المناشئ التوحیدیة عند السید الإمام الخمینی فی القضیة الفلسطینیة | ||||
PDF (1674 K) | ||||
هلال حسن علی اللواتی إن منطلقات المرء لأجل أی قضیة کانت لإثبات حق أو نفی ظلم تحت مظلة العدالة بقطع النظر عن أی رکن من أرکانها الأربع لابد وأن تعتمد على أسس ومعاییر ثابتة لا تقبل الخُلْف ولا التخلُّف، ومثل هذه المعاییر لا تتوفر إلا إذا اعتمدت المعاییر الوجودیة التی تعرف أیضاً بالمعاییر التکوینیة. والذی لا یعرف هذه المعاییر التی یطرحها القرآن الکریم بعنوان «السنن الإلهیة» فإنه سیجد صعوبة بالغة فی التوفیق بینها وبین عالم الاعتبار الذی یعیشه أفراد البشریة فی تعاملاتهم ومعاملاتهم السیاسیة والاقتصادیة والتربویة والاستراتیجیة والتکتیکیة ... إلخ، إذ أن القوانین والشرائع البشریة التی تنشأ من نسیج اجتماعی تحکمه الذهنیة المجتمعیة بما لدیها من العادات والتقالید والاعتبارات یتخللها ضعف وخلل وفجوات من عدة جهات ومستویات، ولهذا نجدها متغیرة دائماً وابداً حتى فی أسسها وبُناها التشریعیة. إلا أن ما یُعتمد على المعاییر الوجودیة التکوینیة السنن الإلهیة فإنه یکون غیر قابل للتغیر ولا للتبدل ولا للخُلف ولا للتخلف لأنه یستند على ما تکونت علیه الکائنات -ومنها الإنسان- وصممت علیه فی أولى مراحلها التکوینیة الصناعیة الخَلقیة، وبما أن هذه الصناعة الوجودیة غیر قابلة للتغیر.. لا للخلف ولا للتخلف بأی نحو من الأنحاء فإن کل ما سوف یقع فی دائرتها سیضطر الخضوع لأحکامها وتشریعاتها، وهناک مقولة فی علم الکلام -القدیم والحدیث-، وهی أیضاً متداولة فی البحوث الفقهیة والأصولیة وهی:»أن الاحکام تتبع المصالح والمفاسد»، وبالتتبع سنجدها تتبع -بصیاغة علم النور والاحتیاج الذاتی- المصالح والمفاسد التی تدور مدار التصمیم الصناعیة والخَلقی الذی تشکل علیه تکوین الإنسان والکائنات، وهو الذی یعبر عنه فی بعض أبواب الفقه بالمصالح والمفاسد الواقعیة. وعلى هذا الأساس فإن البحث فی أیة قضیة بغیة الانتصار وتجنب الهزیمة فیها ضرورة أن تراجع أحکامهما وشرائطهما وموانعهما وأرکانهما (کما هو معروف فی تحقق العلة التامة: تحقق المقتضی، تحقق الشرط، ارتفاع المانع)، وبناء على النظریة القرآنیة التی تعتمد فی مبانیها وأسسها ومعاییرها الأحکام التکوینیة الوجودیة والتی تقوم على ذات مبادئ وأرکان العلة التامة؛ فإن النصر الحقیقی لا یتحقق إلا بــ»التحقق بالتوحید الخالص»، قال تعالى:» وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ» (آل عمران/١٢٦) «، ومن أراد هذا النصر أن یلبسه فعلیه أن یتحقق بشرائطه وأن یرفع موانعه، قال تعالى:» وَاللّهُ یُؤَیِّدُ بِنَصْرِهِ مَن یَشَاء» (آل عمران/١٣) والمانع الأساسی الذی یحجب النصر هو «حب الدنیا»، قال تعالى:» أُولَئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُاْ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ یُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ یُنصَرُونَ» (البقرة/٨٦)، والآیة ١٤٧ من سورة آل عمران جمعت أرکان العلة التامة، قال تعالى:» وَمَا کَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِی أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْکَافِرِینَ»، ومرجع هذه المانعیة إلى أعظم مانع لاستجلاب النصر الإلهی وهو الشرک، قال تعالى:»أَیُشْرِکُونَ مَا لاَ یَخْلُقُ شَیْئاً وَهُمْ یُخْلَقُونَ (الأعراف/١٩١) وَلاَ یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ یَنصُرُونَ»(الأعراف/١٩٢)، طبعاً والشرکیة لها مصادیق عدیدة منها الاعتماد على العتاد والعدة والعدد، ویصدق أن یکون من هذه المصادیق الاعتماد على الاعلام وتسویقه، وکله مما یؤسف له قد أصبح الأداة الأساسیة التی أصبح الکثیر یعتمد علیه وکأنه العلة التامة، وکأن له الاستقالیة فی التأثیر، قال تعالى:» وَالَّذِینَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَکُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ» (الأعراف/١٩٧). وهناک