الجوانب الثوریة فی فکر الإمام الخمینی | ||||
PDF (2831 K) | ||||
بقلم / مجدی عبد الهادی - باحث مصری إذا تناولنا فکر الإمام الخمینی من منظور قضایا عصره فإن ثوریته ستتکشف لنا فی ست قضایا أساسیة ، وهی : ١-موقفه من الاستعمار العالمی : کان موقف الإمام الخمینی الثابت هو رفض کافة أشکال الاستعمار والسیطرة من أقصى صورها ودرجاتها حتى أدناها ، فلم یستثن قوة کبرى ذات مطامع من حسابات التصدی والمقاومة ، حیث کان الاستقلال الوطنی فی مواجهة المطامع الغربیة والشرقیة على السواء هو هدفه الأول ، بحیث أعلن شعاراً طبقه بإخلاص هو “لا شرقیة ولا غربیة” ، فلم یستخدمه کغطاء للأمرکة کما فعلت کثیر من الأنظمة العمیلة بالمنطقة وقتها !! ، حیث وضع الإمام الخمینی هذا الاستقلال کمرتکز للتعامل مع کافة الدول والقوى ، وللانطلاق فی کافة الممارسات السیاسیة الدولیة ، بحیث تتناسب المسافة ما بین إیران وأی قوة دولیة تناسباً طردیّاً مع حجم مطامعها ودرجة میولها الاستعماریة ، کما وضع هذا الاستقلال باعتباره العمل انطلاقا من المصالح الوطنیة الاستراتیجیة والمرتبطة بالصالح العام للشعب ، ولیس بالارتهان بأی طرف دولی ، ولا بالمراهنة على أی طرف ، مُنطلقاً من “قناعه راسخة فی العمل التحرری تتلخص فی أن نهوض الأمة من کبوتها رهن بالخروج من أسر المراهنة على الشرق فی مواجهة الغرب وعلى الغرب فی مواجهة الشرق” . ورغم وصفه للقوتین العظمیین فی زمنه بـ “قطبی نهب العالم” إلا أنه کان على وعى بالفرق الهائل ما بین الاثنتین ، وبحیث قدم أمیرکا باعتبارها “الشیطان - الاستعماری - الأکبر” . ویؤکد هذا الشیخ حسین الکورانی بقوله : “ویتکرر دائماً فی نص الإمام مصطلح الاستعمار الشرقی والغربی ، إلا أن هذا لا یتم أبداً على حساب أولویة التصدی لأمریکا واعتبارها رأس الحربة ومصدر کل شر ؛ فقد سأله مراسل الـ إن .بی .سی عن تعریف الأجانب ، فأجاب : على رأسهم أمریکا التی أصبح نفوذها فی کل شؤون الدول معروفاً” . وقد اعتبر الإمام الخمینی أن قضیة إیران هی مواجهة الاستکبار العالمی ودحره ، وذلک بجمع کلمة المستضعفین وتوحید شتاتهم على مستوى العالم کله ضدهم ، فقد “وضع تقسیماً شاملاً للمجتمع الدولی على أساس الاستکبار والاستضعاف ؛ فهناک جبهة المستکبرین التی تضم القطبین العالمیین وحلفاءهما وأتباعهما ، وهناک جبهة المستضعفین التی تشمل الدول والشعوب التی تعیش ظلم الجبهة الأولى واستغلالها وسیطرتها” ، ویقول “یتعین على شعب إیران خصوصاً والمسلمین عموماً بذل کامل وسعهم لحفظ هذه الأمانة الإلهیة ... ، وأن تتفق کلمة جمیع الحکومات والشعوب على ضرورة هذا الأمر ، فیقطعوا دابر القوى الکبرى ناهبة العالم والمجرمین التاریخیین إلى الأبد ، ویرفعوا أیادیهم عن رؤوس مظلومی العالم ومضطهدیه” . ولم یجره هذا الموقف لاتخاذ موقف معادٍ للأجانب کبشر ، فهو أجاد التمییز ما بین الشعوب والأنظمة الحاکمة ، رغم تحمیله لهذه الشعوب مسئولیة صمتها عن سیاسات حکوماتها ، مع تقدیره البالغ لمن وقفوا إلى جانب الحق وساندوا إیران فی تحرکاتها المشروعة والعادلة ، فبقوله “أنا أدین الدول الکبرى