ملحمة الأربعین الرائعة مظهر من مظاهر الحضارة الإسلامیة الحدیثة | ||||
PDF (1019 K) | ||||
![]() | ||||
ان مسیرة الأربعین الحسینیة العظیمة تبین لنا کیف یمکن من خلال الاستلهام من المبادیء الدینیة والمعنویة رؤیة ملایین الناس من مختلف أنحاء العالم تجتمع فی مکان واحد ویعیشون فی اجواء ملیئة بالمحبة والاخوة دون ان تحدث أدنى مواجهة بینهم. فی الأیام التی تسبق الأربعین، عادة ماتشهد عدد من البلدان والکثیر من المناطق فی مختلف ارجاء العالم ولاسیما إیران الإسلامیة شغفًا لا یوصف لزوار کربلاء الحسین. ففی کل عام وخاصة فی الأسبوع المؤدی إلى زیارة الاربعین الحسینیة یشهد العالم خروج موجات ضخمة من حشود المعزین للتعبیر عن إخلاصهم لقائد أحرار العالم من خلال المشارکة فی مسیرة المشی وقلوبهم ملیئة بالحنان الروحی لزیارة ضریحه المبارک وذلک فی مسیرة تعطر کل المناطق الإسلامیة برائحة الزوار. وترسم لوحة جمیلة فی کل الطرق لوحة تشکل عناصرها اطیاف من البشریة الوافدة من مختلف انحاء العالم. تأسیساّ علی ذلک، یمکن القول إن مسیرة الأربعین هی أولا مظهرًا للحضور المتناغم والتآزری لعدد لا یحصى من الناس من مختلف الأعراق والقومیات والأدیان معًا جاؤوا الی مکان مقدس لیعززوا مستواهم ودورهم الثقافی والاجتماعی فی اجواء معنویة عبر الاطلاع علی الجوانب المهة للملحمة الحسینیة وتأثیراتها.ومن هذه الجوانب، نذکر بعضها بإیجاز. ١- رمز للمشاعر النقیة والمودة لا یخفى على أی إنسان عادل یتحلی بالفکر والمنطق بأن الإمام الحسین (ع) هو رمز لحریة وعظمة الإنسان فی مواجهة الظلم و الاستبداد. اذ اصبح شعار (هیهات من الذلة) منذ الیوم التالی للیوم العاشر من محرم عام واحد وستین للهجرة شعارا یفضح کل من یرید ممارسة الظلم والطغیان ویحاول ان یسدل الظلام علی شمس الحریة، ومع مرور الزمن تبدلت ثورة وحرکة الإمام الحسین (علیه السلام) ألی اکبر حرکة إلهام للأحرار والمنادین بالحریة فی العالم، من هنا نلاحظ انه لیس الشیعة فقط، وانما أیضًا العدید من غیر المسلمین یشارکون فی مسیرة الاربعین وفی هذا المجتمع البشری العظیم، احتراما واستجابة لنداء الحریة والکرامة الذی اطلقه الإمام الحسین (ع) واصحابه الاوفیاء المخلصین. وهذا المجتمع البشری العظیم هو خیر دلیل، یشیر علی مدی المحبة التی یکنها احرار العالم للامام وانصاره وهی محبة مفعمة بالذکاء والمعرفة البشریة. ٢- مظهر یجسد وحدة الأمة الإسلامیة قد یعتقد البعض أن مسیرة الأربعین تتعلق بمذهب خاص، لکن المشارکة الملحمیة فی هذه الحرکة العاطفیة والتواصل الحمیم بین زوار سید الشهداء الذین یأتون مشیا على الأقدام من کل حدب. وصوب تشیر الی وجود حرکة إسلامیة تضم جمیع المذاهب الاسلامیة وحتی غیر الاسلامیة. فتواجد زوارالاربعین وهم یحملون أعلام دول مختلفة یدل على أن المسلمین وخاصة أتباع أهل البیت (ع) یتمکنون من ان یعیشوا معا کأمة واحدة بسلام وامان والأمة الواحدة بدورها تتمکن من خلال التضامن والاتحاد ان تمارس کافة النشاطات الدینیة والاجتماعیة والعالمیة. وفی الواقع ان هذا التضامن والاتحاد قد تجلی بوضوح فی مسیرة الاربعین العظیمة،لتبرهن هذه الامة للعالم بأنها تحمل رسالة، وأن المسلمین یتمکنون- من خلال التأکید على القواسم المشترکة والامتناع عن التعاون مع أعداء العالم الإسلامی، ان یرسموا أفضل