دور الثورة الإسلامیة المبارکة فی تعزیز الوحدة بین المسلمین و نصرة المظلوم و بناء حضارة إسلامیة | ||||
PDF (2073 K) | ||||
![]() | ||||
هناء سعادة –اعلامیة من الجزائر ونحن على أعتاب الذکرى الثالثة و الأربعین لانتصار الثورة الإسلامیة المبارکة على الشاه الإیرانی، عمیل القوى الإستکباریة فی المنطقة، نستذکر جهود هذه الثورة فی تکریس مفهوم الوحدة الإسلامیة للدفاع عن قضایا الإسلام الجوهریة ومواجهة التحدیات الخارجیة بأشکالها المختلفة. شکلت هذه الثورة حرکة حضاریة ونهضة ثقافیة بامتیاز بالرغم من محاولات العزل والتحجیم والحصار التی استهدفتها منذ اندلاعها. فعلى الرغم من الحرب الاقتصادیة المفروضة علیها من قبل القوى الکبرى والحرب العسکریة التی استنزفت قدراتها لأکثر من ثمانی سنوات، سطع نجم هذه الأمة الأبیة الرافضة للخنوع. کانت الثورة منذ انطلاقتها المبارکة علی عداء مع المشروع الأمیرکی فی الهیمنة على مقدرات الدول الإسلامیة و تقسیمها إلى فرق و جماعات یسهل افتراسها، فعملت على إحباط جمیع المؤامرات والمخططات و دعت العالم الإسلامی لذلک. کان الخطاب التاریخی للإمام الخمینی، قدس الله سره، اللبنة الأساسیة لتحقیق ذلک الهدف النبیل، حیث ألزمت الثورة نفسها برفع شعاری الوحدة الإسلامیة و فلسطین قضیة الإسلام الأولى. وعلی هذا النحو، کان أول إجراء قام به قیادیو الثورة فی یوم انتصارها (١١ شباط/ فبرایر ١٩٧٩) هو تحویل سفارة العدو الصهیونی فی قلب طهران إلی سفارة دولة فلسطین. وفی الیوم التالی ، أی ١٢ شباط، عقد الإمام الخمینی العزم على تکریس مبادئ الدین الإسلامی الأصیل، آخذا على عاتقه ومستندا على فهمه للقرآن الکریم، ولسنّة النبی المصطفى صلى اللَّه علیه وآله وسلم، ولسیرة الأئمة الأطهار من أهل بیت النبی محمد صلى اللَّه علیه وآله وسلم، بناء دولة إسلامیة ذات أسس راسیة، ترتبط ارتباطا وثیقا بهویة الشریعة الإسلامیة الأصیلة، و على رأسها: الوحدة الإسلامیة، مصداقا لقوله تعالى: “ إِنَّ هذه أُمَّتُکُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّکُمْ فَاعْبُدُونِ” سورة الأنبیاء (٩٢)، فهتف بالمسلمین بأن لهم جنسیة إسلامیة واحدة، قوامها الإیمان بالله ورسوله والتسلیم لهما، ولهم وطن واحد، وثقافة ملموسة، وطقوس معلومة، مصدرها الکتاب والسنة المحمدیة الأصیلة. ولأن المبادئ التی قامت علیها الثورة الإسلامیة مبادئ جوهریة فی الدین، ترتبط ارتباطا وثیقا بالعقیدة الإسلامیة، لم تکن عرضة للتقلب والتغییر، مما یجعل هذا الیوم، أی ذکرى انتصار الثورة الإسلامیة المبارکة، متجددا بالتحدیات و تجدید العهد فی مواجهة قوى الاستکبار العالمی و توحید صفوف المسلمین على کلمة واحدة، وصدق من قال: “إن الثورات الحقیقیة تتجدد فی کل عام، لا تشیخ ولا تهرم، بل تکسب من الخبرات والقدرات ما یصلب عودها، ویثبت بنیانها”. ولأن نهج الوحدة الإسلامیة یعتبر سیاسة ثابتة مبدئیة غیر قابلة للتقلب والتبدل، فإننا نجد هذا المفهوم یتعمق سنة بعد أخرى. و بالرجوع إلى بدایات الثورة الإسلامیة المبارکة، نجد أن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة قامت على شعارین اثنین هما: “لا شرقیة لا غربیة، جمهوریة إسلامیة”، و”لا سنیة لا شیعیة، جمهوریة إسلامیة”. یشکل هذان الشعاران دلیلا دامغا على هویة الجمهوریة التی