بیان «الخطوة الثانیة»... الولاء للمبادئ | ||||
PDF (980 K) | ||||
![]() | ||||
مصطفى ملکوتیان عضو الهیئة العلمیة أستاذ العلوم السیاسیة فی جامعة طهران ان الثورة الإسلامیة ومن مختلف المجالات والجهات تعتیر فریدة من نوعها ولا نظیر لها بین الثورات المعاصرة الأخرى. فدراسة الثورات والمقارنة فیما بینها تجری بناء على عدة عناوین عامّة هی: ماهیتها، حدوثها ونتائجها أو تداعیاتها، وکلّ عنوان من هذه العناوین یمکن تقسیمه إلى عدة عناوین أخرى. على سبیل المثال فی ما یخصّ تبیان الماهویة یتم الترکیز على شرح الخصائص والماهیة والطموحات والقیادة، وکذلک دور الجماهیر فی أیّ ثورة، وفی ما یخصّ تبیین حدوثها یتم الترکیز على الثورة، الأرضیات والأسباب والعناصر الممهّدة والمؤثّرة فی بلورة ونجاح الثورة، وبالتالی فی ما یخصّ النتائج یتم الترکیز على التداعیات الداخلیّة والدولیّة للثورة ومقارنتها بالثورات الأخرى. لاشکّ أنّ ماهیة الثورة تلعب دوراً بارزاً فی حدوثها ونتائجها. وفی هذا المقال نحن بصدد إجراء مقارنة بین الثورة الإسلامیة مع سائر الثورات المعاصرة وتسلیط الضوء على فقرات من بیان «الخطوة الثانیة» للثورة الإسلامیة الذی أصدره قائد الثورة الثورة الاسلامیة بمناسبة مرور اربعین عاما علی انتصار الثورة الإسلامیة ودخولها العقد الخامس وبدء فصل جدید من حیاتها. أ-الثورة الإسلامیة أعظم الثورات المعاصرة وأکثرها شعبیّة: على صعید تبیین أنواع الثورات یجری اعتماد تقسیمات مختلفة، أهمّها وأشهرها تقسیم الثورات إلى ثورات کبرى (اجتماعیة) وثورات سیاسیة. التغییرات فی الثورة السیاسیة ضئیلة وذات توجّهات سیاسیّة ونسبة المشارکة الشعبیّة فیها ضئیلة أیضاً. فی حین أنّ الثورات الکبرى، تکون نسبة مشارکة الجماهیر فیها أکبر، ونمط ونسبة التغییرات الناتجة عنها أکبر وتشمل جمیع الصعد الثقافیّة، الاجتماعیّة، السیاسیّة (الداخلیّة والخارجیّة) والاقتصادیّة. الثورة الإسلامیة من حیث حجمها والتغییرات الداخلیة النابعة منها ومستوى تأثیرها الدولی، وکذلک من حیث الشرائح والتنظیمات ونسبة المشارکة الشعبیة فیها، تتبوّأ موقع الریادة بین الثورات المعاصرة. جمیع الخبراء متّفقون على أن الغالبیة الساحقة لشرائح الشعب ـــ ولهذا توصف هذه الثورة بأنّها ثورة عابرة للطبقات ـــ باستثناء شرذمة قلیلة من أتباع النظام البهلوی، سجّلت حضورها فی سوح الثورة. هذا الوجود الواسع والمنقطع النظیر المشفوع بالقیادة الحکیمة والحازمة للإمام الخمینی (ره) أدى إلى الهیمنة على جمیع المدن والقرى وسلب النظام البهلوی وداعمیه فرصة القیام بأیّ مبادرة، فضلاً عن تسریع وتیرة ترشید الثورة نحو الانتصار بأقلّ الخسائر والأضرار. هذا فی حین أن المساهمة والمشارکة الشعبیة فی ثورات مثل الثورة الفرنسیة عام ١٧٨٩ والثورة الروسیة عام ١٩١٧ کانت متدنیة جداً کما نعرف، واقتصرت على بعض الشرائح الاجتماعیة فقط. کما أن تسجیل الجماهیر لحضورهم فی الساحة خلال العقود الأربعة الماضیة حصّن الثورة أمام مخطّطات ومؤامرات المناوئین لها فی الداخل وحماتهم فی الخارج، وعلى سبیل المثال یمکننا التنویه إلى المشارکة الشعبیة فی سوح الدفاع المقدس وإحباط فتنتَی ١٩٩٩ و٢٠٠٩ وغیرهما. لذلک فإنّ الثورة الإسلامیة هی أکثر الثورات المعاصرة شعبیة وأعظمها. نظرة عابرة إلى النتائج والآثار والتغییرات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة المختلفة خلال الأربعین عاماً الماضیة تؤکد