جاذبیة السلوک عند الجنرال الحاج قاسم سلیمانی | ||||
PDF (1132 K) | ||||
فی العقدین الأخیرین و خلال عمله فی مناصب عدیدة فی الخارجیة الایرانیة،لاسیّما نائب وزیر الخارجیة للشؤون العربیة و الأفریقیة، حظی الاستاذ حسین امیر عبد اللهیان بعلاقة تعاون وثیقة بالجنرال قاسم سلیمانی،مما یؤهله لأن یقدّم تحلیلاً دقیقاً عن المقاربات المتقـنة وأسالیب القیادة للشهید سلیمانی کقائد لفیلق القدس و خبیر فی السیاسة الخارجیة . و فی الذکرى الاولى لإستشهاد الجنرال قاسم سلیمانی، أجرت فصلیة طهران لدراسات السیاسة الخارجیة، حواراَ مفصلاً مع الاستاذ عبد اللهیان، حاولت من خلاله تسلیط الضوء على نشاطات الحاج قاسم بالنسبة لقضایا العالم الإسلامی، والتعرف على بعض الزوایا الخفیة فی شخصیة هذا الشهید السعید. و نظراَ لأهمیة الحوار نعید نشر أبرز ما جاء فی الحوار. بدایة یشیرعبد اللهیان الى ثلاث طروحات رئیسیة کان الشهید القائد یواصل اللیل بالنهار من أجل تحقیقها وهی، النهوض بمکانة العالم الإسلامی، و محاربة الإرهاب، و منع تقسیم العراق و سوریة، و قد نجح نجاحاً باهراً فی تحقیق ذلک. فی معرض حدیثه عن الخصوصیات الفریدة التی اتسمت بها شخصیة الحاج قاسم واخرجته من اطار الشخص و صنعت منه مدرسة متکاملة تخرج من مدرسة الامام الخمینی، على حد قول سماحة القائد، یقول عبد اللهیان: فی تصوری أنّ عبارة «مدرسة سلیمانی» تستبطن الجذور الأصلیة لرسالیّته و تمحوره حول الولایة٬ و لیس ذاک سوى المدرسة الإسلامیة الأصیل. و لکن ما الذی حدث حتى یستخدم سماحة القائد مثل هذه العبارة فی حقّ شهیدنا٬ فذلک یکمن فی کونه شخصیة ذات وجوه و أبعاد مختلفة. أمّا بعده العسکری فکان مکشوفاً تماماً للعالم٬ و لا أرید أن أخوض فیه لأنّی لست عسکریاً٬ و لأنّه معلوم لدى الجمیع مدى شجاعته و بسالته و کیف سحق عظام داعش فی المنطقة. و لکن ما اود الاشارة الیه هو الأبعاد الأخرى فی شخصیة هذا القائد الفذ للوقوف على حقیقة وصف سماحة القائد للحاج قاسم بـ “مدرسة سلیمانی”. کان الشهید سلیمانی “دبلوماسیا” بکل ما فی الکلمة من معنى . و من الواضح ان النشاط و التنسیق الذی کان یقوم به فی المنطقة تمحورحول ثلاثة محاور و ثلاث استراتیجیات رئیسیة فی المنطقة تنتهی جمیعها إلى قضیة مفصلیة ألا و هی الارتقاء بمکانة العالم الإسلامی و إحیاء الحضارة الإسلامیة فی العالم المعاصر. و لأجل تحقیق ذلک کان یعمل على استراتیجیة وقف الأطماع التوسعیة للصهاینة ومحاولة التصدی لها ٬ و أعتقد أنّ الجنرال سلیمانی بوصفه قائد فیلق القدس، استطاع أن یحقّق نجاحاً باهراً فی هذا المجال . ویضیف عبد اللهیان: أما بالنسبة لاستراتیجیة محاربة الإرهاب٬ فقد استطاع الجنرال سلیمانی أن یفشل المخطط الصهیونی الأمریکی المعقد الذی ساهمت فی تنفیذه بعض الانظمة العربیة . و من المفارقات الملفتة أن سلیمانی کان قد تنبأ بذلک قائلاً: أعلن لکم بصراحة