رعایة الإسلام للقیم والمعانی الإنسانیة | ||
رعایة الإسلام للقیم والمعانی الإنسانیة 1 – القیم والمعانی الإنسانیة هذا المفهوم یبدو وکأنه السهل الممتنع عن التحدید الدقیق ، ولذلک نجد المدراس الفکریة تختلف فی تفسیره وفی تحدید أبعاده. وقد ادعى الکثیر من حملة الأفکار الإجتماعیة ومن قادة الحرکات والنشاطات، أن الإنسانیة هی الطابع الأساسی لمساعیهم، وأن حب الإنسان هو الغایة لمحاولاتهم. وکی نضع حداً للغموض الذی اکتنف مفهوم الإنسانیة ولا نغرق فی دوامة التفسییرات اللفظیة والتحدیدات المنطقیة، علینا أن ننظر الى واقع الإنسان وأبعاد وجوده الحقیقیة ومن ثم ننتقل الى المصدر المشتق منه – الإنسانیة- والى معانیها وقیمها والى فعالیتها وقوتها. الإنسان أولاً، موجود عینی یختلف عن الموجودات العینیة بحریة الاختیار، یعنی أن أفعاله تصدر عن تأمل وإرادة ولو بصورة نسبیة. وهو ثانیاً، متأثر الى حد کبیر بالطبیعة وبالموجودات الکونیة المحیطة به. ثم أنه موجود إجتماعی یتفاعل تلقائیاً مع بنی نوعه الى اقصى الحدود، وهذا ثالثاً. ورابعاً، وفی الأساس أنه مخلوق لله خالق الکون والحیاة بما لهذه العلاقة من أبعاد وتأثیرات علیه بالذات وعلى علاقاته کلها. هذه الجوانب الأربعة هی فصول کتاب الإنسان. والقیم الإنسانیة، إذّا، هی الرکائز الأصیلة التی خلقت فی طینته لکی تنمو، بسعی وجهد منه، التنمیة المتکاملة بحیث لا ینمو جانب من وجود الإنسان على حساب جانب آخر ، ولا تجمد أی رکیزة من هذه الرکائز فی حرکة الإنسان المستمرة نحو الأفضل. إنها الخطوط المرتسمة لکمال الإنسان الشامل والتی تنطلق من ذاته ووجوده. إنها صبغة الله وفطرته التی فطر الإنسان علیها کبذور واستعدادات کانت فی بدء خلقه تتحول عندما یسلک الطریق المستقیم الى قیم ومعانی فعلیة.
2– الإسلام والإنسانیة إن القرآن الکریم یؤکد التطابق الکامل بین الدین وبین الإنسانیة حیث یقول: (فَأَقِم وَجهَکَ لِلدِّینِ فِطرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیهَا لاَ تَبدِیلَ لِخَلقِ اللهِ ذَلِکَ الدِّینُ القَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکثَرَ النَّاسِ لاَ یَعلَمُونَ) (الروم، 30)، والحدیث الشریف یعبر عن تساوی الإسلام وفطرة الإنسان بقوله (کل مولود على الفطرة). وإذا لا حظنا أن مفهوم الإسلام هو التسلیم لله وهذا یعنی أن کل شیء عندما یقف فی مکانه الحقیقی من الخلق فهو مسلم؛ ولذلک فإن الموقع الذی جعل الله للإنسان فی الخلق وجعل الإنسان له هذا الموقع إنسانیته وإسلامه بنفس الوقت؛ إذّا، الإنسان من هذا الموقع الطبیعی یرتبط بالخالق وبالموجودات البشریة والطبیعیة، فإسلام الإنسان إنسانیته. وهذه الآیات المبارکات من سورة البقرة توضح هذه الحقیقة (قُولوُا آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَینَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبرَاهِیمَ وَإِسمَاعِیلَ وَإِسحَقَ وَیَعقُوبَ وَالأسبَاِط وَمَا أُوتِیَ مُوسَى وَعِیسَى وَمَا أُوتِیَ النَّبِیُّونَ مِن رَّبِّهِم لاَ نُفَرِّقُ بَینَ أَحَدٍ مِّنهُم وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ * فَإِن آمَنُوا بِمِثلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوا فإِنَّمَا هُم فِی شِقَاقٍ فَسَیَکفِیکَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ * صِبغَةَ اللهِ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ صِبغَةً وَنَحنُ لَهُ عَابِدونَ)(البقرة، 136 – 138). 