هذه الخصائص المذکورة آنفاً. ب – الثورة الإسلامیة والولاء للمبادئ خلال الأربعین عاماً الماضیة: کما تفضّل قائد الثورة الإسلامیة فی بیان الخطوة الثانیة للثورة، فإنّ مبادئ وتطلّعات هذه الثورة أی الحریة، الأخلاق، المعنویة، العدالة، الاستقلال، العزة، العقلانیة والأخوة، لا یمکن أن تنتهی صلاحیتها من منطلق أنها نابعة من الفطرة. الثورة الإسلامیة الإیرانیة هی الثورة الوحیدة التی صانت مبادئها وتطلّعاتها خلال الأربعین عاماً الماضیة وما زالت تدافع عنها وتؤکّد علیها وتبذل قصارى جهودها لترجمتها على الأرض. هذا الأمر یتّضح أکثر حین نستعرض مصیر طموحات ومبادئ الثورات المعاصرة: ١- فی الثورة الفرنسیة عام ۱۷۸۹، ترکّزت شعارات الثورة فی البدایة على الحریة والمساواة، وهی عناوین فضفاضة لم یکن لها أی معانٍ أو مصادیق واضحة، فضلاً عن الخلافات التی کانت قائمة بین قادة الثورة، وقد تمخّضت فی البدایة عن ملکیة میرابو الدستوریة (١٧٩١) ومن ثم جمهوریة دانتون البورجوازیة (١٧٩٢) وبعد ذلک إلى جمهوریة مساواة روبسبیر (١٧٩٣). ومن ثم وفی عام ١٧٩٩ وبعد فشل «حکومة المدیرین» التی تسنّمت سدة الحکم فی ١٩٩٥ تم إحداث الإمبراطویة الأولى بزعامة نابلیون، وإثر هزیمته فی الحروب النابلیونیة انتهت الثورة عام ١٨١٥. ٢-فی ثورة أکتوبر عام ١٩١٧ والتی قادها لینین فی روسیا، محور الشعارات کان التصدّی للغرب الإمبریالی والذی بسبب حروبه الإمبریالیة واستنزاف قواه سیتحول إلى ثورة اشتراکیة ولکن على عهد ستالین، اصطفّ الاتحاد السوفیتی فی الحرب العالمیة الثانیة إلى جانب الإمبریالیین، ومن ثم فی عام ١٩٥٦ انتقلت السلطة إلى خروشجوف الذی کان یؤمن بسیاسة إزالة التوتر مع الغرب (دیتانت)، ونظراً إلى دخول العالم حقبة امتلاک الأسلحة النوویة فإنه کان یقول إن الذرة لا تمیّز بین الطبقات. خلال هذه الفترة، کانت الحرب الباردة بین موسکو وبکین أهمّ من الحرب الباردة القائمة بین موسکو وواشنطن. الصین أیضاً فی عام ١٩٤٩ شهدت ثورة مارکسیة بزعامة ماو. ٣- فی ثورة التحریر الجزائریة عام ١٩٦٢، رفع الجزائریون شعار الإسلام دیننا، الجزائر وطننا والعربیة لغتنا. حاربوا الفرنسیین الذین لم یتصوّرا أبداً أن علیهم الرحیل من الجزائر فی یوم ما، ولذلک کانوا قد بدأوا بتنفیذ تغییرات ثقافیة فی هذا البلد منذ أمد طویل. الشعب الجزائری نجح عام ١٩٦٢ بطرد الفرنسیین من بلاده، لکن المسؤولین الجزائریین لم یحافظوا على شعارات الثورة بشأن الاستقلالیة وصیانة الهویة الثقافیة، ولذلک نرى الآن أن الجزائر لم تحقّق أیّ تقدّم یُذکر، فضلاً عن عدم استقلالیتها. ج – الثورة الإسلامیة ونهایة حقبة من الانحطاط التاریخی: حقبة حکم القاجاریین والبهلویین کانت لها سماتها، ومن أهم هذه السمات یمکن الإشارة الى الدکتاتوریة، التخلّف عن رکب العلوم والتکنولوجیا والتبعیة للقوى الأجنبیة، والتی أدت إلى سوق البلاد نحو الانحطاط والانحدار. خلال الفترة الطویلة لحکم القاجاریین، لا سیما خلال فترة حکم ناصر الدین شاه القاجاری، کان الروس والبریطانیون یحظون بنفوذ کبیر فی البلاد وبین المسؤولین، ومن خلال حصولهم على امتیازات سیاسیة واقتصادیة کانوا یسرّعون وتیرة الانحطاط والانحدار. خلال هذه الفترة تم فصل أجزاء واسعة من أراضی إیران فی شمال وشمال شرق البلاد. فترة حکومة البلهویین التی بدأت بانقلاب رضا شاه وبإزاحته وتنصیب نجله محمد رضا خلفاً له فی السلطة واستمرارها بعد انقلاب ١٩٥٣، کانت