جاهرت بتمسکها بالمنهج الإسلامی الحنیف، بعیدة کل البعد عن الشرق بقیادة الاتحاد السوفیتی، ولا تمیل إلى الغرب الذی تهیمن علیه الإرادة الأمیرکیة، دولة المصالح المادیة المحکومة بمصالح الشرکات الصناعیة والتجاریة والمالیة. أما شعار لا سنیة لا شیعیة، فهو رفض التعاطی مع الأمور بمنظور مذهبی، فالجمهوریة منفتحة على الإسلام العظیم بأبعاده الاجتهادیة والفقهیة التی تمثل ثروة فکریة وقانونیة وتشریعیة واسعة، فإیران تعتبر الإسلام إسلاماً واحداً موحداً. طمحت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة منذ بدایاتها إلى إرساء مبادئ الإسلام العالمی و بناء حضارة إسلامیة شاملة، تمکن المسلمین من تقریر مصیرهم دون تدخل من قوى الشر العالمیة. ولعل أهم وثیقة تُثبت صدق هذا العزم هی دستور الجمهوریة الإسلامیة، ففی هذه الوثیقة التی تُعتبر، عالمیا، القانون الأول للبلدان مقارنة مع کل الوثائق و القوانین و التنظیمات و التشریعات الوضعیة التی تضبط عمل السلطات وتنظم الصلاحیات فیما بینها، نجد الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة تنادی بالوحدة الإسلامیة. ومن أهم العبارات الوحدویة ما جاء فی البندین الخامس عشر و السادس عشر من المادة الثالثة، وجاء فیهما: ١ ـ توسیع وتقویة الأخوّة الإسلامیة والتعاون الجماعی بین الناس کافة. ٢ ـ تنظیم السیاسة الخارجیة للبلاد على أساس المعاییر الإسلامیة والالتزامات الأخویة تجاه جمیع المسلمین والحمایة الکاملة لمستضعفی العالم. فضلا عن المادة الثالثة عشر، التی تنقل حرفیا الأیة الکریمة : “إن هذه أمتکم أمة واحدة وأنا ربکم فاعبدون” سورة الأنبیاء (٩٢)، مع إضافة نصها الحرفی هو: “یُعتبر المسلمون أمة واحدة، وعلى حکومة جمهوریة إیران الإسلامیة إقامة کل سیاساتها على أساس تضامن الشعوب الإسلامیة ووحدتها، وأن تواصل سعیها من أجل تحقیق الوحدة السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة فی العالم”. تُثبت هذه المادة حرص الجمهوریة الإسلامیة على تکریس مفهوم الوحدة الإسلامیة لإحداث قفزة فکریة و ثقافیة و اقتصادیة نوعیة فی العالم الإسلامی. وبالرجوع إلى التفاصیل المذهبیة، نجد المادة الثانیة عشرة من الدستور الإیرانی، تضمن المساواة بین المذاهب الإسلامیة جمیعها دون استثناء، إذ تتمتع المذاهب الأخرى والتی تضم المذهب الحنفی والشافعی والمالکی والحنبلی والزیدی باحترام تام، و بالحقوق الکاملة دون نقصان، کما أن أتباع هذه المذاهب أحرار فی أداء طقوسهم المذهبیة حسب فقههم الخاص ولهم حریة التعامل بینهم، خاصة ما تعلق بالدعاوی و القضایا فی المحاکم إلخ ...وفقا للنصوص الفقهیة الخاصة بکل مذهب. ومن جهته، و إیمانا منه بوحدة المسلمین و أن الإسلام فی جوهره عابر للقومیات وفوق المذهبیة والقبلیة والانتماءات الجاهلیة، أصدر السید علی الخامنئی، دام ظله، فتوى بارزة تحرّم شتم رموز السنة، فهو القائل: “تنتهج الثورة الإسلامیة طریق الدفاع عن القرآن والسنة، وإحیاء الأمة الإسلامیة، وتُعلن بصوت مرتفع إیمانها بنهضة الشعوب (لا بالإرهاب)، وبوحدة المسلمین (لا بالغلبة والتناحر المذهبی)، وبالأخوة الإسلامیة (لا بالتعالی القومی والعنصری)، وبالجهاد الإسلامی (لا بالعنف تجاه الآخر، وهی ملتزمة بذلک إن شاء الله). “من خطبة الإمام الخامنئی (صلاة الجمعة – طهران– ٠٣/٠٢/٢٠١٢م).” فلطالما دعا السید الخامنئی إلى الوحدة والتکامل الإسلامی، مؤکدا رفض الخوض فی أی صراع داخلی مع أی دولة إسلامیة بصرف النظر عن طبیعتها بهدف تحقیق هذا المبدأ النبیل، مرددا حدیث النبی الله محمد (ص): “المؤمنونَ کَیَدٍ واحدة”. وفی ذات السیاق، دأبت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة على زرع بذور التقریب بین المسلمین من خلال عقد مؤتمر التقریب بین المذاهب الإسلامیَّة، فی أسبوع ولادة النور حبیب الله، محمد بن عبد الله المصطفى صلى الله علیه وعلى آله وسلّم، خیر المرسلین وسیّد الوصیّین، وهی مبادرة سنویة، تُقام تحت إشراف المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الإسلامیة، وتجمع تحت سقف واحد رموز المذاهب والطوائف والأدیان وکبار رجالات مجامع التقریب والحوار والوحدة والإتحاد، وفق منطق قرآنی یقول: «تعالوا إلی کلمة سواء»، وحدیث نبوی شریف: «إنما المؤمنون إخوة»، وحکمة علویة شهیرة: “ إما أخ لک فی الدین أو نظیر لک فی الخلق.” یستعرض المشارکون فی هذا المؤتمر تاریخِ الوحدة بین المسلمین، مجددین الولاء لمیثاقَ الوفاء والقرب والإتحاد، مصداقا لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرّقوا واذکروا نعمت الله علیکم إذ کنتم أعداءً فألّف بین قلوبکم فأصبحتم بنعمته إخوانا…. )، وقوله: (إن هذه أمتکم أمة واحدة وأنا ربکم فاعبدون) “الأنبیاء / ٩٢”، و فی آیة أخرى: (وإن هذه أمتکم أمة واحدة وأنا ربکم فاتقون) “ المؤمنون / “٥٢”، فقد خاطب اللّه المسلمین بأنهم أمة واحدة فی ظل ربوبیته التی تُلزمهم بعبادته وتقواه، فالإتحاد هو الشرطِ اللازم لإحقاقِ الحضارة الإسلامیة، خاصة بعد تعمق الفجوات بسبب الفتاوى المغرضة و موجات التکفیر. ولتحقیق هذا المسعى النبیل، تبذل الجمهوریة الإسلامیة جهودا حثیثة للدفاع عن المسلمین و قضایاهم، أبرزها القضیة الفلسطینیة، فقد احتلت هذه الأخیرة مقدمة اهتمامات الإمام الخمینی، منذ لحظة إطلاقه حملته الثوریة فی الستینات، فکانت مضلومیة الشعب الفلسطینی الفکرة المحوریة لکل خطاباته، ومن بعده خطابات المرشد الأعلى، آیة الله سید علی خامنئی، دام ظله، الذی اتبع نهجه الشریف، الذی یعتبر القضیة الفلسطینیة “معیار” قیاس التزام المرء بالحریة وبحقوق الإنسان. فقد أبدى السید الخمینی معارضة شرسة للشاه إثر تحویله الاقتصادَ الإیرانی إلى سوق لاستیراد کمیات کبیرة من السلع والبضائع القادمة من الکیان الصهیونی . کرّست الدولة الإیرانیة هذا المفهوم، فما إن استلم قیادیو الثورة زمام الأمور، حتى تجسدت أولى خططهم، و المتمثلة فی غلق السفارة الصهیونیة و استبدالها بسفارة دولة فلسطین. وفی ذات السنة، أعلن السید الخمینی آخر جمعة من شهر رمضان “یوم القدس” کتضامن دولی مع الشعب الفلسطینی الأعزل. کما رفض السید الخمینی جمیع أشکال مفاوضات السلام مع الکیان الصهیونی، معتبرا إیاها غیر مشروعة دینیاً: “إن إقامة علاقات مع الکیان الصهیونی أو مع وکلائها، سواء کانت تجاریة أو سیاسیة، أمر ممنوع ومخالف للإسلام”. قدمت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة الغالی و النفیس للشعب الفلسطینی من مساعدات مالیة و لوجیستیة و معلوماتیة و تقنیة و لا تزال، و آخر تجلی لذلک هی جهود الفریق الشهید قاسم سلیمانی، قائد فیلق القدس فی حرس