واسمی صورة لوحدة الأمة الإسلامیة. - ظهور الفضائل الأخلاقیة والإنسانیة العظیمة تشیر الإحصائیات إلى أن الملایین من عشاق أبا عبد الله الحسین (ع) یشارکون فی مسیرة المشی فی الأربعین. ویکفی أن نتصور للحظة لو أن هؤلاء الناس، مثل الآخرین، لایفکرون سوی فی مصالحهم واهتماماتهم الشخصیة القائمة على حب الذات، وانهم بعیدون عن القیم والصفات العلیا مثل الایثار والتفانی والتضحیة بالنفس. فهل یمکن إدارة مثل هذا العدد الکبیر من الناس بسهولة والسیطرة علیهم وتلبیة احتیاجاتهم الأساسیة؟. من الواضح أن الامکانیات الحکومیة لیست هی الحل ولایمکنها ان تستجیب لهذا الکم والعدد الهائل من الزوار، ولولا الاجواء المعنویة لهذه الزیارة والاجواء الأخلاقیة التی یتمتع بها الزوار،لحدثت آلاف المشاکل، ولکن بفضل وبرکة هذه الاجواء المعنویة والأخلاقیة، نلاحظ ان الجمیع یبذل کل مالدیه من اجل توفیر الخدمة للاخرین حیث یشکل التعاون والتکاتف والتفانی والایثار ومساعدة الاخرین الصفة الغالبة علی الجمیع سواء أولئک الذین ینظمون المسیرات والمواکب ویقدمون الخدمات للزوار أو أولئک الذین یتلقون الخدمات. لذلک، یمکن الاستنتاج أنه فی المجتمع أیضًا، یمکننا الاستفادة وإلى أقصى حد من المکونات الروحیة والمعنویة لتعزیز الالتزام الاجتماعی والالتزام الخلقی الذاتی بین ابناء المجتمع، وان نمهد الطریق لتسامی الانسان وتوفیر الحیاة السعیدة له، وان نقدم لعالمنا الراهن نموذج وقدوة مفیدة وفاعلة تنقذهم من الواقع الفوضوی الراهن.وتهدیهم الی الطریق الصحیح. - النظام والأمن الداخلی المثالی نظرا للظروف الخاصة للعراق، توظف االمؤسسات والکوادر الحکومیة والمدنیة والقوات والعسکریة معظم طاقتها من اجل توفیر الأمن للزوار المشارکین فی زیارة الاربعین علی طول المسیر و مواجهة الجماعات الإرهابیة، وما یتم القیام به بین المشارکین فی المسیرة من أجل تنظیم المسیرة و توفیر النظام والأمن.فیعتبر نوع من النظام الداخلی القائم على القوانین الأخلاقیة والروحیة غیر المکتوبة. فالمشارکون فی هذه الملحمة، من خلال ثقة بعضهم بالبعض والتزامهم ألاخلاقی یقومون بإنشاء نظام داخلی، یحاولون من خلاله تنظیم سلوکهم وحرکاتهم لمساعدة الآخرین، ولا أحد یرید أن یحمل عبئًا على بقیة الزوار، لذا فإن هذا النظام الداخلی وهذا الأمن یعتبر بدوره نموذجاً مثالیاً. یؤکد علی قوة وقدرة المعتقدات الروحیة والمعنویة فی خلق الأمن والنظام فی المجتمع الإسلامی ویبرهن عقلیا ومنطقیا بأنه یمکن من خلال الاستخدام الصحیح والمنطقی لهذا النظام المبنی علی اساس المعتقدات حل العدید من المشاکل الأمنیة وان یکون رمزًا لظهور حضارة راقیة وسامیة تفوق مایسمی بالتعایش السلمی. - إدارة الاستهلاک من التحدیات الهامة التی تواجه موضوع تنفیذ اقتصاد المقاومة واقتصاد البلدان الإسلامیة الضعف الموجود فی إدارة الاستهلاک. والحقیقة هی أن عادة الاستهلاک المفرط هی إحدى المشاکل الاقتصادیة للبلاد، من هنا نلاحظ ان قائد الثورة المعظم یؤکد دائما فی تصریحاته علی موضوع ترشید إدارة الاستهلاک باعتبارها إحدى طرق تنفیذ اقتصاد المقاومة. من هنا ونظرا إلى وجود عدة ملایین من الزوار فی زیارة الأربعین نراهم یقومون هم بحد ذاتهم بإدارة الاستهلاک، فإن هذا الامر یشیر الی وجود رأس مال اجتماعی ذات دعامة دینیة فی المجتمع