الافتتاحیة | ||||
PDF (1171 K) | ||||
به قلم : محمد اسدی موحد مع مرور کل ذکرى لرحیل مفجر الثورة الإسلامیة فی إیران یتذکر الشعب الإیرانی المسلم العظیم وکل الشعوب الحرة المحبة للسلام والرافضة للذل والتبعیة للغرب أو للشرق، قائدا عظیما ترک بصماته بوضوح على مسار التاریخ الحدیث للشعب الإیرانی العظیم ولکل شعوب المنطقة والعالم.. حیث قاد الاُمّة الإسلامیة فی مطلع القرن الخامس عشر الهجری بجدارة لا یملکها إلاّ عظماء الرجال، وساقها إلى مجدها الأثیل، وأبرز ما تتمتّع به من علم وسیاسة وإیمان، فاستحقّ ـ بکلّ الحقّ ـ وسام التجدید، فکان «مُجَدِّد الإسلام» فی زمننا الراهن. ولقد استمسکت الاُمّة بعروة قیادته الوثقى، مطمئنة بأنّها قیادة ربّانیة ورسالیة، تمتلک کلّ مقوّمات القیادة الإلهیّة، وتتمثّل فیها السیرة النبویة، وتسیر على المناهج العلویة، وتتّبع طریق أئمّة أهل البیت المعصومین(علیهم السلام). وکانت من فلتات التاریخ أن تجمّعت فی شخص الإمام القائد ما مکّنه من تسنّم المقام الأسمى فی العلم والعمل، فکان واحداً من کبار العلماء بالشریعة الإسلامیة، ومن فقهاء الإسلام العظام، ومن مراجع التقلید فی الفتوى والأحکام، وکان من أصحاب الآراء الرصینة فی الحوزات العلمیّة ، فکانت له مدرسته التی تکاملت فیها حلقات الدروس الفقهیة والاُصولیة، والفلسفیّة، وبالمستوى الأعلى، وقد أغنى سماحته المکتبة الفقهیّة والاُصولیة بمؤلّفات قیّمة، ذات المستوى العلمیّ الرفیع، خاصة فی مجال علم الأخلاق والعرفان الإسلامیّ وتهذیب النفس، و کان فریدا بین أساتذة هذا الفنّ، وله فیه إبداعات فذّة، وتشهد آثاره القیّمة فی هذا المجال على نظرته العمیقة الثاقبة ، فهذه مؤلّفاته الرائعة فی العرفان تُذهل الأفکار والأذهان، وهذا شعره العرفانی یقف أمامه الإنسان حیران، ممّا یحویه من بعید المعنى، ورقّة العاطفة، وجمال اللفظ، وصدق الوجدان. ولقد کان رضوان الله علیه یُواظب على تطبیق آرائه الأخلاقیّة ونظریاته العرفانیة على الحیاة تطبیقاً کاملا، بحیث یراه العلماء مثالا مجسّداً للأخلاق الفاضلة الکریمة. وتکلّلت جهوده ومساعیه بقیادة الثورة الإسلامیة المبارکة، حیث استفاد فیها من کلّ ملکاته القدسیّة العلمیة الأخلاقیة والعرفانیة. فأبدى شجاعة باهرة فی مقاومة السلطات الجائرة المتحکّمة بأقطار المسلمین، إلى حدّ السجن، والنفی، والمطاردة، ووجّه سهام حملاته على المستعمرین الحاقدین على الإسلام والمسلمین، الذین کانوا هم السبب فی تخلف البلاد الإسلامیة وإثارة المشاکل فیها. ولقد أثبت فی هذا المجال ـأیضاًـ جدارةً کانت الاُمّة تأملها فیه، وأبدى حنکةً وتدبیراً وبعد نظر، وتجلّد بالصبر على المکاره، وتحلّى بالثبات وسار بعزم وتصمیم وجدّ. ونفثَ ـ بکلّ قوّة ـ فی المسلمین روحَ الثقة بالنفس، والإطمئنان بالنصر الإلهی، وعرّفهم بمواقع الضعف والقوّة، وأوقفهم على ما یلزم للسیر نحو الفوز الأکبر، الذی هو تحقیق حکم الإسلام، فأثار فی المسلمین الشعور