أنّنا سوف نشهد نهایة داعش فی منطقة غرب آسیا فی غضون ثلاثة أشهر٬ و بالفعل وقع ما تنبأ به. و یمضی بالقول: أما بالنسبة للمهمة الثالثة، یمکن القول أنّ القائد سلیمانی بفکره الاستراتیجی و توظیفه القدرات الإقلیمیة، استطاع أن یحول دون تجزئة سوریة و العراق وانطلاق قطار التقسیم من هذه البلدان لیصل إلى البلدان الکبرى فی المنطقة. نجح فی تحقیق ما کان یطمح الیه بموازاة نجاح المهمتین السابقتین .غیر أنّ ذلک لم یکن ممکناً عبر العسکرتاریة ٬ فالکثیر من هذه الخطوات کانت تستلزم اجراء حوارات و مفاوضات مع المسؤولین السیاسیین و قادة الدول٬ و کنت أشاهد عن کثب کیف أنّه کان یتصرّف کدبلوماسی محترف فی هذا المجال . و کتجربة مهمة للغایة أقول٬ عندما طلب الساسة العراقیون من الجمهوریة الإسلامیة عقد مفاوضات ثلاثیة إیرانیة – عراقیة - أمریکیة فی بغداد ٬ عقدت المفاوضات بالفعل عام ٢٠٠٧ بعد موافقة سماحة القائد، و کان القائد سلیمانی هو المسؤول عن هذا الملف و توجیه فریق المفاوضات٬ و شارک فی المفاوضات السید کاظمی قمی سفیرنا فی بغداد و الدکتور أمیری ممثلاً للمجلس الأعلى للأمن القومی، و کنت أنا مندوباً من وزارة الخارجیة. و یشهد الأخوة الذین حضروا المفاوضات کیف أنّ القائد سلیمانی کان یکرس کل وقته لتسییر تلک المفاوضات الدبلوماسیة الحساسة٬ و کان یرکّز على بعض النقاط الهامة التی لا یلتفت إلیها إلّا من کان وزیراً للخارجیة لسنوات طویلة. و تابع عبد اللهیان القول: الخصوصیة الثالثة هی أنّنا فی عرف السیاسة الخارجیة ینعت البعض بأنهم دبلوماسیون محترفون إلى جانب کونهم سیاسیون محنّکون. والشهید سلیمانی کان سیاسیاً محنّکاً و دبلوماسیاً خبیراً. فبالإضافة إلى کونه جنرالاً عسکریاً متمرّساً، کان سیاسیاً بارعاً یمتلک فهماً صحیحاً و واقعیاً للاحداث٬ و قد ساعدت رؤیته السیاسیة هذه على إدارة الملفات الهامة ببراعة ملفتة. و فی جانب آخر من حواره یذکرعبد اللهیان: إنّ تمحور الشهید سلیمانی حول الولایة و إیمانه القلبی بولایة الفقیه و نظام الجمهوریة الإسلامیة المقدس، و شجاعته و جسارته فی ساحات المعارک، و دبلوماسیته و حنکته السیاسیة و بصیرته، إضافة إلى خصوصیاته الروحیة و الأخلاقیة و الشخصیة، کلّ ذلک رسم لوحة معبرة للقائد سلیمانی تدل بصدق اکبرعلى منزلته و موقعیته من عبارة « مدرسة سلیمانی »، لا سیّما بعد استشهاده الذی ترک أثراً عظیماً على جمیع الأحرار و کل الفئات حتى الذین لم یکونوا مطلعین على خبایا شخصیته٬ حیث ضمّن الله تعالى شهادته من ألطافه و فُتحت صفحة جدیدة ـ على حدّ تعبیر سماحة القائد ـ عزّزت موقعه و أماطت اللثام عن بعد آخر فی شخصیته الفذة. و حول مدى تأثیرغیاب الجنرال سلیمانی على مستقبل محور المقاومة، یرى عبد اللهیان: إنّ دم الشهید سلیمانی شکّل أولاً: دافعاً قویاً لمواصلة نهج سلیمانی٬ و ثانیاً: أن الشهید حقّق إنجازات بالغة الاهمیة سوف