مصادیق أخرى للشرکیة ذکرها القرآن الکریم منها: الرکون إلى الظالم، قال تعالى:» وَلاَ تَرْکَنُواْ إِلَى الَّذِینَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ وَمَا لَکُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِیَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ» {هود/١١٣)، ومنها المعصیة، قال تعالى:» فَمَن یَنصُرُنِی مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَیْتُهُ» (هود/٦٣). مرتکزات بناء شخصیة السید الإمام الخمینی رضوان الله علیه: الذی یراجع ما صدر من السید الإمام(رض) من الکلمات والخطب والمواقف سیجده متمحوراً حول «التوحید»، فهذا المنهج واضح وبارز فی حیاته وشخصیته، ومن هنا نجد أنفسنا أمام شخصیة ترسم لها منهجها الخاص لدراستها، فمواقفه السیاسیة والنهضویة والتربویة والاقتصادیة لا تنفک عن ذلک المحور الوجودی، وعندما نظر إلى القضیة الفلسطینیة فإنه نظر إلیها من خلال هذا المنظار، وبمرتکزات ذلک المحور الوجودی، ترى ما فیه من السر؟!. عندما تُبنى شخصیة الإنسان المؤمن على بناء المنظومة الوجودیة، وتتناسق مع ذراته حرکاته وسکناته، وتتجانس مع تسبیح الکائنات، فهو یعنی أننا أمام شخصیة تتجاوز الفهم العرفی، تتعدى التحلیل السیاسی، إننا أمام مَن مِن الصعب فهمه لاختلاف الرؤى والأفق ضیقاً وسعاً وشمولیة، فمن تخلق بأخلاق الله تعالى ینبغی أن یدرسه ویفهمه من هو من سنخ عالمه، وأما من لیس کذلک فإنه سوف سیقع فی حیرة وخبط عشواء. لننظر إلى بعض ما قام به رضوان الله علیه: عندما قام السید الإمام(رض) بوصف أمریکا بالشیطان الأکبر فإنه لم یکن سوى من مفرزات علم الاخلاق وما تؤدی القوة الوهمیة بالإنسان إلى درکات یصبح فیها هو الشیطان، ویصبح الشیطان تلمیذاً عنده، وفی الحقیقة نجد السید الإمام(رض) قد قدم بهذا الوصف مفتاحاً سیکلوجیاً لفهم الطبیعة الشخصیة لهذه الدولة، ولا أخفیکم الحقیقة أن هذا الأمر یستدعی الشفقة علیها وما أوصلت إلیه نفسها، لأنها لا تعلم أنها قد أخرجت نفسها من دائرة الإنسانیة بما أوصلت نفسها إلى ملکات الرذیلة غیر الإنسانیة فتملکتها القوة الوهمیة، وهی قوةٌ کلُّ من یتحقق بها یصبح شیطاناً لما بینها وبینه من سنخیة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم. وعندما نظر السید الإمام(رض) إلى الصهیونیة وسیاسة الماسونیة وتاریخها أدرک أن کل من یتبناهما یصبح سرطاناً یمتد ویتوسع فی غزوه إلى أن یقضی على کل مقومات الحیاة فی البدن الإنسانی، فإما أن یصبحوا خولاً وإما أن یلقى بهم فی بئر المنفى والضیاع والحذف. والعاقل عندما یجد السرطان بدأ بالحرکة فإنه سوف یسعى لاستئصاله من أساسه، فإنَّ تَرْکَه یعنی السماح له بالامتداد وأکل کل صالح فی البدن، والنتیجة هی: القضاء على البدن برمته، فکان السید الإمام(رض) ذلک العاقل المدرک لعواقب ومخاطر الغدة السرطانیة فی جسم الإنسانیة. فهذا الهم مع تلک الرؤیة شکَّلا أساساً لنظرة خاصة إلى الواقع وما ستؤول إلیه الأمور فی قریب المستقبل، وقد أثبتت الأیام والشهور والسنون بأن هؤلاء یحملون روح الغزو والتوسعة بأطماع لا تسد جوعتها، یتمتعون بروح الفساد وقتل الإنسانیة، وهذا الأمر طبیعی الحدوث ممن لا تملکه العاقلة، وتغلبه القوة الشهویة، وتسانده القوة الغضبیة، وتخطط له القوة الوهمیة، إن مثل هذا الإنسان إذا ما جاء على سدة الحکم سیقود الأمم إلى ذات المسلک، وهذا ما صنعته دول الاستکبار ومن باع حظه بالأرذل الأدنى أصبح مؤتمِراً بأمر الصهیونیة، بل وصار منهم. إن ما کان یملکه السید الإمام(رض) من الغیرة على التوحید الخالص قد وجده فی الإمام السید علی الخامنئی أعزه الله، فکان حقاً تالی تلو للسید الإمام الخمینی(رض)، وفی هذا کفایة فهم شخصیته المبارکة. مقومات النصر الإلهی: إن تحقق النصر غیر کاف بتجهیز العتاد، ولا العدة، ولا بالعدد، فإن فی معرکة حنین خیر عبرة، ولو تأملنا فی جمیع ما خاضه المسلمون من المعارک والحروب والغزوات سنجد وجود عنصر