الدلالات القیادیة و المقاومة فی شخصیة الشهید الحاج قاسم سلیمانی | ||||
PDF (1787 K) | ||||
فی حدثیه عن الدور الذی اضطلع به الحاج قاسم خلال مرحلة الدفاع المقدس ـ الحرب العراقیة الایرانیة ـ و عبقریته الفردیة و التنظیمیة٬ و استعراض الخصوصیات التی أخرجته من إطار الشخص لیصبح «مدرسة سلیمانی» کما نعته سماحة قائد الثورة، یلفت القائد دهقان الى أن الشهید سلیمانی تلمیذ مدرسة الإمام الخمینی٬ و من ثمّ ترعرع و تکامل فی مدرسة سماحة القائد٬ و أنّ کل ما فعله صادر عن جوهره المستلهم من المفاهیم و المعارف الإسلامیة. لقد جاء الحاج قاسم کأیّ فرد عادی مع بعض الشباب الکرمانی فی فترة الدفاع المقدس لینخرط فی الدفاع عن الوطن. فی البدء٬ لم تکن هذه المجموعة تحمل أیّ عنوان مثلاً لواء أو منظمة أو غیر ذلک لأنّ هذه الوحدة کانت قد تشکّلت حدیثاً ضمن قوات حرس الثورة هدفها القیام بالعملیات المشترکة الکبرى بمعیّة الجیش٬ بید أنّ الحاج قاسم کان یتوفّر على القدرات و الإمکانات و العبقریة و المسؤولیة ممّا أتاح لهذه القوة الصغیرة أن تدخل میادین القتال بسرعة فائقة٬ و سرعان ما حوّل الشهید هذه المجموعة من شباب کرمان إلى لواء عظیم هو لواء “ثار الله” و الذی کان له دور کبیر فی جمیع مراحل الدفاع المقدس تقریباً٬ و یمکن القول أنّ هذا اللواء منذ عملیات الفتح المبین فما بعد شارک فی جمیع العملیات التی أنیطت بالجیش و حرس الثورة بلا استثناء و حتى انتهاء الحرب٬ حیث کان اللواء ٤١ ثار الله بقیادة الحاج قاسم سلیمانی أحد الوحدات الدفاعیة الرئیسیة التی کان لها دور فی جمیع مراحل الدفاع المقدس، و بعد الحرب أیضاً کان لهذا اللواء و قائده سلیمانی دور فی جنوب شرق البلاد لمحاربة الجرائم المنظمة لتهریب المواد المخدرة أو الوحدات المنظمة التی کانت تقوم بعملیات التهریب و تعیث بأمن المنطقة فساداً و من هناک التحق بفیلق القدس. و یمضی بالقول: لقد استطاع الحاج قاسم أن ینجز عدّة مهام فی فیلق القدس٬ و هی إنجازات کبرى تحسب له. المهمة الأولى إضفاء هویة على عملیات التحریر فی العالم الإسلامی٬ و حیثما کانت هناک مجموعة تلبس لباس المقاومة و تحارب الظلم و الاستبداد و تقف بوجه أطماع النظام السلطوی العالمی و المنظومة الاستکباریة و کذلک الصهاینة٬ فحوّل هذه الهویة إلى هویة عالمیة تتمحور حول مدرسة الإمام الخمینی و أهداف سماحة القائد ٬ هذه المهمة الأولى الکبرى التی أنجزها من دون أن یقوم بسلخ تلک المجموعات المقاومة من بیئتها و محیطها الجغرافی٬ أی بعبارة أخرى٬ استطاع تبیئة المجموعات المقاومة بنحوٍ ما و یغرس جذورها فی أعماق قلوب مجتمعاتها و بیئاتها المحلیة الحاضنة حتى تحوّلت حرکات المقاومة إلى أشجار وارفة