3– من یرسم التفاصیل؟ إن الإنسانیة وقیمها بالرغم من ترابطها الذاتی بالإنسان، لا یمکن أن یحددها ویضع تفاصیلها الإنسان نفسه ، وذلک لعدة أسباب أهمها: أولاً: إن مدارک الفرد والجماعة ومشاعرهما تتأثر حتماً بمبادئهما الثقافیة وبأوضاعهما الخاصة وبمصالحها الأرضیة. ثانیاً: إن الفرد أو الجماعة فی تکامل دائم، ولذلک فهما فی نقص وعجز دائمین عن إدراک أبعاد وجود الإنسان، الأبعاد التی یسیر نحوها ویسعى للوصول إلیها. فإذا أراد الإنسان وضع تفاصیل الإنسانیة وقیمها، فإنه سیفعل ذلک بصورة نسبیة وهذا یؤدی الى تعدد الإنسانیة والى إخضاع الأهداف للأوهام والتخیلات. أما الله، خالق الإنسان، وخالق الکون والحیاة، فهو المقام الصالح لوضع هذه التفاصیل التی هی أبعاد الإنسانیة الواحدة الکاملة، وهذا هو مفهوم ضرورة سماویة الدین، غیبیته وإطلاقه. من أجل التأکید على صحة هذا البحث وتبنی علماء الإسلام، رضوان الله علیهم، له نعید الى الأذهان المبدأ المعروف: (إن الواجبات الشرعیة ألطاف فی الواجبات العقلیة)؛ والمبدأ الآخر (کل ما حکم به العقل حکم به الشرع) هذا إذا حکم؟ هنا ننتهی من دراسة نقطة الأساس فی هذا البحث، أی أن الإسلام هو الإنسانیة وقیمها ومعانیها، وأن الإنسانیة هی الإسلام.
4 – إنسانیة العقیدة إن الأساس فی العقیدة الإسلامیة هو الإیمان بالله الواحد الاحد الذی له الأسماء الحسنى والأمثال العلیا (لَم یَلِد وَلم یُولَد) (الإخلاص، 3). والإیمان هذا: أولاً: ینزّه الإنسان عن الخضوع الکامل (العبادة) للموجودات الطبیعیة کلها، وللفرد المماثل له مهما بلغ من المقام ، وبالنتیجة لا یحدّد وجوده بحد مادی. ثانیاً: یجند کافة طاقات الفرد نحو هدف واحد ویصونها عن الضیاع والتسرب وعن الشرک، أی التجزئة المحطمة لحیاته ولنشاطاته. ثالثاً: یوجه الإنسان نحو الهدف اللامتناهی ویرسم لطموحه خطّا طویلاً یتمکن من السیر فیه منذ المهد الى اللحد والى ما بعد الموت. فالموت لا یوقف تحرک الإنسان نحو الکمال بل العمل مستمر مع (ولد صالح، وکتاب علم، وصدقة جاریة) على حد تعبیر الحدیث الشریف، والکمال والجزاء یزدادان عندما سنّ سنة حسنة، وعندما یعمل بها أحد بعد موته الى یوم القیامة. رابعاً: یجعل الکمال الإنسانی المستمر بعیداً عن الاصطدام والتزاحم مع الآخرین حیث اللانهائیة واللامادیة تتحکم فی جوهر نشاطاته وعطائه. خامساً: بل یوحّد طاقات الجماعة فی تنسیق مقارن بالسباق ویحول دون الشرک الجماعی الذی یفرق المجتمع وطاقات أفراده: (وَلاَ تَکُُونُوا مِنَ المُشرِکِینَ * مِنَ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُم وَکَانُوا شِیَعاً)(الروم، 31 – 32). سادساً: إن معنى (لَم یَلِد وَلَم یُولَد)(الإخلاص، 3) یبعد العنصر الذاتی والانتسابات المتنوعة عن میدان مکاسب الإنسان حیث إن الناس سواسیة کأسنان المشط، بل أن له ما حصّلت یداه ولیس له (إِلاَّ مَا سَعَى)(النجم، 39). وفی هذا الصدد نطرح أیضاً أثر الإیمان بالمعاد وبعدالة المحاسبة الإلهیة و برؤیة الإنسان، ما صدر عنه من خیر أو شر حتى ولو کان مثقال ذرة. أقول أثر الإیمان بهذا على صعید القیم الإنسانیة یعکس: أولاً: مقام الإنسان الرفیع الذی یجعله مسؤولاً فی کبار أعماله وصغارها، وفی أسرار نشاطاته وبوارزها وفی کل أقواله