واحد فی کل منها وهو: الاعتماد على الله تعالى، وهذا العنصر هو المقوم الاساسی للإنتصار، ومن ظن أن الإنتصار یمکن أن یتحقق من دون تخلل التوحید والاعتماد على الله تعالى فإنه متوهم جداً، قال تعالى:» إِن یَنصُرْکُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَکُمْ وَإِن یَخْذُلْکُمْ فَمَن ذَا الَّذِی یَنصُرُکُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْیَتَوَکِّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (آل عمران/١٦٠). وهذا یدعو کل من یسیر فی درب تحقیق کلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» أن یتحقق بالتوحید فی وجوده بکل ما لهذه الکلمة من معنى، وبتعبیر آخر أن یتحقق بأسماء الله وصفاته. حاجة النصر إلى التوحید!!: لا یتوهم أن النصر یمکن تحقیقه کیفما اتفق، فإن السنن الإلهیة اقتضت أن یکون للنصر حاجة إلى مقوم یقومه، وما کان هذا المقوم سوى من صمیم احتیاجات ذات النصر، وبتعبیر آخر إنه احتیاج تکوینی وجودی، فالتوحید والتحقق به لیس خیاراً بدلیاً بل هو الخیار المتعین الأوحد حسب متطلبات الاحتیاج الذاتی التکوینی والوجودی للنصر وللمنتصرین. إن من لا یفهم العلاقة والرابطة بین سائر الکائنات وبین العوالم التی تحیط بالإنسان وبین ما یصدر من هذا الإنسان من سلوک فإنه لن یعی الکثیر من الأحکام الشرعیة فضلاً عن الأحکام الوجودیة، وبالتالی لن یعی خطورة الغدة السرطانیة وخطورة الشیطان الأکبر، وبتعبیر آخر لن یعی خطورة هامان (إسرائیل) وفرعون (امریکا) وجنودهما من الأعراب والجهلة الاوروبیین والعرب وغیرهم. إن من أهم النتائج والثمار التی تترتب فیمن یدخل إلى عوالم التوحید الحقیقی یدرک أن الحق والحقوق لیس من مناشئ الاعتبار، بل من مناشئ التکوین والتصمیم الصناعی للخلق وما یدور فی فلک متعلقه، وسیدرک أن العدالة والحریة أیضاً کذلک، ودفاعه عن هذا الثلاثی: الحق، العدالة، الحریة هو دفاع عن الإنسانیة بما هی هی، إذ لا یمکن أن تتحقق الإنسانیة فی أی موقع إلا إذا تخللها التوحید، فتأمل. ختاماً: لابد من أن ندرک جیداً بأن النصر الإلهی مرهون بنصرتنا لله تعالى، قال تعالى:» یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ یَنصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أَقْدَامَکُمْ (محمد/٧} وَالَّذِینَ کَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ» (محمد/٨)، وقد یتساءل البعض عن کیفیة نصرة الله تعالى!، الجواب هو: بنصر أحکامه ومعارفه، وبنصر أولیائه، وبنصر دینه وکتابه، وما تتمتع به الخلیة السرطانیة (الغدة من یعینها) من عناصر هتک التوحید وأحکامه ومعارفه کاف فی التصدی لها، وهذا هو العالم أمامنا الیوم إذ یشهد أن وراء کل انحراف للبشریة عن صراط الإنسانیة صهیون وماسونیة، واستمرارهم یعنی: قال تعالى:» رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْکَافِرِینَ دَیَّارًا (نوح/٢٦) إِنَّکَ إِن تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبَادَکَ وَلَا یَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا کَفَّارًا» (نوح/٢٧). العباد بعین الله تعالى: ونصرة الله تعالى لیست باللسان فقط، أو بإراءة الناس مظهراً موحیاً أنه من مظاهر النصرة لله تعالى ولکن فی الواقع یکون الإنسان مخالفاً لأبسط تعالیم الله تعالى، فإن کل شیء مکشوف لله تعالى ولکل شیء ینتمی إلیه سبحانه، ولهذا لن ستفاعل الوجود معه، بل بالعکس فإنه سوف یتحرک ضده حتماً وجزماً وهذا من السنن الإلهیة، والتی تعرف بالسنن التاریخیة والغیبیة، قال تعالى:» وَلِیَعْلَمَ اللَّهُ مَن یَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ» (الحدید/٢٥)، واختم هذه المقالة بقوله تعالى:» أَمَّنْ هَذَا الَّذِی هُوَ جُندٌ لَّکُمْ یَنصُرُکُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْکَافِرُونَ إِلَّا فِی غُرُورٍ» (الملک/٢٠). | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 355 تنزیل PDF: 198 |
||||