الظلال تستطیع الیوم أن تتکئ على قواعدها و قدراتها الذاتیة لتواصل مسیرة حیاتها. و تابع: أما المهمة الثانیة فهی استحداث منظومة و علاقات یمکن لهما بنحوٍ أو بآخر أن یمنحا التواصل و الاستمراریة للهویة آنفة الذکر٬ بمعنى إذا حوّلنا المهمة الأولى فقط إلى مضمون أو جوهر فعلینا أن نحوّل المهمة الثانیة إلى وعاء أو بنیة تستطیع أن تحرّک ذلک المضمون أو الأهداف و المطالب بطریقة ما و تترجمها على أرض الواقع و تتکفلها بالرعایة و العنایة لتنمو و تتطوّر بمرور الوقت. و بالنسبة للمهمة الثالثة التی یمکن القول أنّ الحاج قاسم استطاع إنجازها خلال هذه الفترة٬ سواء فی الداخل ضمن القاعدة التی اضطلع بمسؤولیتها خلال مرحلة الدفاع المقدس، أو خلال هذه المدة التی تفرّغ بشکل رئیسی لمسؤولیته فی قوة القدس، هی إعداد و تربیة العناصر و الکوادر، أعنی إعداد القادة و العناصر القادرة على لعب دور خلاق و إبداعی کلّ فی مجال اختصاصه. و بعبارة أخرى٬ تحقیق نوع من الاکتفاء الذاتی و الاتکاء إلى القدرات الذاتیة، و خلق الثقة بالنفس و العزة فی نفوسهم أی عنصر المقاومة و الثبات. و کان من السهل أن یخلق هذه الصفات فی نفوس کوادره و عناصره لأنّه هو نفسه کان یتوفّر علیها. و اضاف: کان الحاج قاسم یتحلى بملکة القیادة، أی کان قادراً فی الأوقات العصیبة التی یمرّ بها هو و رفاقه أن یحوّل الطریق المسدود إلى فرصة وإلى منصة للانطلاق من جدید و إلى قفزة أکبر٬ فیمتصّ الضربة الموجهة لقواته و من ثمّ یخلق أجواء واسعة لرفاقه. هذه القدرة على خلق شعور الثقة بالنفس و الاتکاء إلى الذات و الشعور بالزهو و العزّة و الاستقلال، هی الشیء الذی استطاع الحاج قاسم أن یمنحه أثناء فترة قیادته لمقاتلیه و کل من حوله. و فی نفس السیاق نقول بأنّها القدرة العالیة على القیادة الشجاعة. فقد کان شجاعاً و فی نفس الوقت جسوراً. کان یخاطر من أجل تأمین الراحة و الاستقرار و الأمن للآخرین، کان یعرّض راحته و استقراره و أمنه للخطر٬ و لکن مع ذلک لم یکن یُقدم على مخاطرات مکلفة أبداً ٬ بمعنى أنّ تدبیر الأمور هو إنجاز العمل بأقل القدرات المتوفرة و تحقیق أکبر عدد من الأهداف و بأقل الخسائر و التضحیات٬ هذه أیضاً کانت مسألة مهمة فی الجانب القیادی للحاج قاسم. باختصار الحاج قاسم کان قائداً عسکریاً و قائداً سیاسیاً و زعیماً جامعاً قادراً على المأسسة و على توسیع و نشر الثقافة الصحیحة٬ کما کان قادراً على الکشف عن العناصر الجیدة و الکفوءة و الاستفادة منها و تکثیرها٬ و أخیراً استطاع أن ینزل ما یجول فی خیاله و ذهنه من طموحات و أهداف إلى أرض الواقع٬ أی أن یعمل على مأسسة و تقنین الطموحات و الصورة المثالیة التی کان یسعى إلیها. و حول خصوصیات الحاج