الحضارة الاسلامیة المعاصرة ، رسالة الخطوة الثانیة للثورة، و الانجازات الثقافیة للجمهوریة الاسلامیة | ||||
PDF (1271 K) | ||||
![]() | ||||
محمد اسدی موحد ( باحث و أستاذ جامعة )
انتصار الثورة الاسلامیة فی شباط عام ١٩٧٩ بقیادة الامام الخمینی ( رحمه الله )، وضع حداً لأنحطاط تاریخی طویل ، و اضحى مصدر انطلاق تحولات جادة و هامة لیس على صعید الداخل الایرانی فحسب ، و إنما فی المنطقة و العالم ، و اربکت الکثیر من الموازنات السیاسیة ، و قضّت مضاجع القوى العظمى . ثورة عام ١٩٧٩ لفتت انظار العالم الى موقعیة الامة و دورها فی رسم النهج السیاسی للدولة ، و تحدید السیرة العملیة للحکومة ، والتعرف على الحدود والثغور المؤثرة فی تعیین وتغییر السیاسات العامة ، و مساهمة الحکومة فی بلورة آمال و تطلعات الجماهیر ، و دورها فی صیانة الاهداف والتوجهات و توفیر الاحتیاجات المادیة و المعنویة والحرص على تحققها لکافة ابناء الشعب . و هنا بالذات یکتسب الخوض فی مکاسب و انجازات الجمهوریة الاسلامیة مفهومه واهمیته . وقبل تناول مکاسب الثورة الاسلامیة فی ایران ، ینبغی الالتفات اولاً الى ان موضوع الانجازات ذات صلة وثیقة بموضوع المهنیة و الکفاءة . و لهذا التعرف على مکاسب ایة ثورة یتطلب الاحاطة بمفهوم الکفاءة و الواقع المهنی الفاعل و المؤثر. ولا یخفى ان الکفاءة والمهنیة بمفهومها الحقیقی تعنی، الموفقیة فی تحقق الاهداف مع الأخذ بالاعتبار الامکانات المتاحة و التحدیات. و فی ضوء ذلک فان نجاح و موفقیة ایة ظاهرة بما فی ذلک الثورة ، یتضح فی ضوء ثلاثة مؤشرات : الاهداف ، و الامکانات ، و التحدیات. و لدى تبیان مکاسب الثورة الاسلامیة لابد من الاخذ بالاعتبار المؤشرات الثلاثة اعلاه . و فی ضوء الابعاد الرئیسیة و الفرعیة ، و الامکاناة المتاحة ، و انواع الموانع و العقبات الداخلیة و الخارجیة ، و حجم التهدیدات و العداوات التی تستهدف الثورة الاسلامیة ، یمکن التعرف على حقیقة مکاسب الثورة و انجازاتها . و مع الأخذ بالاعتبار المؤشرات الثلاثة انفة الذکر ، یمکن القول ان الثوورة الاسلامیة عملت على اعتماد ( الارادة الوطنیة ) ، التی تعد بمثابة (الروح) المدعاة لترجمة التطلعات الحقیقیة فی ادارة البلد ، و بالتالی جعلت من الشباب المحرک الرئیس للاحداث ، و الزج بهم الى مؤسسات الدولة ، وتعمیم الروحیة الثوریة و الایمان بـمبدأ ( نحن نستطیع ) فی مختلف انحاء البلاد . وبفضل و ( برکة ) العقوبات الخارجیة ، آمن الجمیع بالقدرات الذاتیة ، و کان ذلک مدعاة لتحقق مکاسب و انجازات باهرة فی مختلف المجالات السیاسیة و الثقافیة و الاقتصادیة و التعلیمیة و العلمیة والتقنیة و العسکریة الى غیر ذلک . على سبیل المثال ، یعتبر العلم و التکنولوجیا ـ کما هو معلوم ـ احد ابرز مقومات القدرات الوطنیة بالنسبة لکل بلد ، و فی الحقیقة ان طبیعة العلاقة بین تولید العلم والتکنولوجیا والمجالات الاخرى ، تکتسب اهمیتها فی تمهید ارضیة التقدم و التنامی فی المیادین الوطنیة الأخرى، سواء العسکریة والثقافیة والاقتصادیة . و لهذا کان سماحة القائد الامام الخامنئی ( دام ظله ) یؤکد مراراً على ضرورة الاعتماد على العلم و البرمجیات