تثبت للآخرین قریباً، أنّ المسیرة لیس لن تتوقف فحسب، و إنما ستتواصل بوتیرة أسرع٬ و بتخطیط أعقد و إنجازات أکبر وصولاً إلى السلام والأمن فی المنطقة٬ و بطبیعة الحال نتائج کارثیة بالنسبة للصهاینة و أصدقائهم الجدد . و یحدثنا عبد اللهیان عن الدور الذی اضطلع به الحاج قاسم فی مواجهة تنظیم الدولة الاسلامیة و التصدی لمحاولة الدواعش احتلال المدن العراقیة، موضحاً: فی مسألة داعش و کردستان العراق، لیس لدی أیّ تحفّظ من القول بأنّ داعش فی العراق إنّما هو أداة الولایات المتحدة و الکیان الصهیونی، وُجد بأموال الانظمة العربیة و خیانة بعض الزعماء العرب، و کذلک خیانة بعض زعماء کردستان العراق٬ وانتزع الموصل و أجزاء مهمة من ید الحکومة العراقیة، و ما هی إلا أیام قلائل حتى وصل داعش إلى تخوم أربیل. و فی هذا الصدد لن أنسى تلک اللحظة عندما کنت جالساً فی مکتبی بوزارة الخارجیة و کانت الساعة الحادیة عشرة لیلاً، اتصل قنصلنا فی أربیل و قال إنّ المسؤولین الأکراد یحزمون حقائبهم ویستعدون للرحیل٬ فالبعض غادر و البعض الآخر فی طریقه إلى المغادرة٬ فماذا أفعل؟ هل أعطّل القنصلیة و أذهب إلى السلیمانیة أم أبقى حیث أنا؟ و أضاف القنصل نقلاً عن السید مسعود بارزانی، بأنّه طلب من الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة أن تسرع لنجدته٬ و أن ترسل قواتها الجویة لمساعدتنا. و کذلک نقلاً عنه، بأنّه خلال الستة عشرة ساعة الماضیة اتّصل عدّة مرات بالإدارة الأمریکیة لکنّ المسؤولین الامیرکان یسوّفون و یقولون سوف ندرس الأمر و نقرّر٬ و لم یفعلوا لنا أیّ شیء٬ نرجو منکم أن تسرعوا لنجدتنا. هکذا کانت الأوضاع فی إقلیم کردستان العراق٬ هذا الإقلیم المتّهم بأشیاء عدیدة٬ بدءاً بالتجسّس لصالح الکیان الصهیونی ومروراً بنشر القواعد الأمریکیة العلنیة و السریة و غیرها٬ و لکن مع ذلک ذهب القائد سلیمانی إلى مطار أربیل و عمل کل ما فی وسعه لتقدیم المساعدات الممکنة٬ و قد حصل ذلک بالفعل و قدّم ما استطاع تقدیمه. و فی السیاق نفسه، أی محاربة داعش، أودّ أن أضیف٬ بأنّنی کنت فی مکتبی فی مجلس الشورى ،و أخبرونی أنّ وفداً من رؤساء عشائر أهل السنّة فی العراق یزور إیران و قد التقى عدداً من المسؤولین الإیرانیین٬ و من حیث أنّی کنت منخرطاً فی الملف العراقی طلبت أن ألتقی بهم٬ و بالفعل حصل اللقاء و کانوا شیوخاً طاعنین فی السنّ یرأس کل منهم عشیرة سنیة کبیرة فی العراق. عندما تحدثّت إلیهم قالوا لی: لقد جئنا أولاً لنشکر الجمهوریة الإسلامیة على مساعدتها الشعب العراقی و عدم السماح بسقوط بغداد بید داعش. و ثانیاً نشکرکم لعدم السماح بسقوط المحافظات الشیعیة٬ و ثالثاً عدم السماح لداعش باحتلال أربیل. جئنا لنقول لکم کنّا مخطئین٬ خدعنا الأمریکان و زعماء داعش٬ إذ جاءنا هؤلاء و قالوا جئنا لننقذکم أنتم أهل السنّة، فانتظرونا لاحتلال العراق و تسلیم مفاتیح٬ لکم، و لکن