المعتدیة ، ... لا شعوب هذه الدول ، وأنا أشکر الناس الغربیین الذین دافعوا عن شعبنا” ، وقوله “إن شعبنا متنفر من حکومة أمریکا ودولتها بسبب الهیمنة الأمریکیة ، ... وأنا قلق من أن تؤدی هذه التدخلات إلى تنفر الشعب الإیرانی من الشعب الأمریکی ، فیجب على الشعب الأمریکی أن یحمل دولته على عدم التدخل فی شئوننا الداخلیة” ، کذا “إننا نفرق بین الشعب الأمریکی والإدارة الأمریکیة ، ونرید من الشعب الأمریکی أن یدعم الثورة فی إیران” . وقد بنى على هذا أن المواقف من الدول قائمة على مبادئ وسیاسات –و لیس على مواریث الماضی - مهما کان سوءها ، فـ”ستکون علاقاتنا مع أمریکا وکذلک سائر دول العالم على قاعدة الاحترام المتبادل ، ولن نعطی أمریکا حق تقریر مصیرنا” ، کما أنه “فی الحال الحاضرة یقف الاتحاد السوفییتی والصین فی الصف المعادی لشعبنا من خلال دعمهما للشاه ، وفی المستقبل ستبنى سیاستنا الخارجیة على ضمان حریة البلد واستقلاله والاحترام المتبادل ، وعلیهم أن یتخذوا قرارهم وفقاً لذلک” . وقد کتب فی وصیته تأکیداً نهائیاً لکل هذه المعانی، فقال :”وصیتی إلى وزراء الخارجیة فی هذا العصر وما بعده هی أن مسئولیتکم مسئولیة کبرى ، سواء على صعید إصلاح وضع الوزارة والسفارات ، أو على صعید السیاسة الخارجیة وحفظ استقلال البلاد ومصالحها وإقامة علاقات حسنة مع الحکومات التی لا تنوی التدخل فی شئون بلدنا ، فعلیکم أن تجتنبوا اجتناباً تامّاً کل أمر تُشتم منه رائحة التبعیة بکافة أبعادها ، ویجب أن تکونوا على علم بأن التبعیة فی بعض المجالات تؤدی إلى تفسخ جذور الدولة وإن کان لها منافع وقتیة “ . کما أکد قبلها على أن النصر سیکون حلیف المظلومین، ومهما کانت الظواهر الخارجیة وما توحی به من انهزام ، ومهما کان ما تمتلکه قوى الاستکبار العالمی من قوى وما تمارسه من غطرسة ، فیقول : “نحن أعرضنا عن الشرق والغرب ، عن الاتحاد السوفییتی وأمریکا ؛ لندیر بلادنا بأنفسنا ، فهل من الحق أن نتعرض بهذا الشکل لهجوم الشرق والغرب ؟! إنه لاستثناء تاریخی فی أوضاع العالم الحالیة أن یکون هدفنا منتصراً حتى بموتنا وشهادتنا وانهزامنا الظاهری” . بل لو تجاوز الأمر الانهزام وصولاً للفناء فلا تنازل عن المبدأ ولا تراجع عن مسألة الاستقلال ، فـ”إیران لن تمد یدها نحو أمریکا أبداً إن شاء الله ، حتى لو تعرضت للفناء” ، فیخطئ هؤلاء الذین “یتصورون أننا سنستسلم لأمریکا فی سبیل النفط أو أی شیء آخر ، والحال أننا لن نستسلم لأحد أبداً حتى الفناء” . ٢-موقفه من الحکام الفاسدین والمستبدین والملکیات : إذا جاز لنا اختزال حیاة الإمام الخمینی قبل الثورة والحکم فی کلمة واحدة فلربما اختزلتاها فی کلمتین لا غیر ، وهما “مقاومة الظلم” ، فجهاد الرجل ضد الشاه بفساده واستبداده وعمالته کان معرکة طویلة لا هوادة فیها ولا رحمة ، کما أن خطبه وکتاباته الحافلة فی هذا المجال تحتاج مجلدات لاحتوائها .. فهو یرفض الفساد المالی الذی ینهب عرق المستضعفین لرخاء الحکام ، ویهاجم الحکام وعلى رأسهم الشاه لإسرافهم وترفهم ، فیقول :”انظروا إلى ما یفعله رؤساء الجمهوریات !! وکیف یعیش