قاسم و مزایاه الشخصیة، یذکر القائد دهقان: هناک عدّة خصال بارزة فیه٬ فی مقدمتها إخلاص الحاج قاسم و نقاؤه. و لعلّ البعض یعتقد أنّی أبالغ إذا قلت بأنّه حتى أنفاس الحاج قاسم کانت لمرضاة الله٬ بمعنى٬ لم یسعَ یوماً أبداً إلى المنصب أو الجاه أو الشهرة و الاعتبار أو العلاقات العامة و ما إلى ذلک٬ المهم عنده هو أن یکون عمله خالصاً لله و نیل مرضاته. کذلک اتسمت شخصیة الحاج قاسم بـ “ تمحوره حول الولایة “، بمعنى أنّه کان طوع أوامر القائد و رهن إشارته و المنفّذ لتوجیهاته٬ و کان یرى أنّ السیر فی هذا الطریق یجمع بین مرضاة الخالق و بین فلاح المرء و سعادته. واضاف: کذلک عرفت شخصیة الحاج قاسم بـ “ البعد الثوری “، ذلک أن الحاج قاسم لم یکن مستعداً للمساومة على حدود الثورة و قیمها مطلقاً ٬ أو أن یتخلّى عنها أو یتهاون فیها. فمثلاً کان یصرخ عندما کان الوضع یتطلّب ذلک٬ و کان یتواصل عندما کان الوضع یتطلّب التواصل٬ و کان یقدّم المساعدة و العون عندما کان الوضع یقتضی ذلک٬ کان العمل الثوری هو المهم عنده٬ فهو البوصلة و المیزان لسلوکه. و یتطرق القائد دهقان الى الجانب المعنوی عند الحاج قاسم موضحاً: المسألة المعنویة عند الحاج القاسم و الأبعاد الروحانیة فی شخصیته من المسائل الهامة جداً. للإمام الخمینی عبارة یقول فیها « راجعوا وصایا الشهداء ... فهؤلاء قطعوا طریق المئة عام بالنسبة لسالکی درب السلوک و العرفان فی لیلة واحدة». الحاج قاسم کان قد سلّم أمره لخالقه٬ و فی المقابل أعطاه الله کل ما تمنّى٬ لم یذهب لمدرسة و لم یتلقّ الدروس٬ بل إخلاصه کان کل رأسماله طبقاً للروایة الشریفة «من أخلص لله أربعین یوماً فجّر الله ینابیع الحکمة من قلبه على لسانه». هکذا کان الحاج قاسم حقاً٬ حیث طغى البعد المعنوی و الروحانی فی شخصیته فطهره. لقد وضع نفسه فی مسیر فیض النور الإلهی٬ فأمسک بأطراف العلم و الحکمة و البصیرة و الفهم٬ وکان یحمل کل ذلک فی ذاته. و یتناول القائد دهقان جانباً آخر من شخصیة الحاج قاسم قائلاً: کانت للحاج قاسم نظرة استخباراتیة و أمنیة خارقة٬ بمعنى أنّه کان یحسن قراءة الظروف و الأوضاع المحیطة٬ و قادراً على فهمها و تحلیلها بصورة صحیحة. بطبیعة الحال فی القضایا التی تتجاوز البعد الوطنی إلى البعد الإقلیمی٬ و من البعد الإقلیمی إلى البعد العالمی، یتعدّد اللاعبون و تتنوع مطالیبهم و مصالحهم و تتعارض فی مکان ما٬ فی هذه الأجواء المعقدة من جهة و الغامضة من جهة ثانیة و الواضحة بالنسبة إلیک من جهة ثالثة، یصبح عملک جدّ صعب و معقد٬ لأنّه یتطلّب منک الفطنة و البصیرة و فوق هذا و ذاک القدرة على قراءة الظروف المحیطة بشکل صحیح. و الحاج قاسم کان یملک قدرة خارقة فی هذا المجال، أی