تتّسم بهذه الصفات والتخلّف وکانت تؤیّد نظریة الانحطاط. وإیضاحاً لما سبق فإن: ١- طابع دکتاتوریة النظام البهلوی کان واضحاً لدى القاصی والدانی، لا سیما أثناء حکم رضا شاه ومن بعد انقلاب عام ١٩٥٣ م أثناء حکم محمد رضا، حیث کان جهاز السافاک یراقب جمیع الأوساط المجتمعیة، ومن خلال ممارسته لشتى أنواع التعذیب ضد السجناء السیاسیین واعتماد سیاسة الترهیب على صعید المجتمع تمکّن من فرض هدوء ظاهری. ٢-الاعتماد على القوى الخارجیة وانعدام الاستقلالیة هما من صفات الحقبة البهلویة. وهذا الأمر یظهر جلیاً من خلال ما قاله تشرتشل وروزفیلت عن رضا شاه أثناء مؤتمر طهران عام (١٩٤٣) «نحن من جئنا به للسلطة ونحن من أبعدناه». کما انقلاب ١٩٥٣ الأمیرکی، المصادقة على قرار الحصانة القضائیة عام ١٩٦٤ وکذلک تبدیل محمد رضا بهلوی إلى شرطی أمیرکا فی المنطقة بناء على استراتیجیة نیکسون إثر هزیمة أمیرکا فی حرب فیتنام، جمیع هذه الأمور تکشف عن تبعیته للکتلة الغربیة. کما أن اجتزاء البحرین التی کانت دائماً جزءاً من أاراضی إیران تم خلال فترة حکمه. ٣-التخلّف على صعید العلوم والتکنولوجیا أیضاً کان من السمات البارزة للنظام البهلوی، حیث إن سرعة تقدم العلم فی إیران کانت شبه معدومة. لم تکن هناک أی نشاطات لإنتاج العلم فی المراکز الجامعیة والمؤسسات العلمیة، وغالبیة مدراء الشرکات، فضلاً عن الأطباء الذین کان یجری استدعاؤهم من الخارج. تزامناً مع ارتفاع أسعار النفط فی الأسواق العالمیة، تم تأسیس العدید من الصناعات الاستهلاکیة التی تعتمد على الواردات لتلبیة احتیاجاتها من المواد الخام أو أساساً کانت مصانع للتجمیع فقط. انتصار الثورة الإسلامیة أنهى حقبة الانحطاط التاریخیة هذه وتمخّض عن إیجاد نظام یرتکز إلى السیادة الدینیة، له استقلالیته ولا یعتمد على أی من القوى الخارجیة، فضلاً عن تسریع وتیرة تقدّم البلاد. ٤- الثورة الإسلامیة وبعد انتصارها، ونظراً إلى أصالة کوادرها الثوریة ـــ أصالة طموحاتها وقیادتها وقاعدتها الشعبیة المؤمنة ـــ استطاعت وبسرعة فائقة وضع اللبنة الأساسیة لنظام سیاسی جدید مبنیّ على السیادة الدینیة ـــ المساهمة الحقیقیة للشعب فی السیاسة ـــ حیث یتم اختیار أعلى مسؤولی هذا النظام وحتى فی بعض الأحیان من هم أقل مرتبة، عبر صنادیق الاقتراع. ٥-کما أن الثورة الإسلامیة من خلال اعتمادها سیاسة لا شرقیة ولا غربیة، مبدأ «العزة، الحکمة، المصلحة»، التأکید على مقارعة الإسلام للاستکبار ودعم الحرکات التحرریة، نجحت فی إیجاد تغییرات واضحة فی هندسة القوى على الصعید الإقلیمی وتعزیز اقتدار الصحوة الإسلامیة المبنیة على نموذج المقاومة فی مواجهة الغطرسة الصهیوأمیرکیة. ٦- الثورة الإسلامیة انتزعت البلاد من التخلّف فی مجال العلم والتکنولوجیا وحولتها إلى بلد سجّل رقماً قیاسیاً فی التقدّم (سرعة التقدم ١١ ضعف المتوسط العالمی). وکما أشار قائد الثورة المعظم: «إیران تمتلک مصادر ممتازة لتحقیق المزید من التقدم والتطور»، مثل سبعة بالمئة من احتیاطی المعادن فی العالم، الموقع الجغرافی الاستثنائی بین الشرق والغرب والشمال والجنوب، السواحل البحریة المترامیة، الکوادر البشریة المتخصصة والشابة، الأسواق الإقلیمیة الکبیرة بـ ١٥ بلداً جاراً و٦٠٠ ملیون نسمة من السکان فیها؛ والأمر الأهم من کل ذلک الأمل والنظرة المتفائلة حیال المستقبل المشرق. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 315 تنزیل PDF: 127 |
||||