الثورة الإیرانی الذی اغتیل برفقة مرافقه أبو مهدی المهندس، نائب رئیس هیئة الحشد الشعبی العراقی، بضربة جویة أمیرکیة قرب مطار بغداد فی ٣ کانون الثانی/ینایر ٢٠٢٠، مما جعله رحمه الله “شهید القدس” کما وصفه إسماعیل هنیة، وحقا لهو وصف یناسب الموصوف. و الشهید الحی ما هو إلا تجسید لمنهج الثورة الإسلامیة التی سعت إلى تأسیس ظاهرة المقاومة العالمیة ونصرة المظلوم بغض النظر عن المعتقد و المشرب، حیث ضربت الجمهوریة أبلغ الأمثلة فی الوحدة والإخاء و التآزر، مزیلة بذلک خطوط التقسیم والتشرذم التی حولت عالمنا الإسلامی إلى أشلاء یسهل افتراسها، فلم تفرق بین الشیعة والسنة و نحو ذلک من الطوائف الإسلامیة و لم تنظر لقضایاهم بمنظور مذهبی قط، معتبرة کرامة الإنسان وإقامة العدل مبدأ وُجب التشبت به. ومن هذه الرؤیة، انطلق الشهید سلیمانى فی تعاطیه مع الأحداث، فحیث ما کانت مظلومیة وجب الوقوف مع المظلوم ونصرة المستضعفین، وهل هناک مظلومیة أبشع من مظلومیة الشعب الفلسطینی. فقد أولى الشهید سلیمانی أهمیة بالغة للقضیة الفلسطینیة، معتبرا إیاها قضیة الإسلام الأولى، فنادى المسلمین بوجوب توحید الصفوف والموقف فی مواجهة الکیان الصهیونی الغاصب لهذه الأراضی المقدسة. وعُرف عنه تزوید المقاومة الإسلامیة بمختلف توجهاتها فی فلسطین بالخبرات العسکریة والسلاح والتدریب وتطویر التصنیع العسکری. ولم یکتفی الشهید سلیمانی بالإشراف عن بعد، حیث یکشف محمد حمید، عضو المکتب السیاسی لحرکة الجهاد الإسلامی فی فلسطین، إشراف سلیمانی بشکل مباشر على عملیات نقل الأسلحة وتهریبها إلى قطاع غزة المحاصر حصاراً مطبقاً، من خلال عملیةٍ معقدةٍ ومتعدّدة الأقطار، مضحیا بالغالی و النفیس من أجل نصرة إخوته المستضعفین، مما مکن المقاومة الإسلامیة من أن تزخر بترسانة من الأسلحة المحلیة والدولیة. فقد عمل الشهید على نقل تجربة الصواریخ الذکیة، التی تکاد لا تخطئ أهدافها، إلى المجاهدین فی فلسطین، وأدخل بنفسه تقنیة الطائرات المسیّرة فی خدمة العمل الجهادی للمقاومة فی فلسطین. مکنت هذه الصواریخ المقاومین فی فلسطین من التصدی و الرد على أی عدوانٍ صهیونی ، وإلحاق ضرباتٍ قاسیة بصفوفه . فلأول مرة فی تاریخ المقاومة الفلسطینیة، تم إطلاق صواریخ الکاتیوشا وصواریخ فجر الإیرانیة، وغیرها من الأسلحة النوعیّة مثل الکورنیت ومضادات الطیران. وکمثال آخر على نصرة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لکل المسلمین بهدف تعزیز قوتهم ضد الأعداء، هو الهبة المبارکة لمواجهة التنظیم الإرهابی داعش، إذ یقول مسعود بارزانی رئیس إقلیم کردستان السابق: “لما صارت داعش على الأبواب ووصلت إلى مشارف أربیل ودبّ الهلع فی قلوبنا خوفا من أن تُحتل المدینة، اتصلت بـ٢٣ دولة أستجیر بها ولم تستجب لی أیة واحدة منها، وعندما اتصلت بسلیمانی وصلنی المدد خلال ساعات وتم درء الخطر عن أربیل”، فضلا عن المئات من الشهداء الإیرانیین الذین ضحوا بأنفسهم نصرة لإخوتهم فی العراق و سوریة و لبنان ضد التنظیمات الإرهابیة و قوى محور الشر. کما کانت مبادرة الشهید فی إنشاء الحشد السنی والحشد المسیحی بهدف إشراک جمیع الجماعات العرقیة فی الحرب ضد داعش والحد من الخلافات والضغائن القدیمة بین دول المنطقة من برکات الثورة الإسلامیة، فما قام به الحاج سلیمانی کان أکبر من المواجهة