سرعان ما رأینا بأنّ المحافظات السنیة تسقط الواحدة تلو الأخرى٬ و أنّ داعش بدأ بذبح أبناءنا و الاعتداء على نسائنا و أسر بناتنا٬ و فقدنا خریطتنا الجغرافیة و أراضینا٬ و کان الأمریکان یتفرجون و لا یفعلون شیئاً سوى شرب القهوة العراقیة المرّة معنا و یقولون إنّنا ندرس الأمور٬ تماماً کما قال السید مسعود بارزانی من قبل. فقلت لهم: هل من مساعدة أستطیع أن أقدّمها لکم٬ فقالوا: جئنا فقط لنقول إنّنا التقینا ببعض المسؤولین و توصّلنا إلى نتیجة مفادها أن لا أحد سوى الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة یستطیع تحریر مناطق أهل السنة من براثن داعش لتعود الحیاة المستقرة إلى مناطقنا. و یمضی عبد اللهیان بالقول: لقد دافع القائد سلیمانی عن کربلاء و النجف بهمة عالیة مثلما دافع عن أربیل بوجه داعش بنفس الهمة و العزیمة٬ و ذهب إلى المناطق السنیة و دافع عنها بنفس الهمة أیضاً. هل تعلمون بأنّ شهداء الحشد الشعبی و الشهداء العراقیین و الإیرانیین و الشهداء المدافعین عن الحرم الزینبی والذین استشهدوا خلال هذه السنوات فی العراق٬ لقد استشهد معظمهم أثناء تحریرهم المناطق السنیة٬ هکذا کانت النظرة المنفتحة للقائد سلیمانی٬ و هذه هی النظرة المشفقة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. لم یقل القائد سلیمانی أنّ ثمة وثائق تشیر إلى خیانة بعض الزعماء الأکراد و دورهم فی سقوط الموصل٬ لقد استلم رسالة مسعود بارزانی فی الساعة الحادیة عشرة لیلاً و قبل الفجر اتّصل قنصلنا برقم مشفر و قال لی أنّ القائد سلیمانی فی أربیل و قد بدأ العمل٬ هذا هو” فارس السلام “ و فارس الأمن، الأمن للجمیع، للشیعة والإیرانیین، والسنّة و الأکراد و الدروز و الترکمان٬ کان ینظر إلى کل هؤلاء بعین واحدة. و لعل فی ذلک خیر دلیل للرد على محاولات دعاة الفتنة الطائفیة باتهام ایران بحمایة الشیعة و معادة ابناء السنة، حیث یتضح جلیاً بأن جهود الحاج قاسم و خدماته لأبناء السنة فی نشر السلم و الامن بالمناطق السنیة فی العراق، تفوق کل تصور خاصة بالنسبة للسنة أنفسهم . کان الشهید سلیمانی “دبلوماسیا” بکل ما فی الکلمة من معنى . و من الواضح ان النشاط و التنسیق الذی کان یقوم به فی المنطقة تمحورحول ثلاثة محاور و ثلاث استراتیجیات رئیسیة فی المنطقة تنتهی جمیعها إلى قضیة مفصلیة ألا و هی الارتقاء بمکانة العالم الإسلامی و إحیاء الحضارة الإسلامیة فی العالم المعاصر.
بالنسبة لاستراتیجیة محاربة الإرهاب٬ فقد استطاع الجنرال سلیمانی أن یفشل المخطط الصهیونی الأمریکی المعقد الذی ساهمت فی تنفیذه بعض الانظمة العربیة . و من المفارقات الملفتة أن سلیمانی کان قد تنبأ بذلک قائلاً: أعلن لکم بصراحة أنّنا سوف نشهد نهایة داعش فی منطقة غرب آسیا فی غضون ثلاثة أشهر٬ و بالفعل وقع ما تنبأ به. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 668 تنزیل PDF: 144 |
||||