وما یخفی صدره. إن المسؤولیة هی التأثیر على النفس أو على الاخرین، فهی شأن کبیر للإنسان وتشریف له. ثانیاً: اطمئناناً فی نفسه بعدم ضیاع جهده البارز أو الخفی ، وتأکیداً على أن الجهد المبذول عن إخلاص، حتى ولو لم یثمر لعائق یفوق قدرته فهو جهد مشکور (وَمَن یَخرُج مِن بَیتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ یُدرِکهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلى اللهِ)(النساء، 100)، والمخطئ أیضاً باتفاق علماء المسلمین له أجر. ثالثاً: ومن الانعکاسة الثانیة نستنتج أن الإیمان بالمعاد یسهل على الإنسان مهمة التغییر للمجتمع نحو الأفضل، ومهمة تطویر نفسه فی مطلق الأحوال. إن المؤمن یسعى لأجل ذلک دون اهتمام بآراء المنتفعین بالأوضاع القائمة، أنه یرید وجه الله ویختار جزاءه الأوفى. رابعاً: ولا ننسى هنا دور التوبة فی توفیر الجهد الإنسانی ومنعه عن الیأس والخوف من الإحباط.
5– إنسانیة الثقافة فی الإسلام: إن المفاهیم العامة التی یقدمها الإسلام لتکوین ثقافة أولیة أصیلة للإنسان المسلم ولخلق نظرة له شاملة إلى الکون والحیاة، هذه المفاهیم نجدها ترتکز على القیم الإنسانیة وتصونها. وإذا تتبعنا آراء الإسلام فی الإنسان وفی الحیاة والکون والمجتمع وغیر ذلک من المفاهیم العامة التی لا تنالها ید العلم والتجربة وتبقى فی نطاق النظریات، إذا تتبعناها نلاحظ عمق إنسانیتها. إن الإنسان فی القرآن الکریم مکرم ومفضل على کثیر من الخلق، مخلوق فی (أَحسَنِ تَقوِیمٍ) (التین، 4) من أحسن الخالقین وهو مخلوق بید الله، أنه خلیفة الله فی الأرض، علّمه الأسماء ونفخ فیه من روحه، وأمر الملائکة بالسجود له، وسخر له الشمس والقمر والنجوم واللیل والنهار. أنه الموجود الوحید الذی شرّفه الله بالعلم ومن إمکانیة السیطرة على القوى الکونیة وسائر الموجودات. أنه طیب الذات اهتدى الى النجدین، وأُلهم الفجور والتقوى حتى یکتمل على أثر الصراع الذی یشعر به عند الاختیار، وهذه میزة ثانیة له بین الموجودات کلها وتجعله فوق صفوف الملائکة فی المرتبة. أما الموت والأمراض والکوارث فنظرة الإسلام إلیها طریفة جداً وإنسانیة جداً. إن الموت زینة الحیاة، (خُط على ولد آدم مخط القلادة على جید الفتاة)، لأنه امتحان للإنسان وفرصة لیبلونا الله أینا أحسن عملاً. إنه دخول على رب غفور الذی ما عنده خیر وأبقى، ولیس نهایة عمل الإنسان، فبإمکانه أن یتخطاه ویبقى مرزوقاً عند ربه فرحاً بما آتاه الله مستبشراً بالذین لم یلحقوا به، وبإمکانه أیضاً تخلید أعماله وإبقاء نشاطاته. أما الأمراض والمصائب ونقص الأموال والأنفس والثمرات ، فهی ابتلاء وتنمیة لکفاءات الإنسان وتدریب له على الصبر، وفی نفس الوقت تنبیه له الى حجمه الحقیقی وإنه لله وإلیه راجع. ومن جهة أخرى، فإن المصائب والأمراض هذه شأنها شأن الکوارث الطبیعیة التی تدفع الإنسان الى معرفة اسبابها وتجنب مآسیها والسیطرة علیها قدر المستطاع؛ فهی إذّا، مدرسة إلهیة ترفع المعرفة البشریة. والمستقبل فی رأی الإسلام للمتقین والنصر لأولیاء الله، وقد أراد أن یجعل الذین استضعفوا فی الأرض أئمة ووارثین، ونتائج هذه الرؤیة تفاؤل فی الإحساس وثقة بالنجاح وبالفرج. والکون محراب کبیر یسجد لله کل شیء ویسبح بحمده ویصلی له، وکل شیء فیه منظم وبحسبان، وجعل له قدر معین، وهذه الرؤیة تنعکس على تحرکات الإنسان ونشاطاته بصورة إیجابیة ومؤثرة.