بالمسؤولیة تجاه ما یحدث حوالیهم. ولقد یسّر الله على یدیه تحقیق الأمل البعید، بإنشاء الحکومة الإسلامیّة، ذلک الأمر الذی کان مغموراً فی قلوب الملایین من مسلمی العالم والذی غطّاه غبار القرون بالیأس. فکانت ضیاءاً ونوراً فی القلوب، وقوّةً وروحاً فی الأجساد وأحیى الله ـ بما قام به الإمام ـ کلّ ما مات فی قلوب المسلمین من أمل وتطلّع ورجاء، وأتمّ الحجّة بذلک، وأمات بدعوته الواضحة الصریحة کلّ دعوات الباطل، فاندحرت بحرکته کلّ الحرکات الاستعماریة المشبوهة، من شرقیّة وغربیّة، إسلامیة وعلمانیة، کانت تدعو إلى غیر الحقّ! وقیّض الله للإمام اُمّة الإسلام، التی وجدت فیه خیر إمام قائد، وخیر مرجع رائد، فکانت خیر اُمّة اُخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنکر، إنقادت له، وتحرّکت طوع إرادته وإرشاداته، ونصرته وآزرته، معتمدةً على الله، ومستضیئةً بنور هداه. حتّى اُثکلت بفقده ـ على حین غِرّة من الدهر ـ فبکته الملایین فی أرجاء المعمورة،ولطمت الصدور، وأسبلت الدموع، ولبست أثواب الحزن والحداد. وشاء الله أن یکون لوفاته دویٌّ کالصاعقة على أعداء الله، فکانت وفاته مناسبةً مشهودةً لإظهار عظمة الإسلام ووفاء المسلمین لقائدهم العظیم، فقد عزّ على التاریخ أن یأتی بمثله. والیوم فی الذکرى الثانیة والثلاثین لرحیله نقف بإجلال لهذا الرجل الکبیر الذی تصدى للاستکبار العالمی والصهیونیة البغیضة، ولم یناور ولم یهادن لا قبل انتصار الثورة الاسلامیة ولا بعدها وکان شعاره ان (ارادة الله سبحانه وتعالى وکرامة الشعوب هما المنتصر مهما استشرس أعداء الدین والبشریة على امتداد التاریخ). الرجل الذی صنع من تخلید ذکرى عاشوراء اعظم ثورة واقوى دولة فی العصر الحدیث ولم یکن بیده سلاح سوى التقوى والزهد والکلمة الصادقة وعلو الهمة استطاع بهما ان یقود ایران طیلة عقد من الزمان ویجعل منها ملاذا لکل القوى المطالبة بالعدالة والتحرر، ویعید للاسلام دوره المشرق ویحمل بجدارة عبء هذه المسؤولیة، واستطاع ایضا ان یؤمّن مسیرة الجمهوریة الاسلامیة رغم کل التحدیات المصاعب والمؤامرات والضغوطات التی عصفت بها من کل جانب. وبفضل قیادته الربانیة انطلقت الصحوة الاسلامیة المبارکة فی ارجاء الارض والتی عملت على لجم العربدة الامیرکیة ـ الاوروبیة ـ الاسرائیلیة فی الشرق الاوسط وانحاء العالم .. الصحوة التی عززت ایضا مواقع المجاهدین والمقاومین فی لبنان وفلسطین وسوریا والیمن والعراق وجعلت منها ارقاما صعبة ومؤثرة جدا فی المعادلات الدولیة والانتصار الاخیر الذی حققته المقاومة الاسلامیة فی فلسطین خیر دلیل على ذلک. فالإمام الخمینی قاد الثورة الاسلامیة فی ایران لیقول للعالم اجمع ان الاسلام هو الحق وان الاسلام هو ان لا ننسى قضایانا المصیریة التی تضعنا فی المواجهة مع قوى العدوان والاستکبار، ولیقول ان “اسرائیل” شر مطلق وغدة سرطانیة لابد من ازالتها من الوجود لکی تعود فلسطین الى اهلها وتنعم امم الارض بالامن والسلام والتعایش