الدقیقة. ولعلّ من أبرز انجازات الثورة الاسلامیة العلمیة والتقنیة : قطع خطوات متقدمة فی میدان التعلیم و البحوث ، الاستحواذ على العلوم و التقنیات البارزة فی العالم ، تحقیق مراتب متقدمة فی مجال تولید العلم ، امتلاک الطاقة النوویة السلمیة ،واحراز تقدم باهر فی مجال الصناعات الدفاعیة لتعزیز القوة الدفاعیة و الردعیة . وفی الحقل الثقافی ثمة انجازات ثقافیة بارزة و قیمة سواء على صعید الداخل الایرانی وخارج البلاد ، فیما یلی نماذج منها . الآثار الثقافیة للثورة الاسلامیة على صعید الداخل ــ دراسة التنوع و حجم المطبوعات فی کافة الموضوعات ، تطویر و مضاعفة شبکات التلفزة و المحطات الاذاعیة للجمهوریة الاسلامیة داخل ایران و خارجها ، تشیید و تطویر دور الثقافة و المراکز الثقافیة و الفنیة ، اقامة العشرات بل المئات من المعارض المحلیة و الدولیة للکتاب ، زیادة معدلات القراءة و المطالعة بین المواطنین ، زیادة کمیة و نوعیة للاعمال الدرامیة خاصة فی مجال الافلام و تحقیق نجاحات دولیة هامة فی هذا المجال ، و الاهم من کل ذلک ارساء الارتقاء الفکری و الوعی العمومی و الاجتماعی على صعید المجتمع . کل ذلک یعد من جملة ابرز الانجازات الثقافیة للثورة الاسلامیة . ــ من الواضح أن جهود هیئة الاذاعة و التلفزیون للارتقاء بالثقافة العامة بعد انتصار الثورة الاسلامیة، افضت الى ایجاد تحول بنیوی فی عمل هذه المؤسسة و العمل على تشکیل اقسام خاصة تهتم بشکل خاص بموضوعات نظیر : المعارف الاسلامیة ، الشباب ، الثقافة و الفن ، الى غیر ذلک . و فضلاً عن ذلک اطلاق محطات اذاعیة و تلفزیونیة خاصة بالمحافظات ، و أخرى محلیة و اقلیمیة و دولیة، اضافة الى منح تراخیص بتأسیس محطات اذاعیة و تلفزیونیة خاصة مثل : رادیو الثقافة ، و رادیو المعارف ، و رادیو الشباب و نظیر ذلک ، مما یلفت الى التحول العمیق الذی شهده هذا المجال . ــ رسالة ( الفن ) باعتباره عاملاً صانعاً للثقافة و حامل رسالة ، و مدعاة لارتقاء و اعتلاء ثقافة المجتمع . و مما یذکر ان الاهتمام الحقیقی والجاد بالفن المسرحی الاصیل بعد انتصار الثورة الاسلامیة ، خاصة فی الاطر و القوالب التراثیة نظیر التعزیة ، و الدمى المتحرکة ، و العروض المسرحیة فی الاماکن العامة ، اضافة الى الاطر المسرحیة الحدیثة ونظیر ذلک ، نتج عنه المزید من الاهتمام الشعبی بهذا الفن الاصیل . ان کل من مهرجان الفجر الدولی للافلام ، مهرجان افلام وزارة الثقافة و الارشاد الاسلامی ، مهرجا مسرح المحافظات ، مهرجان فجر للموسیقى ، المسابقات الدولیة لحفظ القرآن وتلاوته ، مسابقات المطالعة و قراءة الکتب ، مسابقات کتابة المقاله ، معرض التراث الشعبی و الفنون الفلوکلوریة ، معرض القرآن ، معرض التراث الثقافی ، المعرض الدولی للکتاب ... الخ . کل ذلک یعد من جملة ابرز الانشطة الثقافیة التی تحققت بعد انتصار الثورة الاسلامیة . الآثار الثقافیة للثورة الاسلامیة خارج ایران ــ اوجدت الثورة الاسلامیة الایرانیة قیماً ثقافیة جدیدة فیما یتعلق بالنضال السیاسی للحرکات الاسلامیة . و تتمثل هذه القیم فی : الاهتمام بالجهاد ، مقارعة الظلم و التصدی للاستکبار . ذلک أن الحرکات الاسلامیة