إنّه کان یتمتّع بقدرة فائقة على تحلیل القضایا الأمنیة، فضلاً عن القضایا السیاسیة٬ أی کان یرى الظروف کما هی على حقیقتها و یحلّلها و من ثمّ یعمل بموجب تحلیله. و یتابع: کما کان سلیمانی ملماً بالدبلوماسیة على الصعد العامة و الأمنیة و الاستراتیجیة٬ لذلک کان دبلوماسیاً و مفاوضاً جیداً جداً٬ و کان صریحاً و شفافاً، لأنّه لم تکن لدیه تحفظات معینة ٬ و لم یکن یطلب لنفسه شیئاً. کان الحاج قاسم صادقاً مع نفسه و یتصرّف على سجیته، و کان أریحیاً مع الطرف الآخر٬ کان یقول ما عنده بصراحة و وضوح و یطرح مطالباته على الطرف الآخر و یتابع و یعرض أدلته و أسبابه حتى یقنعه. فی المفاوضات لیس کل ما تتمناه یحدث، فالطرف الآخر أیضاً له مطالبات٬ حیث یقال فی أصول الحوار و المفاوضات بأنّ للطرف مصالح أیضاً٬ لذا٬ علیک أن تبیّن الأهمیة الکبیرة للمصالح التی تنطوی علیها هذه المفاوضات بالنسبة للطرف الآخر لترغیبه على التعاون والمشارکة. هذه الخصوصیة٬ أعنی إقناع الطرف الآخر کان الحاج قاسم یمتلکها فی معظم الأحیان سواء مع الأتراک أو مع الروس أو مع الآخرین. ویمضی بالقول: کان الحاج قاسم غایة فی التواضع وذا شعبیة.هناک عبارة تقال بلهجة أهل کرمان “ دعنی أقبّل یدیک “، کانت هذه العبارة على لسانه دائماً و لم یکن یخجل من قولها على الرغم من رتبة اللواء التی کان یحملها، وکان طبعاً أکبر رتبة عسکریة من کثیر من رفاقه سواء داخل قوات حرس الثورة أم خارجها. لم یکن یهتم بالمستویات الإداریة و التسلسل الوظیفی، بل کان العمل و إنجازه و مواکبة الآخرین هی التی تحظى بالاهمیة بالنسبة له. نعم٬ کان المهم عنده إنجاز العمل أیّا کان المسؤول عن ذلک العمل٬ لم یکن یجد ضیراً فی الذهاب إلى ذلک المسؤول و التفاوض معه. کان على درجة کبیرة من التواضع٬ کان یتواجد بین الناس دون أیّ إجراءات أمنیة أو تشریفاتیة تذکر٬ وطبعاً لو أردنا تصنیف الحاج قاسم على المستوى الأمنی نقول أنّه یعدّ ضمن الطراز الأول من المسؤولین فی البلاد٬ مع ذلک لم تکن لدیه حمایة أمنیة على مستوى واسع أو عدد کبیر من المرافقین الأمنیین٬ کان بسیطاً جداً مع نفسه ومع الناس٬ کانت له شعبیة کبیرة جداً. باختصار أنّ الإنسانیة و الکرامة الإنسانیة بالنسبة للحاج قاسم یعبران عن حقیقة موضوعیة٬ فهو لم یکن إنساناً أحادیاً، أو بتعبیر أوضح٬ لم یکن مؤدلجاً لیقول بأنّه لا یدافع إلّا عمّن یحمل نفس أفکاره٬ بل کان یدافع عن الترکمانی و العربی و المسیحی و الإیزدی وغیرهم. لقد استطاع قاسم أن یزیل الحدود و الألوان. إنّک تجد الآن فی لبنان المسیحی و السنّی و الدروزی و .. و کذلک تجد الشیعی٬ کلهم منخرطون فی المقاومة٬ و هذا خیر دلیل على أنّه استطاع أن یزیل الحدود المصطنعة