الودی والانسانی وذلک بعد القضاء على النزعة العدوانیة التآمریة الصهیونیة فی العالم. الامام الخمینی هو القائد الذی کان شعاره التوکل والصبر والعزم والحزم .. القائد الذی تحدى اعتى القوى الامبریالیة ولم یسمح للخوف والانکسار ان یتسللا الى نفسه الابیة الامر الذی جعل الامة تدین له بالولاء والطاعة کما جعل ابناء الشعب الایرانی المجاهد یذوبون فی نهجه الخلاق ویحققون الیوم اعظم المنجزات والمکاسب التی یفخر بها المسلمون والاحرار والشرفاء جمیعا. ان نهج الامام الخمینی کان ولایزال هو نهج الثورة واستنهاض همم الخیّرین لبناء الحاضر وضمان المستقبل، وقد واصل قائد الثورة الاسلامیة سماحة الامام الخامنئی (دام ظله) هذه المسیرة الصاعدة بما ارتقى بالجمهوریة الاسلامیة الى اعلى المراتب، فایران الیوم آخذة بنواصی المعرفة والعلوم والتقانة النوویة والفضاء والتسلح ولها دور اقلیمی ودولی یدین له الاصدقاء والاعداء على حدٍّ سواء. لقد رحل الامام الخمینی تارکا وراءه أرثاً عظیماً من الانتصارات والعظمة والایمان والبصیرة والثقة بالنفس ، کما استطاعت الثورة الاسلامیة التی قادها بحکمته وحسن تدبیره ورؤیته الثاقبة ان تعید الوجه الحقیقی للجهاد الحق الذی یتصدى الیوم ببسالة لکل التحرکات الاستکباریة والفتن التکفیریة والسلوکیات الارهابیة التی جاءت بها امیرکا و”اسرائیل” لتشویه الاسلام المحمدی الاصیل وللحیلولة دون تحریر فلسطین من الاحتلال الصهیونی الغاشم. المؤکد ان المشروع الاسلامی الذی اطلقه الامام الراحل (طاب ثراه) تجلى الیوم فی تعمیق مفاهیمه وزیادة نجاحاته على مستوى الامة من خلال المواقف النبیلة التی جسدتها الجمهوریة الاسلامیة النابعة من المفاهیم التی رسخها الامام الخمینی ومن الدور الریادی الذی تضطلع به ایران فی المرحلة الراهنة. فالمواقف التضحویة الخالدة لسماحته الامام التی اثمرت ثورة اسلامیة زلزلت المؤامرات والمخططات الاستکباریة فی الحقیقةجعلت من ایران دولة عظیمة یحسب لها الف حساب وجعلت منها نصیرا لجمیع المستضعفین والاحرار وقائدا لمحور المقاومة بوجه التحرکات الصهیوامیرکیة الشریرة فی منطقتنا الاسلامیة والعربیة.وکل ماتقوم به ایران الیوم یؤکد فی الحقیقة على استمرار ومواصلة النهج الثوری للامام الداعی الى رفض الظلم ومقارعة الظالمین والمستکبرین وسیادة القیم الانسانیة والمعنویة فی العالم وقد اکد على ذلک سماحة القائد الإمام الخامنئی عندما قال: (إننا نعلن أمام جمیع الشعوب وبکلّ صراحة أنّ فکرة انتهاء عصر الإمام الخمینی والتی یطرحها العدو بمئات الأسالیب والتعابیر، إنما هی خداع ومکر استکباریّ لا غیر، وأنّ الإمام الخمینی سیبقى رغم أنف أمریکا وأعوانها بین شعبه ومجتمعه حاضراً بکلّ قوّته، وأنّ عصر الإمام الخمینی مستمرّ وسیبقى مستمرّاً دائماً: نهجه نهجنا وهدفه هدفنا وإرشاداته المشعل الوضّاء الذی یضیء لنا السبیل). | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 374 تنزیل PDF: 214 |
||||