المباشرة مع العدو، فالانتصارات دائماً ما تکون مهدّدة بأن تسقط تحت مطرقة الصراعات والانقسامات. لذلک، یُعتبر نهج الجمهوریة فی صناعة الوحدة وتعطیل مفاعیل الفتنة والحرب الأهلیة تثبیت لواقع فعلی جدید، یُرسّخ مفهوم محور المقاومة العالمیة، الذی بفضله ستسقط حدود سایکس بیکو. مکنت هذه الانتصارات، وقبلها جهود الجمهوریة الإسلامیة فی طرد قوات حلف الأطلسی من لبنان، ومن ثم تحریر الجزء الکبر من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ ودعم الانتفاضات فی فلسطین حتى الوصول إلى تشکیل قوى عسکریة تشکّل ردعاً إستراتیجیاً فی مواجهة العدو، یمتدّ من غزة فی جنوب فلسطین إلى لبنان فی شمالها، ونصر حرب تموز، من تشکیل توازن ردع مع العدو، حتى أضحى قوس حصار دولة الکیان الصهیونی شبه مکتمل رغم کل الاتفاقیات التی وقّعها مع بعض الدول العربیة. وفی هذا الصدد، نشیر إلى ما قاله رئیس المکتب السیاسی لحرکة “حماس” خالد مشعل، عن تعزیز الجمهوریة الإسلامیة لمحور المقاومة: “الإمام الخمینی رجل أحیا به الله الأمة”، واصفا إیّاه بأنّه “رجل أشرق کالشمس فی رابعة النهار لیبدد به ظلمات الظالمین والمستکبرین وینیر به دروب المستضعفین والحائرین”، مضیفا بأنه قام بدعم الحرکة الفلسطینیة ورفع “شعارا خالدا”، هو: “الیوم إیران وغدا فلسطین”، کما وصف مشعل المرشد الإیرانی الحالی علی خامنئی بأنّه امتداد لنهج الخمینی. لم تقتصر جهود الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة على درء الخطر عن المسلمین بمختلف توجهاتهم فحسب، بل شملت غیر المسلمین أیضا، إذ سخرت جنودها لنصرة کل من تُوجه ضده سهام الظلم و الاستکبار، بغض النظر عن معتقداته الدینیة، مجسدة سماحة الدین الإسلامی فی نصرة المظلوم أیا کان دینه. ونستذکر کلنا الدفاع المستمیت للشهید سلیمانی عن الإیزدیین و تحریرهم من أغلال التنظیم الإرهابی داعش. خولت هذه التجارب الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة من تأسیس مدرسة وحدویة متنقلة، مزروعة فی روح کل مسلم حر، مؤمن برسالته على هذه الأرض، التی لا ترمی إلى انتشال الأمة الإسلامیة وما بقی لها من إرث حضاری لم تطله أیادی الوحوش، أحفاد برابرة العصور، المناهضین للسلم، الذین دأبوا على تقویض أمتنا بمطارق الوحشیة والهمجیة فحسب، و إنما نهوض حضاری جدید، یُجسّد مبادئ الإسلام الحقیقیة، و على رأسها الوحدة التی نُسفت، و التی لولاها لن تقوم لنا قائمة، فالحضارة لا تُؤسس دون وحدة وانصهار. و قد نجحت فی مهمتها أیما نجاح. فقد ربطت الجمهوریة الشعوب الحرة الأبیة فی محور واحد ، بعد أن کان الارتباط لا یتعدى الحدود العاطفیة والتأیید الشکلی فیما بینها ، فوُلدت الحرکات المقاومة المتآزرة. وبجانب فکرة ترسیخ الروح المقاومة، حملت إیران على عاتقها أیضا المسألة المعنویة و الأخلاقیة و العلمیة، إذ تحرص على نشر الفضائل و تربیة الأجیال الصاعدة تربیة أخلاقیة و دینیة و مجتمعیة سلیمة، زارعة فیهم أسلوب حیاة متکامل، یُشکل تمهیدا للنهوض الحضاری الجدید. کما ترمی الجمهوریة الإسلامیة إلى إقامة حضارة إسلامیة قائمة على مبدأ “إقرأ”، مستندة على القدرات الذاتیة و السلاح الذی لا ینضب، و المتمثل فی العلم و المعرفة و الأخذ بأسباب القوة الفکریة، فالتفوق الغربی لم یکن لیحصل لولا حماس الغرب للعلم، بینما