6 – المجتمع الإنسانی فی الإسلام إن الصورة التی یقترحها الإسلام لمجمتع المؤمنین من أهم المعطیات الثقافیة الإسلامیة، ومن أکثرها تأثیراً فی رعایة القیم الإنسانیة. فالمجتمع کالجسد الواحد فی رأی الإسلام؛ إنه إنسان کبیر واحد، ولیس فیه صراع ولا طبقات ولا فئات. إنه یتکون من أفراد متفاوتة الکفاءات والطاقات، ولکنها متعاطفة ومتعاونة، تتبادل الخدمات بینها فیکتمل کٌل بأخذه من الآخر، ویسمو کلٌ بعطائه للآخر. إن المجتمع تکوّن من الإنسان وللإنسان، فهو صورة کبیرة عن الإنسان لا عن جانب واحد من جوانب وجوده. جانب الفردیة فقط أو جانب الجماعیة فقط، وإلا فسیتحول الى وسیلة ضغط قویة على ناحیة لمصلحة النواحی الأخرى ، وهذا یؤدی الى تحریف حقیقة الإنسان وتشویه وجهه الحقیقی. إن المجتمع فی رأی الإسلام یتکون من الإنسان کل الإنسان، من کافة أنواع الإنسان، لا فرد منه ممتاز، ولا طبقة منه مفضلة، ولا عنصر من العناصر دون سواه، ولا فئة دون فئة ، حتى، ولا أکثریة دون أقلیة ولا العکس بل للإنسان فحسب. ویتکون هذا المجتمع للإنسان کل الإنسان، لا مجتمع ینمی بعض جوانب وجوده دون بعض، لا فردیته فحسب أو جماعیته دون سواها، لا جسمه دون روحه ولا العکس، فلا رهبانیة فی الإسلام. إنه لکل إنسان ینمی کافة الکفاءات لکل فرد، ویوفر الفرص لکل طاقة إیجابیة من کل فرد. إن تمایز الشعوب المشکلة للمجتمع العالمی فی رأی الإسلام للتعارف، وبالنتیجة للتبادل والتعاون اللذان ینتهیان الى التکامل الإنسانی على الصعید العالمی، تماماً کتمایز الأفراد داخل مجتمع واحد. إن الولاء البشری نحو ما یحیط به وما ینتسب إلیه الإنسان لا یمکن أن یکون مقترنًا بالشعور وبالتفوق والعنصریة، فالوطن والقوم والعائلة لیست أصنامًا تعبد ولا یمکن تنمیة أحدها وخدمته على حساب الآخرین. إن الثروة فی المجتمع الإسلامی شأنها شأن جمیع الإمکانات الأخرى المملوکة للإنسان، ولیست مالکة له متحکمة فیه وفی غیره؛ إنها أمانة الله بید الإنسان. فالأساس هو الإنسان ولیس المال ولا الآلة، ولذلک فالطاقة البشریة تشکل العنصر الأول الممتاز فی عناصر الإنتاج. إن العمل یمکنه أن یساهم فی الأرباح دون خسارة ،بینما الآلة لا یمکنها أن تنال هذا الحظ. والعمل أیضًا یمکنه أن یأخذ قیمة ثابتة دون رأس المال الذی حرمت علیه القیمة الثابتة (الربا). إن الأحکام الإسلامیة فی حقل الإقتصاد الإجتماعی ملیئة بالنزعة الإنسانیة، ولذلک فقد عبر عنه القرآن الکریم بأنه فتنة مع أنه زینة الحیاة الدنیا، وذلک لکی لا یطغى المال على الإنسان، ولکی لا یصبح دولة بین الأغنیاء. وعلى صعید السلطة فقد رفض الاسلام أی سلطة عفویة وموروثة لأی شخص على أی شخص عدا القاصر. والسلطة الوحیدة هی سلطان الله أو السلطة التی تنطلق من التزامات الإنسان وعقوده وأماناته وهذه مشروطة بشروط صحة العقود من حریة ورشد ومعرفة. إن هذا المجتمع هو المجال الخصب لصیانة القیم الإنسانیة ولتنمیتها.
