الثورة الاسلامیة و عودة التدین الى النظام الدولی | ||||
PDF (1107 K) | ||||
![]() | ||||
الدین والتدین قبل الثورة الاسلامیة کان ینظر الیه باعتباره عامل تغییر مغفول عنه . عامل تم اغفاله وتجاهله عن وعی من قبل القوى العظمى، وعن غیر وعی من قبل الدول التابعة لها . فی رسالته التی حملت عنوان “ المرحلة الثانیة للثورة “ ، اوضح سماحة القائد الامام الخامنئی ان الثورة الاسلامیة ، وبعد انقضاء تجربة الاربعین عاماً ، انتقلت الى المرحلة التالیة من بناء الذات و بلورة المجتمع و الانشاء الحضاری ، لافتاً الى ان الخطوة التالیة ینبغی ان تکون فی اطار “ رؤیة النظام الاسلامی “ ، و فی ظل “ جهود وجهاد شباب ایران الاسلامیة “ ، أملاً فی تحقق الاهداف و التطلعات ببناء الحضارة الاسلامیة المعاصرة ، و الاستعداد لشروق شمس الولایة العظمى ( ارواحنا لمَقدَمه الفداء) . وفی هذا الصدد نشر الموقع الاعلامی لمکتب سماحة القائد KHAMENEI.IR ، سلسلة ابحاث ودراسات تحت عنوان “ ملف المرحلة الثانیة للثورة “ حاول من خلالها تسلیط الضوء على ابعاد ومحطات هذه المرحلة. النص التالی مستقى من حوار للدکتورعلى اکبر ولایتی ـ مستشار الشؤون الدولیة لسماحة القائد ـ یحاول تسلیط الضوء على موضوع احیاء التدین على الصعید العالمی فی ظل انتصار الثورة الاسلامیة ، و الوقوف على تداعیات ذلک . یرى الدکتور ولایتی ، ان تشکیل نظام دولی ثلاثی الاقطاب یمثل احد مفاتیح المفردات الهامة لسماحة القائد فی رسالته التی حملت عنوان “ الخطوة الثانیة للثورة “. طبعاً المراد بنظام دولی ثلاثی الاقطاب ، بالنسبة لعالم ما قبل انهیار الاتحاد السوفیتی عام ١٩٩١ . لذا قبل الخوض فی الاسباب التی قادت الى اندلاع الثورة الاسلامیة باعتبارها تمثل قطباً آخرغیر قطبی الشرق والغرب ، لابد من استحضار المسار الذی قطعه النظام الدولی لبلوغ عالم ثنائی الاقطاب . لاشک ان الارضیة التی افضت الى تشکل العالم ثنائی الاقطاب ، ینبغی التعرف علیها فی ظل الظروف التی اعقبت الحرب الکونیة الثانیة. ذلک ان (العالم ما بعد الحرب العالمیة الثانیة ، عالم قائم على اساس مؤتمر یالطا ) الذی اسفرعن توقیع الاتفاقیة فی شبه جزیرة القرم ، من قبل رؤساء الدول الثلاث المنتصرة فی الحرب ، روزفلت و استالین و تشرشل ، و تشکل فی ضوئها اساس العالم ثنائی القطب . حیث شکل احد قطبیه الانظمة الدیمقراطیة اللیبرالیة ، فیما مثل القطب الآخر الدول الشیوعیة . و ان ما استدعى تشکیل عالم ثنائی القطب هو، ان امیرکا و بریطانیا و فرنسا توصلت الى نتیجة مفادها ان استالین یحاول استغلال الفراغ الذی نتج عن هزیمة هتلر لتوسیع نطاق هیمنته و نفوذه . و فی ظل ذلک ظهر الحلفان ، حلف وارشو الذی یضم دول المعسکر الشرقی ، و حلف الناتو المؤلف من دول المعسکر الغربی ، ای الولایات المتحدة و بریطانیا . و فی عام ١٩٥٩ انتصر ماو تسی تونغ فی الصین بمساعدة استالین ، و بذلک اتسع نطاق معسکر الشرق جغرافیا لیضم الصین و من ثم فیتنام و لائوس و کمبودیا . و بعد عشر سنوات ، و فی عام ١٩٥٩ بالتحدید ، التحقت کوبا بالمعسکر الشیوعی . و ما یذکر ان الثورة الکوبیة اندلعت فی ظل اوضاع کان مبدأ مونرو مهیمناً على السیاسة الخارجیة الامیرکیة . حیث کانوا ینظرون الى امیرکا الجنوبیة بمثابة الحدیقة الخلفیة بالنسبة لهم . کل هذه التطورات اکسبت العالم ثنائی القطب المزید من الاهمیة و ساعدت فی