هؤلاء السلاطین !! انظروا ما حدث فی إیران ، إن الشاه بالإضافة إلى فساده وظلمه یتلاعب ببیت مال الشعب وبیت مال المسلمین بکل حماقة ، ... ، لقد ذکرت عدة مرات شخصاً کتب لی أن واحدة من أخوات الشاه أخذت فیلا فی مکان ما فی الخارج ، وأذکر أن الثمن کان مرتفعاً جدّاً بشکل یحیر العقول ، والذی أذکره من تفاصیل الموضوع أن تکالیف تشجیر تلک الفیلا وتزیینها بالورود بلغت خمسة ملایین دولار ، أی ٣٥ ملیون تومان ، ... لقد رأینا سلطاناً [ یقصد الإمام علی بن أی طالب ] یطفئ المصباح کی لا یبقى مُضاء لمدة دقیقتین یتکلم أثناءها مع أحد الأشخاص کلاماً عادیّاً لا یتعلق ببیت المال” . ویرفض العمالة للخارج على حساب المصالح الوطنیة ومصالح الفقراء فی الوطن ، فیعلن بوضوح عمالة الشاه المتعاون مع إسرائیل ضد المسلمین ، والمهدِر لثروات بلاده فی خدمتهم ، بینما یعانی الشعب ضیق العیش بسبب تفریط الحاکم ، فیقول : “الأمة تعیش حالة الشظف ، والسلطات تمعن إسرافاً فی الأموال ، وتمعن فی زیادة الضرائب ، تشتری طائرات الفانتوم لیتدرب علیها الإسرائیلیون ، وبما أن إسرائیل فی حالة حرب مع المسلمین فکلّ من یساعدها ویساندها هو بدوره فی حرب مع المسلمین ، وقد بلغ النفوذ الإسرائیلی فی بلدنا حدّاً لا یُطاق ، حتى أن العسکریین الإسرائیلیین یتخذون من أراضینا قواعد لهم وأسواقاً لبضائعهم ، مما سیؤدی إلى اندحار أسواق المسلمین تدریجیّاً” . کما یرفض الاستبداد ، ویطالب فی وصیته السیاسیة بحکومة الحق المقامة لأجل المستضعفین والمناطة بالوقوف فی وجه الظلم وإقامة العدل : “إن المرفوض فی نهج الأنبیاء - علیهم السلام - والذی حذروا منه إنما هو الحکومات الشیطانیة الظالمة المستبدة التی تقوم لأجل التسلط ولدوافع دنیویة منحرفة ولجمع المال والثروة والسعی للتسلط والتجبر ، وبالنتیجة الدنیا التی تسبب غفلة الإنسان عن الله تعالى ، أما حکومة الحق المقامة لأجل المستضعفین والوقوف بوجه الظلم والجور وإقامة العدالة الاجتماعیة - کالحکومة التی أقامها سلیمان بن داود ونبیّ الإسلام العظیم (ص) وما سعى إلیه أوصیاؤه العظام - فإنها من أجلّ الواجبات ، والسعی إلیها من أسمى العبادات ، کما أن السیاسة الصحیحة التی مارستها تلک الحکومات هی من أوجب الأمور” . وأعلن بوضوح لا یحتمل اللبس رفض الإسلام للأنظمة الملکیة الوراثیة أیّاً کان شکلها ونوعها ، فـ”النظام الملکی یناقض الحکم الإسلامی ونظامه السیاسی ؛ فلقد أبطل الإسلام الملکیة وولایة العهد ، واعتبر فی أوائل ظهوره جمیع أنظمة السلاطین فی إیران ومصر والیمن والروم غیر شرعیة ، ... إن الملکیة وولایة العهد هو أسلوب الحکم المشئوم الباطل الذی نهض سید الشهداء الحسین (ع) لمحاربته والقضاء علیه وإباءً للضیم واستنکافاً من الخنوع لولایة یزید ومُلکه ، قام بثورته التاریخیة ودعا المسلمین جمیعاً إلى مثل ذلک ، فلیس فی الإسلام نظام ملکی وراثی” . فلم یکن الرجل ممن وصفهم بوعاظ السلاطین دعاة الخضوع للطغاة وعبادة الحکام ، أولئک المنادین بحرمة الخروج على الحاکم ، بل إنه کثیراً ما حمل علیهم وهاجمهم باعتبارهم عباد الدنیا وخدم