7 – الأخلاق فی الإسلام إنها غایة التعالیم الدینیة وهدفها الأسمى وهی جزء أساسی من تکون الدین. والملاحظ فی الأخلاقیة الإسلامیة أنها تحارب بشدة العوامل التی تحول دون ربط الإنسان بالموجودات کالجبن؛ والتی تمنع التفاعل بینه وبین بنی نوعه کالقسوة وغلظة القلب والاحتجاب عن الناس؛ والغرور الذی هو شعور الاکتفا الذاتی والذی یمنع الأخذ والاستفادة من الآخرین والکبر الذی یحول دون الاستفادة من الفیض الإلهی ودون سهولة استفادة الآخرین من الشخص. إن الأخلاق الإسلامیة فی حال الاستعراض الشامل هی تماماً رکن القیم الإنسانیة أو سبل الوصول إلیها وصیانتها.
8– الأحکام الإسلامیة تصون القیم لا یتجاهل الإسلام حاجات الإنسان ولا یدعو الى إهمالها ومکافحتها ولا یشجع الرهبنة فی مختلف مصادیقها. وقد سمى الإسلام وسائل إرضاء الحاجات هذه نعمًا من الله ، واعتبر تلبیتها مع النیة الصالحة عبادة لله. ووضع لذلک کله حدودًا هی للحفاظ على مصالح الجوانب المتعددة من وجوده وصیانة کفاءاته، وإلا فقد جعل للإنسان ما فی الأرض جمیعاً وأنکر على (مَن حَرَّمَ زِینَةَ اللهِ الَّتِیَ أَخرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّیِّبَاتِ مِنَ الرِّزقِ)(الأعراف، 32). ومن جهة ثانیة یمکننا أن نسمی تصنیف هذه الحاجات وإرضائها إلى حلال وحرام صوفیة الإسلام، حیث إن الإنسان لا ینطلق نحو ممارسة رغباته إلا بعد تأکده من رضا الله، وهو بذلک یترفع عن الانجراف مع أهوائه التی هی أصداء العالم المادی الذی یحیط به فی الأغلب. والحقیقة أن هذه الصوفیة تختلف عن التصوف المعروف الذی یعتمد على تجاهل الرغبات بصورة حاسمة طلباً لصفاء النفس وکمال الروح، بل هی تنزیه للإنسان من أن یتعود على التبعیة لمحیطه الذی یفرض نفسه علیه عن طریق الرغبات. إن المطلوب من الإنسان أن یکون فاعلاً فی محیطه لا منفعلاً مؤثراً ومطوراً یقود، وهذا لا یمکن حصوله مع الانجراف وراء الرغبات. والطریف فی أحکام الإسلام حول الحرام والحلال، ما عدا محتویاتها واسبابها، هو التعبیر عنهما بالطیبات والخبائث فهی فی الحقیقة تنزیه وتشریف للإنسان. ومن الصعب استعراض الأحکام الإسلامیة فی هذا المختصر ودراسة تأثیراتها على صیانة القیم الإنسانیة، ولذلک نکتفی بذکر بعض الأمثال الأخرى: العبادات والواجبات والمحرمات محدودة بحدود الطاقة والیسر، أما العسر والحرج فقد یؤدیان الى رفع الحکم شأن الضرر والضرار فی الحقوق والمعاملات. الجهل والإکراه والاضطرار والنسیان والسهو کل منها یرفع المسؤولیة ویبطل الالتزام. العمل یتخذ طابع العبادة والعشرة وتأدیة الواجبات العائلیة والإجتماعیة ،کلها تدخل فی مصاف العبادات لکی لا تفقد قداستها وإنسانیتها. وجمیع العلاقات القائمة بین الأفراد والجماعات فی جمیع الحالات تتصف بالطابع الإنسانی ویبرز ذلک فی أحکام الحروب. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 3,026 |
||