ترسیخه. و فی هذه الاثناء کنا نشهد تبلور حرکة دول عدم الانحیاز . و یبدو ان احد الاشکالات الاساسیة التی حالت دون تحول الحرکة الى قطب آخر غیر معسکری الشرق و الغرب ، هو الازمة المعرفیة التی کانت تعانی منها الحرکة على صعید الاعضاء. ذلک أن هذه الدول کانت تفتقد الى الارتباط المعرفی فیما بینها. و ما یذکر ان حرکة عدم الانحیاز کانت تعانی من الضعف داخلیاً من ناحیة المضمون . فعلى الرغم من ان الحرکة کانت تتطلع لأن تصبح قطباً ثالثاً إلا ان ذلک لم یحدث. وهنا یجب ان نرى لماذا لم تتمکن الحرکة من التحول الى قطب ثالث بالنسبة للنظام الدولی ؟ یشارالى ان قطبی الشرق والغرب کانا یشترکان فی انکار الدین . الغربیون آمنوا بنظریة تقدیس الانسان ( الاومانیسم ) بدلاًمن الدین ، تأثراً بالثورة الفرسیة الکبرى . فیما آمن المعسکر الشرقی بالشیوعیة . وکلاهما کانا یشترکان فی انکار المعنویات ، وما وراء الطبیعة ، والغاء الدین . أما حرکة عدم الانحیاز فقد کانت ممثلة فی اشخاص معدودین : جواهر لال نهرو و کان هندوسیاً ، و جمال عبد الناصر وهوعربی مسلم . و فیدل کاسترو الذی کان زعیماً لدولة کاثولیکیة بغض النظرعن توجهاته السیاسیة المارکسیة . و علیه لم یکن لدیهم هدفاً ایجابیاً مشترکاً ، فالذی کان هو النفی فحسب ، نفی الشرق ، ونفی الغرب ، أی السلبیة فی السیاسات الدولیة دون ای نص ایجابی بوسعه تحقیق التقارب و الارتباط معاً . فی ظل هکذا اوضاع جاءت الثورة الاسلامیة عام ١٩٧٩. وما یذکر هنا هو ان الدین والتدین قبل الثورة الاسلامیة کان ینظر الیه باعتباره عامل تغییرمغفول عنه . عامل تم اغفاله وتجاهله فی النظام المعرفی ، عن وعی من قبل القوى العظمى، وعن غیر وعی من قبل الدول التابعة لها . و فی ضوء ذلک یمکن تصور الانجاز الاهم و الابرز للثورة الاسلامیة فی إعادة الحضور الفاعل للدین الى معترک الحیاة الفردیة والاجتماعیة . حیث اصبح الدین المحور فی الاتفاقیات و المعاهدات ، والمعیار فی العلاقات الدولیة. أما بالنسبة للشواهد على ذلک ، یمکن الاشارة الى الآتی: ان نداء الثورة الایرانیة کان بمثابة نداء احیاء الاسلام ، واحیاء الدین فی الدنیا . فبعد أشهر من الثورة الاسلامیة فی ایران ، اندلعت الثورة فی نیکا راغوا . و فی هذا الصدد قال لی فیدل کاسترو : لقد قلت الى السید دانیال اورتیغا ، قائد الثورة النیکاراغویة، کنا قد أخطئنا مرتین ، فلا تکرروا انتم الخطأ. الخطأ الاول هو معاداة الدین . والثانی اعتماد الاقتصاد الاشتراکی. فلا تحاربوا الدین، ولا تتبعوا الاقتصاد الاشتراکی . وفی زیارة لی الى بولندا ، قال لی وزیر خارجیتها و کان قسیساً : ثورتکم لم تعمل على احیاء الاسلام فحسب ، وإنما احیت الدین فی الدنیا . ذلک ان کل من یفوز فی الانتخابات برئاسة الجمهوریة یذهب الى الفاتیکان لیصادق البابا على انتخاب الشعب له ، و کأن ذلک أشبه بمصادقة الولی الفقیه فی ایران على انتخاب رئیس الجمهوریة . و فی ایران انطلقت الصحوة الاسلامیة منذ صدور فتوى المرحوم المیرزا الشیرازی بتحریم التنباک ، و الغاء اتفاقیة رجی . و تواصلت فی نضال المرحوم الحاج ملا علی کنی بالتصدی لاتفاقیة رویترز التی وضعت ایران تحت الوصایا البریطانیة . و على أثر ذلک تبلورت الحرکة الدستوریة ( المشروطة ) بقیادة علماء الدین . و کان المرحوم الآخوند الخراسانی فی طلیعة العلماء الذین ساندوا الحرکة الدستوریة . و کان سید