الدول الإسلامیة تغط فی السبات العمیق. ولقد أحرزت إیران تقدماً کبیراً فی العلوم والتکنولوجیا من خلال التعلیم والتدریب، على الرغم من العقوبات المفروضة علیها، و بفضل الثورة، کانت نسبة الإنتاج العلمی لإیران الأسرع فی العالم ، محدثة انفجارا علمیا و تکنولوجیا و عسکریا بامتیاز، غیّر ملامح المنطقة برمتها، فضلا عن دعمها للمرأة المسلمة و تمکینها و إشراکها فی کل قطاعات الحیاة، إضافةً إلى الحجم الهائل للإنتاج فی مجال النشر والطباعة والنجاحات الفنیة والسینمائیة التی شکلت علامةً فارقة . حلم بن غوریون بمحاصرة الأمة الإسلامیة، فإذا بکیانه یُقوض من محور مقاوم شدید البأس، ینتقل من نصر إلى نصر ویعزّز من قدراته العلمیة و الثقافیة و العسکریة بفضل ثورة مبارکة صانت مبادئها و تطلعاتها خلال الأربعین سنة الماضیة و لا تزال، فهنیئا لنا بهذه الثورة.. .صنیعة المجد. أن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة قامت على شعارین اثنین هما: “لا شرقیة لا غربیة، جمهوریة إسلامیة”، و”لا سنیة لا شیعیة، جمهوریة إسلامیة”. یشکل هذان الشعاران دلیلا دامغا على هویة الجمهوریة التی جاهرت بتمسکها بالمنهج الإسلامی الحنیف، بعیدة کل البعد عن الشرق بقیادة الاتحاد السوفیتی، ولا تمیل إلى الغرب الذی تهیمن علیه الإرادة الأمیرکیة، دولة المصالح المادیة المحکومة بمصالح الشرکات الصناعیة والتجاریة والمالیة.
المادة الثانیة عشرة من الدستور الإیرانی، تضمن المساواة بین المذاهب الإسلامیة جمیعها دون استثناء، إذ تتمتع المذاهب الأخرى والتی تضم المذهب الحنفی والشافعی والمالکی والحنبلی والزیدی باحترام تام، و بالحقوق الکاملة دون نقصان، کما أن أتباع هذه المذاهب أحرار فی أداء طقوسهم المذهبیة حسب فقههم الخاص ولهم حریة التعامل بینهم، خاصة ما تعلق بالدعاوی و القضایا فی المحاکم إلخ ...وفقا للنصوص الفقهیة الخاصة بکل مذهب.
طمحت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة منذ بدایاتها إلى إرساء مبادئ الإسلام العالمی و بناء حضارة إسلامیة شاملة، تمکن المسلمین من تقریر مصیرهم دون تدخل من قوى الشر العالمیة. ولعل أهم وثیقة تُثبت صدق هذا العزم هی دستور الجمهوریة الإسلامیة
لم تقتصر جهود الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة على درء الخطر عن المسلمین بمختلف توجهاتهم فحسب، بل شملت غیر المسلمین أیضا، إذ سخرت جنودها لنصرة کل من تُوجه ضده سهام الظلم و الاستکبار، بغض النظر عن معتقداته الدینیة، مجسدة سماحة الدین الإسلامی فی نصرة المظلوم أیا کان دینه. ونستذکر کلنا الدفاع المستمیت للشهید سلیمانی عن الإیزدیین و تحریرهم من أغلال التنظیم الإرهابی داعش.
أحرزت إیران تقدماً کبیراً فی العلوم والتکنولوجیا من خلال التعلیم والتدریب، على الرغم من العقوبات المفروضة علیها، و بفضل الثورة، کانت نسبة الإنتاج العلمی لإیران الأسرع فی العالم ، محدثة انفجارا علمیا و تکنولوجیا و عسکریا بامتیاز، غیّر ملامح المنطقة برمتها، فضلا عن دعمها للمرأة المسلمة و تمکینها و إشراکها فی کل قطاعات الحیاة، إضافةً إلى الحجم الهائل للإنتاج فی مجال النشر والطباعة والنجاحات الفنیة والسینمائیة التی شکلت علامةً فارقة . | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 807 تنزیل PDF: 191 |
||||