علمیة وشرعیة وفکریة وثقافیة شتى،.. ومن اثار سماحة الشیخ فی المجال العقدی «الدفاع عن المواقع الأیدیولوجیة»، و«کتاب التوحید» وفی المجال الفکری کتب «التوازن فی الإسلام»، و«معرفة الذات لبنائها الجدید» و«حقوق الإنسان بین الإعلانیین الإسلامی والعالمی»... وفی المجال التشریعی «الأسس المهمة قی النظام الإسلامی، و«نظام العقوبات فی الإسلام»، و«نظرات حول المرجعیة»... وفی المجال الاقتصادی «الاقتصاد مناهج فی دروس»... وفی مجال الوحدة الاسلامیة «حول الوحدة الاسلامیة»... و فی مجال العبادات «الصوم معطیاته و أحکامه و الحج و آثاره علی الحیاة الاجتماعیة».. و فی مجال الإنسانیات ورؤیة الآخر «التقارب الإسلامی المسیحی، وطهارة الکتابی»... وللشیخ الفاضل المفکر أبحاث ودراسات ومقالات کثیرة مبثوثة قی تضاعیف المجلات العلمیة والفکریة والشرعیة والثقافیة والسیاسیة، خصوصا مجلة رسالة التقریب بین المذاهب الإسلامیة التی یصدرها مجمع التقریب بین المذاهب الإسلامیة.
وإذا أردنا “ترجمة سماحة الشیخ العالم على المستوى الشخصی بکلمات قلیلة...فالشیخ کما عرفته غزیر العلم، عالی الهمة، متابع أصیل للقضایا الکبرى والصغرى، ومن یعایشه یتعلم منه دروساً فی دماثة الأخلاق والتواضع، وهو سریع البدیهیة، وذاکرته حاضرة دوما، وترى البشاشة والابتسامة لا تفارق محّیاه، الأمر الذی ینم عما یعتمل فی قلبه من فیض من ألحب الکبیر للمسلمین على مختلف مذاهبهم، أما سعة صدره ورویته فی التعامل مع الناس فحدث عنها ولا حرج... فی هذه العجالة لم أسع إلى مدح أو تقریظ سماحة الشیخ التسخیری. ولکننی حاولت قدر استطاعتی أن أبیّن الواقع بماهو علیه.