الإسلامی یهتم بموضوع إدارة الاستهلاک وانه یمکن استخدام هذا الرأس المال کنموذج مثالی لترشید الاستهلاک وخلق ثقافة مستدامة بین المسلمین. - رسم وجه جمیل للسلام والعدل الحقیقة هی أننا إذا أردنا تحلیل وجود ملایین الإیرانیین فی مسیرة الأربعین والترحیب الحار والمثالی للشعب العراقی لزوار سید الشهداء(ع) بمعاییر مادیة ومعاییر علم الاجتماع الوضعیة اجتماعیة، فسوف لن نصل الی ای نتیجة. لکن ما جعل الأخوة تحل بین الشعب الإیرانی والشعب والعراقی وزوار البلدان الأخرى بدلاً من القضایا المثیرَة للخلاف، هو وجود مفهوم عمیق من المعتقدات الدینیة والحب المشترک للفضیلة الأخلاقیة. إن وجود العتبات المقدسة فی العراق والرغبة الشدیدة للایرانیین وبقیة اتباع الدول الإسلامیة الأخرى لزیارة هذه العتبات قد دفع ابناء البلدین إلى التعرف والتواصل بشکل مباشر ووثیق مع بعضهما البعض، ونتیجة لذلک، تأصل موضوع بناء الثقة الشعبیة بینهما بسرعة کبیرة لدرجة أن الشعب العراقی یقوم بدعوة زوار أبا عبد الله إلى الحسین الی منازلهم الشخصیة والزوار الإیرانیون بدورهم یستجیبون برحابة صدر وبکل سرور استضافتهم. وتأسیسا علی ذلک، أصبحت مناسبة الأربعین عنصراً هاماً جداً فی تعزیز العلاقة السلمیة والعادلة بین شعوب وابناء العراق وإیران والدول أخرى، ویری أتباع الدیانات والمذاهب الأخرى هذه الملحمة العظیمة ویتابعوها ویرون صورة جمیلة للتعایش السلمی والسلام بین المسلمین. واذا تم القیام ببعض الإجراءات الهیکلیة خلال السنوات القادمة، فان هذا الامر سیؤدی بلا شک إلى تعزیز ورقی السلام المفعم بالعدالة والأمن فی المنطقة. - الإدارة المثالیة یعتقد جمیع الخبراء أن أفضل نظام إداری هو ألنظام الذی یکون قادرًا على استخدام وتنسیق القدرات العظیمة للناس جنبًا إلى جنب مع قدرات الحکومة، للعمل والتعاون بشکل فعال من أجل تحقیق الأهداف المنشودة ومنها خفض التکالیف وزیادة الإنتاج والحد من الاضرار والسلبیات. مما لا شک فیه، انه اذا امعنا النظر فی هذا المجال، یمکننا أن نرى فی مسیرة الأربعین کیف تقوم الجهات الحکومیة المعنیة إلى جانب عدد لا یحصى من الجهات الشعبیة بالاسراع لتقدیم الخدمة للزوار والضیوف حیث نراهم یعملون معا بشکل منسق متناغم وهذا الامر بدوره یرسم لنا نموذجا حقیقیا ورائعا للإدارة الإسلامیة المثالیة السامیة.وطبعا ینبغی بمرور الزمان تعزیز هذا النموذج وازالة بعض أوجه القصورالموجودة فیه لتزداد عبر الزمن قیمته وفاعلیته. والنتیجة أن هذه المظاهر وعشرات المظاهر الأخرى، التی هی برکات وجود سید علیه السلام والحرکة المعنویة لزوار الأربعین، تبشرنا بان هناک ترکیبة متمایزة وسامیة ومتفوقة فی طریقها الی الظهور، وهذه العلامات والمؤشرات هی فی الحقیقة رموز تبشر بتکون حضارة إسلامیة جدیدة، رموز یمکن استخدامها فی مسیرالتنسیق بین الدول الإسلامیة وتعزیز التواصل بینها فی مجال تعزیز الوحدة وسمو عناصر الحضارة الإسلامیة الجدیدة. أصبحت مناسبة الأربعین عنصراً هاماً جداً فی تعزیز العلاقة السلمیة والعادلة بین شعوب وابناء العراق وإیران والدول أخرى، ویری أتباع الدیانات والمذاهب الأخرى هذه الملحمة العظیمة ویتابعوها ویرون صورة جمیلة للتعایش السلمی والسلام بین المسلمین. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 462 تنزیل PDF: 222 |
||||