عبد الله البهبهانی و سید محمد الطباطبائی و الشیخ فضل الله النوری ، من جملة کبار علماء الدین الذی وقفوا الى جانب الحرکة الدستوریة . کما ان تأسیس حرکة حماس و حرکة الجهاد الاسلامی ، کان بمثابة عودة الفلسطینیین فی نضالهم الى الاسلام . و مثل ذلک ظهر فی العراق ایضاً بتشکیل المجلس الاعلى . و ان هذا التوجه فی تنامی مستمر و بصدد التحول الى قطب اسلامی بمحوریة الجمهوریة الاسلامیة ، و البرهنة على کفاءته و فاعلیته . ولا یخفى ان جبهة المقاومة التی تشکلت ، إنما هی فی الحقیقة بمثابة منظومة اقلیمیة ، بدءً بالجهاد و انتهاءً بالتعاون الدفاعی و الاقتصادی و السیاسی و الثقافی . باختصار کل ذلک یدل على العودة الى الدین و التدین على الصعید الدولی ، حیث اضحى الدین المحور فی العلاقات ، ومبنى التحالفات الجدیدة فی العالم . وما یذکر ان فریقاً من الباحثین و المحللین السیاسیین یستندون الى نموذج الاتحاد السوفیتی ، للبرهنة على امکانیة تداعی النظام السیاسی الامیرکی . و مهما یکن فان الاتحاد السوفیتی کان صاحب الکثیر من الامور التی تحدث لأول مرة فی العالم . فهو اول قوة عظمى نوویة ، و اول بلد ارسل الى الفضاء مرکبة فضائیة ، الى غیر ذلک . فلماذا لا تقترب الولایات المتحدة الامیرکیة ، التی تعتبر نفسها قوة عظمى ، و تمتلک اقوى اقتصاد فی العالم ، و أقوى جیش ... الخ ، من انهیارها المعرفی مثلما حدث للاتحاد السوفیتی؟ “ امیرکا الیوم لیست امیرکا فی عهد واشنطن التی قاتلت الاستعمار البریطانی و حصلت على استقلالها. امیرکا التی حاربت الاستعمار تتطلع الیوم لإستعمار الآخرین “. نحن نرى الیوم شخصاً مثل ترامب یفعل ما یحلو له داخل امیرکا و خارجها . لایصح ذلک . “ ان رئیساً مثل ابراهام لینکولن بذل ما بوسعه لتحریر العبید ، و فی النهایة دفع حیاته ثمناً لذلک. فمَنْ من الرؤساء الامیرکیین یشبه الرئیس ابراهام لینکولن ؟ “ . الامیرکان انفسهم یعترفون بان الشرطة الامیرکیة تتصرف بنحو سیئ للغایة مع المواطنین السود ، عکس تعاملها مع المواطنین البیض . وهذا یعنی ان التمییز العنصری تم التخلص منه فی الظاهر فحسب ، أما الواقع فهو غیر ذلک . اضف الى ذلک ، ان امیرکا هی نفسها کانت مستعمرة فی یوم ما ، غیر أنها تحاول الیوم استعمار الدول الأخرى . فهی التی کانت وراء تنفیذ انقلاب ٢٨ مرداد عام ١٣٣٢هجری شمسی فی ایران(١٩/٨/١٩٥٣م) . و الیوم تقوم بدعم السعودیة التی تمطر الشعب الیمنی الاعزل بالقنابل و الصواریخ ، و تضطهد الفلسطینیین و تقمعهم ، ولا تألوا جهداً فی مساندة الکیان الصهیونی الغاصب . و قد شهدنا کیف ان ترامب یخاطب السعودیة بالقول : أننا ندافع عنکم ، لذا ینبغی لکم ان تدفعوا ثمن ذلک . الولایات المتحدة بعد الحرب العالمیة الثانیة لا تتحفظ عن فعل کل ما ترید . حتى تزعم بأنها کانت وراء انهیار الاتحاد السوفیتی، و اعلنت بأن العالم بات احادی القطب ونحن الذی نمثله . وفی عام ١٩٩١م اعلن بوش الأب لدى تفقده قوات المارینز موضحاً: العالم الیوم احادی القطب ، و نحن القوة العظمى الوحیدة فی العالم . بید ان الخطاب تغیر الیوم ، حیث نراهم یرددون : کنا فی سوریة و افغانستان و العراق و ... الخ ، وقد انفقنا الملیارات هناک ، غیر أننا لم نحقق مکاسب تذکر .. وهذا ما یلفت الى تداعی القوة الامیرکیة العظمى | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 338 تنزیل PDF: 127 |
||||