منهج الإمام الخمینی ( قدس سره الشریف ) فی مقاومة ومقارعة الاستکبار | ||||
PDF (618 K) | ||||
بقلم : السید الدکتور علی السید قاسم رئیس مرکز حوار الأدیان والثقافات فی لبنان وعضو الهیئة الحبریة العالمیة الاسلامیة المسیحیة. إن الصراع بین الحق والباطل قدیم بقدم وجود الإنسان، فمنذ أن قامت الدنیا اقتسم الناس بین أهل حق وأهل باطل، وبین ظالم مهیمن مستکبر، وضعیف مظلوم متآمَرٍ علیه، ولم یخل زمان من عنجهیة مستکبر، وصرخة مظلوم، وانتفاضة ثائر على مستبد. فی تاریخنا المعاصر یُحکى عن سیطرة القطب الواحد على مقدرات الدول، والهجمة الأمریکیة الشرسة على العالم الإسلامی، بشعارات براقة خداعة، وخیر من یدلنا على ذلک من قارع ذلک الإستکبار الأمریکی فی بلد کان مُعداً له أن یکون شرطی الخلیج الفارسی، فی إیران الشاهنشاهیة التی أصبحت بثورته المبارکة إیران الإسلام المحمدی الأصیل ودولة ترفع لواء نصرة المستضعفین فی زمن کثُر به الجبناء والمتخاذلون. لهذا نجد معاناة العالم الإسلامی من محاولات الهیمنة على ثرواته وقراره السیاسی، وقد یصل الأمر فی کثیر من الأحیان وفی بعض البلدان إلى محاولات الهیمنة العسکریة . من هنا اطلق الإمام الخمینی “قده”مصطلح الاستکبار العالمی على الجهات التی تقوم بتلک المحاولات . والإستکبار کلمة مأخوذة من التکبُّر وهو الاستعلاء على الآخرین، والاستکبار لیس مسألة جدیدةً، ظهرت فی زماننا، بل هو مسألة قدیمة بقدم التاریخ، وقد ذکر الله المُتعال فی القرآن الکریم نماذج من المستکبرین کفرعون، بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآیَاتِنَا فَاسْتَکْبَرُواْ وَکَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِینَ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِینٌ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءکُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ یُفْلِحُ السَّاحِرُونَ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَیْهِ آبَاءنَا وَتَکُونَ لَکُمَا الْکِبْرِیَاءُ فِی الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَکُمَا بِمُؤْمِنِینَ }. والتکبُّر فی الإنسان هو من الصفات الأخلاقیة الذمیمة التی ذکرها علماء الأخلاق فی عداد الصفات المهلکة للقیم، وقد ورد عن الإمام الباقر علیه السلام: {العز رداء الله، والکبر إزاره، فمن تناول شیئا منه أکبه الله فی جهنم}. عندما نقرأ شخصیة الامام الخمینی”قده” وتراثه الفقهی والفکری فی ضوء تجربته الغنیة فی مقارعة الاستکبار والمستکبرین، نجد أن مؤثرات مدرسته السیاسیة لا تزال حاضرةً فی تجربة المحور المقاوم انطلاقًا من رکائز الانتفاضة المبارکة فی فلسطین، ومقدرات المقاومة الاسلامیة فی لبنان، وبسالة الأبطال فی الیمن والعراق وسوریة .. وبمراجعة سریعة لنهج الإمام الراحل فی بلورة مفهوم المقاومة قرآنیاً نجده “قده” ینطلق من غرساتها الأولى داخل مقاومة النفس ومغالبتها وتطویعها بالجهاد الأکبر، لتطمئن الى فردوس الطمأنینة وسلام المؤمن مع ذاته لأن الاستکبار یبدأ من منطقة النفس وصولاً للانتصار على ذیولها وأذنابها على مسرح التصادم الذی لا مفر منه بین الحق والباطل ، وتظهر المفارقة فی طموح هذا الانتصار من داخل النفس الى خارجها باختلاف الوسائل والوسائط، ففی معرکة الجهاد الأکبر یستخدم المسلم أسلحته الروحیة کوسیلة لحمایة نفسه من نفسه، بینما یلجأ فی معرکة الجهاد الأصغر الى استخدام أسلحته المادیة لحمایة وجوده من عدوه، وهنا نطرح سؤلًا اذا کانت معرکتنا مع الاستکبار وفی مشاهد اصطراع قوى الخیر والشر امتداداً لاصطراع النفس مع ذاتها، فهل یتیسّر للمقاوم الاکتفاء بالأسلحة الروحیة لحسم هذا الصراع؟ قد نجیب بنعم لولا أن ذهنیة الاستکبار القدیم والحدیث مؤسسة على طغیان القوة، بمعنى أن استخدام العنف فی منطق الاستکبار هو شهوة دمویة تعبّر عن وحشیتها بإجبار قوى الخیر برغم أنفها على الخضوع لإرادته، فالإکراه هو سمة الاستکبار وخصیصته، ما یعنی ان دفاع الخیر عن هویته یتطلب منه توفیر کل شروط القوة لیرهب عدو الله وعدوه. فالسلم بحسب شریعة الاسلام لا یسمح له أن یکون فریسة سهلة تغری قوى الشر بافتراسه وابتلاعه، ووسیلته الى تحصین حیاته من هذا الخطر لهذا یعمد الى التسلح بالقوة لفرض هیبة رادعة على عدوه تمنعه حتى من مجرد التفکیر بالعدوان علیه . فی قراءة سریعة لمنهج الإمام الخمینی “قده” فی مقاومة الاستکبار بوسعنا ان نصغی لصوت الإمام من اللحظة التی خرج فیها من ایران غریبًا ومنفیًا والى اللحظة التی عاد فیها الى وطنه فاتحًا ومنتصرًا ، لنجد خطاباته کلها تتمحور حول عنوان مرکزی ألا وهو: تحقیق الذات الاسلامیة على أرض الواقع الحافل بالتحدیات والعراقیل التی اعترضته على مستوى الداخل والخارج، فلم یتمکن الاستکبار من الحاق الهزیمة بالأمة الاسلامیة لو لم تکن هذه الأمة مصابة فی عقلها وفکرها، أی فی اساس تکوین قوتها الرادعة. وبمتابعة منهج الإمام فی تأصیل ثقافة المقاومة نراه یثوّر اللغة القرآنیة والمصطلحات القرآنیة لمحاصرة الهزائم المتتالیة التی شهدتها الأمة، فلا تتحول الى هزیمة نفسیة، لأن معنى الهزیمة عنده هو انهزام العقل الاسلامی والفکر الاسلامی امام فکر الطاغوت وعقل الاستکبار، وبذلک فإن الإمام الخمینی کان یبحث فی استنهاض مکوّنات الشخصیة الاسلامیة وتأهیلها لمنابذة الظلم العالمی والتصدی للأنظمة المعادیة لحقوق الأمة فی الحریة والعدالة، فلم یغب عن خطاب الإمام دعوة الأمة الاسلامیة الى وعی معنى الشهودیة على العصر وعلى الناس. وأقول الأمة الاسلامیة لألفت الى أن الإمام الخمینی لم یجعل من قضیة مقارعة الاستکبار العالمی قضیة تخص الشعب الایرانی، لأنه أراد من دعوته تلک أن یفتح بوابة النهوض الاسلامی الشامل المستهدف من عدو واحد هو الاستکبار . نسأل الله المُتعال أن یجعلنا فی مواجهة المستکبرین کالبنیان المرصوص ومن المتمسکین بولایة الحق، والمتقربین إلى الله المُتعال بالسیر فی ظلها ونهجها، إنه سمیع الدعاء . عندما نقرأ شخصیة الامام الخمینی”رض” وتراثه الفقهی والفکری فی ضوء تجربته الغنیة فی مقارعة الاستکبار والمستکبرین، نجد أن مؤثرات مدرسته السیاسیة لا تزال حاضرةً فی تجربة المحور المقاوم انطلاقًا من رکائز الانتفاضة المبارکة فی فلسطین، ومقدرات المقاومة الاسلامیة فی لبنان، وبسالة الأبطال فی الیمن والعراق وسوریة | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 348 تنزیل PDF: 164 |
||||