آمنت بعد الثورة الاسلامیة، بالجهاد والشهادة و التضحیة و الایثار بمثابة مبادىء اساسیة . ــ الشعبویة باعتبارها احدى سمات الثورة الاسلامیة الایرانیة ، وجدت طریقها الى توجهات الحرکات السیاسیة الاسلامیة ، حیث آمنت هذه الحرکات بأن الاسلام یمتلک القدرة على تعبئة الجماهیر بشکل یفوق التصور . ــ ترسیخ مکانة المرأة فی المجتمع ، یعد هو الآخر من المکاسب الهامة للثورة الاسلامیة بالنسبة للمراة المسلمة ، لا سیما المرأة الایرانیة ، اضافة الى الارتقاء بمنزلة المرأة و دورها من خلال التشجیع على نمط الحیاة القرآنی ، و کذلک دفعت بالمرأة للمشارکة فی انشطة المجتمع باعتبارها عنصراً فاعلاً و مؤثراً ، و لعل خیر شاهد على ذلک حضور المرأة الفاعل فی المجالات العلمیة و الثقافیة و الاقتصادیة و غیر ذلک . على صعید آخر ، انهت الثورة الاسلامیة الایرانیة اربعة عقود من عمرها المبارک بنجاحات ملفتة ، رغم کل الضغوط و العقوبات الخارجیة والعقبات الداخلیة التی اوجدها لها الاعداء خاصة امیرکا . و على اعتاب انتهاء العقود الاربعة من عمر الثورة ، اصدر سماحة القائد رسالة حملت عنوان ( الخطوة الثانیة للثورة ). و فی الحقیقة ثمة إشارة فی الرسالة الى مکاسب الثورة و استعراض محطات مسیرتها العملیة و تحدید آفاقها المستقبلیة . و فضلاً عن کونها میثاقاً للارتقاء بوعی الامة الایرانیة ، فهی بمثابة استراتیجیة لترسیخ اسس الثورة بوحی من التاریخ الایرانی، والمکاسب الانسانیة ، و تجربة الاربعین سنة الاولى من عمر الثورة . و حسبما یرى سماحة القائد ، بناء الحضارة الاسلامیة المعاصرة یمثل هدفاً غائیاً بالنسبة للثورة الاسلامیة ، و ان الرسالة بصدد تحدید السبل الکفیلة بتحقق ذلک ، و ان الجمهوریة الاسلامیة تسعى الى توفیر مقوماتها . نشوء الحضارة الاسلامیة المعاصرة رهن بثلاثة مقومات بارزة : احیاء الحضارة الاسلامیة ، البناء الحضاری ، و الارتقاء الحضاری. الارکان الثلاثة هذه معاً تمهد لبلورة الحضارة الاسلامیة المعاصرة . ماهیة الحضارة الاسلامیة المعاصرة ینبغی توافرها فی احیاء الحضارة الاسلامیة. کما ان البناء الحضاری و المنهجیة تصنع الحضارة ، وهذا ما فعلته الثورة الاسلامیة . الثورة الاسلامیة بانیة للحضارة . البناء الحضاری بمعنى ان الحضارة قادرة على تلبیة الاحتیاجات المادیة و المعنویة الایجابیة للانسان ، کی یتسنى له ان یحیا الحیاة المناسبة التی یتطلع الیها . و الموضوع الثالث هو الارتقاء الحضاری ، الذی یتطلب رؤیة مستقبلیة استراتیجیة . و فی هذا الصدد لابد من وجود هدف واضح ومحدد ، ولاجل الوصول الى هذا الهدف ینبغی التعرف على قدراتنا و الاحاطة بنقاط ضعفنا ، کی یتسنى تحقیق النتیجة المرجوة . نحن نحتفل الیوم باطلالة الذکرى الثالثة و الاربعین لانتصار الثورة الاسلامیة ، و حیث استطاعت الجمهوریة الاسلامیة فی ایران ـ رغم کل التحدیات السیاسیة و الاقتصادیة ـ ان تجد مکاناً ملفتاً لها فی الساحة الدولیة ، باعتبارها قوة مؤثرة على الصعید السیاسی و الثقافی و الاقتصادی ، و ان تمهد الارضیة لإنشاء الحضارة الاسلامیة المعاصرة . | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 907 تنزیل PDF: 206 |
||||