التی تفرّق أفراد البشر بعضهم عن بعض. الکرامة الإنسانیة هی وحدها التی کانت تشکّل قیمة علیا بالنسبة له. ولهذا الجمیع کان یحبه ویکنّ له الاحترام و التقدیر فی بقاع کثیرة من هذا العالم٬ فلا تجد بقعة لا یوجد فیها هذا الحضور، أو بتعبیر أدق هذا التأیید و المواکبة. و اخیراً و لیس آخراً، یحدثنا القائد دهقان عن حقیقة رد حرس الثورة على عملیة اغتیال الشهیدین الحاج قاسم سلیمانی و ابو مهدی المهندس، موضحاً: الولایات المتحدة تقول بأنّ ردّ إیران لم یکن شیئاً یذکر٬ حسناً٬ لم نفعل شیئاً٬ و لکن مراسلیها یذهبون فی کل یوم إلى تلک المنطقة و یقومون بتصویر المنشآت و المبانی المدمرة فی القاعدة المقصوفة و یسرّبون الأخبار بالتدریج. و فی بادىء الامر تقول لم یحدث شیء و لم نتکبّد و لا حتى جریح واحد٬ ثم لاحقاً تقول بأنّها تکبّدت ١١ جریحاً و قتیل. حتى الآن وخلال خمس مرات قدّموا أرقاماً متفاوتة٬ آخر عدد ذُکر هو ٦٤. لقد اضطرّوا لتسریب أخبار القصف لیبیّنوا ماذا حدث بالضبط. و حتى لو لم یکشفوا عن التفاصیل٬ فإنّ المنافسین فی الحملات الانتخابیة سوف یفعلون ذلک! بالنسبة لنا کنّا دائماً نقول بأنّنا لن نکون البادئین بالحرب. و قلنا أیضاً أنّ من یبدأ الحرب فلن یکون هو من ینهیها. بالفعل وجّهت الولایات المتحدة ضربة لنا٬ فکان علینا إمّا أن نردّ أو لانردّ. لو لم نردّ أو کان الردّ غیر مباشر٬ ماذا کان سیحصل؟ بالطبع لتشجّعت الولایات المتحدة بعد ذلک على فعل أیّ شیء. أن تأتی خلسة وتشنّ هجمة على مسؤول رسمی فی بلد أجنبی وتغتاله ثم تعود أدراجها٬ نفس الشیء الذی تفعله إسرائیل مع المقاومة فعلته الولایات المتحدة بالضبط. لقد استخدمت هذا التعبیر و هو٬ أنّ ترامب عندما کان یقول أمریکا أولاً٬ کان یقصد إسرائیل أولاً٬ بمعنى٬ أنّ ترامب لا یفعل إلّا ما تریده إسرائیل ویریده نتنیاهو. فهو لا یفعل شیئاً للشعب الأمریکی، و إنما للصهاینة. وعلیه کان ینبغی للجمهوریة الإسلامیة أن تستعرض عدّة أمور٬ أولاً٬ لو قلنا أنّ زمن الضرب و الفرار قد ولّى٬ فهو قد ولّى فعلاً. و إذا قلنا أنّه إذا ضرب فسنضرب٬ بالفعل ضربنا٬ کان علینا أن نبیّن عزمنا و إرادتنا الحازمة الدالة على الردّ الحتمی على الأمریکان. ثانیاً٬ أین کان یجب أن نردّ٬ حیث مستوى الادعاءات الأمریکیة فی ذروتها. فالأمریکان یعتقدون بأنّ امتلاکهم للقدرات العسکریة و التکنولوجیة المتطورة یتیح لهم فعل أیّ شیء. لم تکن قاعدة عین الأسد قاعدة عادیة بالنسبة للأمریکان. على صعید النفقات التی أنفقوها هناک٬ و القدرات التی کانت تحظى بها٬ و العناصر المتواجدة فیها، و المهام المناطة بهم و غیر ذلک٬ کانت تشکّل شیئاً مهماً بالنسبة للأمریکان. و لذلک عندما قمنا بضربها٬ فإنّنا بذلک أثبتنا عزمنا و إرادتنا الراسخة على الردّ. و فی المقابل، أوضحنا أنّنا نحطّم الغطرسة و الهیمنة. حتى الیوم کان الأمریکان یرتکبون کل جریمة تحلو لهم و لا یجرؤ أحد على الردّ علیهم. لکنّا قمنا بالردّ. و هذا الردّ کان بمثابة استعراض للعزم و الإرادة الصلبة٬ و أعتقد إنّ هذا یکفی. و الملفت أنّ أحداً فی العالم لم یهنئ ترامب على فعلته باغتیال الحاج سلیمانی. لم یرحّبوا بهذا التصرّف. لقد قلت وقتها أنّ إسرائیل هی من خطّط لهذه العملیة و سعى إلیها٬ و السعودیة موّلتها، و قامت الولایات المتحدة بتنفیذها. حتى السعودیة لم تجرؤ على أن تنطق بکلمة واحدة. و أعلنت إسرائیل أنّها لم تُبلَّغ بالعملیة. أن الشهید سلیمانی تلمیذ مدرسة الإمام الخمینی٬ و من ثمّ ترعرع و تکامل فی مدرسة سماحة القائد٬ و أنّ کل ما فعله صادر عن جوهره المستلهم من المفاهیم و المعارف الإسلامیة. اتسمت شخصیة الحاج قاسم بـ “ تمحوره حول الولایة “، بمعنى أنّه کان طوع أوامر القائد و رهن إشارته و المنفّذ لتوجیهاته٬ و کان یرى أنّ السیر فی هذا الطریق یجمع بین مرضاة الخالق و بین فلاح المرء و سعادته. کان الحاج قاسم یتحلى بملکة القیادة، أی کان قادراً فی الأوقات العصیبة التی یمرّ بها هو و رفاقه أن یحوّل الطریق المسدود إلى فرصة وإلى منصة للانطلاق من جدید و إلى قفزة أکبر٬ فیمتصّ الضربة الموجهة لقواته و من ثمّ یخلق أجواء واسعة لرفاقه. الأمریکان یعتقدون بأنّ امتلاکهم للقدرات العسکریة و التکنولوجیة المتطورة یتیح لهم فعل أیّ شیء. لم تکن قاعدة عین الأسد قاعدة عادیة بالنسبة للأمریکان. على صعید النفقات التی أنفقوها هناک٬ و القدرات التی کانت تحظى بها٬ و العناصر المتواجدة فیها، و المهام المناطة بهم و غیر ذلک٬ کانت تشکّل شیئاً مهماً بالنسبة للأمریکان. و لذلک عندما قمنا بضربها٬ فإنّنا بذلک أثبتنا عزمنا و إرادتنا الراسخة على الردّ. کان الشهید سلیمانی و فی نفس الوقت جسوراً. کان یخاطر من أجل تأمین الراحة و الاستقرار و الأمن للآخرین، کان یعرّض راحته و استقراره و أمنه للخطر٬ و لکن مع ذلک لم یکن یُقدم على مخاطرات مکلفة أبداً ٬ بمعنى أنّ تدبیر الأمور هو إنجاز العمل بأقل القدرات المتوفرة و تحقیق أکبر عدد من الأهداف و بأقل الخسائر و التضحیات. کان سلیمانی ملماً بالدبلوماسیة على الصعد العامة و الأمنیة و الاستراتیجیة٬ لذلک کان دبلوماسیاً و مفاوضاً جیداً جداً٬ و کان صریحاً و شفافاً، لأنّه لم تکن لدیه تحفظات معینة ٬ و لم یکن یطلب لنفسه شیئاً. کان الحاج قاسم صادقاً مع نفسه و یتصرّف على سجیته، و کان أریحیاً مع الطرف الآخر. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 1,293 تنزیل PDF: 156 |
||||