الطاغوت ، فقال فی شأنهم : “ما أدری لماذا یتمسک بعض الناس بروایتین ضعیفتین فی مقابل القرآن الذی أمر موسى بالنهوض فی وجه فرعون وهو أحد الملوک ، وفی مقابل ما ورد من الأحادیث الکثیرة الآمرة بمحاربة الظالمین ومقاومتهم ، فالکسالى من الناس هم الذین یطرحون کل ذلک جانباً لیتمسکوا بروایتین ضعیفتین تزکى الملوک وتبرر التعاون معهم ، ولو کان هؤلاء متدینین لرووا إلى جانب تلک الروایتین الضعیفتین مجموعة الروایات المناهضة للظلمة وأعوانهم ، مثل هؤلاء الرواة لا عدالة لهم ؛ لما بدر منهم من انحیاز إلى أعداء الله وابتعادهم عن تعالیم القرآن والسنة الصحیحة ، بطنتهم دعتهم إلى ذلک لا العلم ، وفی البطنة وفی حب الجاه ما یدعو إلى السیر فی رکاب الجائرین” . بل إنه لینادی بالحرب على الطاغوت ویحرض على تدمیره ، فیقول : “علینا محاربة الطاغوت ؛ لأن الله تعالى قد أمر بذلک ، وهو قد نهى عن طاعة الطاغوت والسیر فی رکابه ، وعلى السلطات غیر العادلة أن تخلی مکانها لمؤسسات الخدمات العامة الإسلامیة ، ... وقد ندبنا الله فی کتابه الکریم إلى الوقوف صفّاً کالبنیان فی وجه السلاطین ، وأمر موسى بمعارضة فرعون ومقاومته ، ووردت فی ذلک أحادیث کثیرة “ . ٣- موقفه من الفقراء والمستضعفین : کان الفقراء والمستضعفون ضمن الاهتمامات المرکزیة للإمام الخمینی ، بل إنه لیکاد یکون مفهومی المستکبرین والمستضعفین المکونین المرکزیین فی فلسفته وفهمه للإسلام ، لهذا فلا غرابة فی صرخات الرجل المتکررة بالمستضعفین : (“یا مستضعفی العالم .. انهضوا واتحدوا ، واطردوا الظالمین ؛ فإن الأرض لله ، وورثتها هم المستضعفون”) . “(إذا أراد مستضعفو العالم أن یعیشوا حیاة إنسانیة مشرقة فعلیهم أن یتحدوا ، وأن یحدوا من قدرة القوى التی تمتلک حق النقض)“ . ( “یا مستضعفی العالم ، ویا أیتها الدول الإسلامیة ، ویا مسلمی العالم .. انهضوا وحاربوا بأیدیکم وأسنانکم لأخذ حقوقکم”) . ( “یا مستضعفی العالم .. انتفضوا على المستکبرین أکلة لحوم البشر ، وخذوا حقکم منهم ؛ فالله معکم ، وهو لا یخلف المیعاد” .). ( “على المستضعفین فی جمیع أنحاء العالم أن یهبّوا لأخذ حقهم بأیدٍ واثقة ، وأن لا ینتظروا من أولئک أن یعیدوا لهم حقهم ؛ فإن المستکبرین لن یعیدوا لأحد حقه”) . ( “یا محرومی العالم ومظلومی التاریخ .. انهضوا ولا تنتظروا أن یبادر الظالمون إلى إطلاقهم من القید” ) ( “إن النصر النهائی یکمن فی انتصار جمیع المستضعفین على جمیع المستکبرین)“ . ( “عید الشعب المستضعف هو ذلک الیوم الذی یکون فیه المستکبرون قد دُفِنوا فی الأرض”) . ونلحظ من نداءات الرجل سعة أفقه، وعدم تقیده بقیود الدین ولا الفرقة أو المذهب ، بل إن نداءاته المتکررة کانت دائماً لـ”مستضعفی ومحرومی العالم” و”مظلومی التاریخ” . کما أنه لم یتوقف عند مجرد النداءات المتکررة للمستضعفین بضرورة تحرکهم ؛ بل کان طبیعیّاً أن یربط هذه النداءات بتأصیلها إیدیولوجیّاً وأخلاقیّاً بإعادة تأسیس العدالة والتأکید علیها کمفهوم مرکزی فی دین الإسلام الحق الذی اختزله شیوخ السلطان فی طاعة ولی الأمر الظالم فی الغالب !! وحولوه عن مهامه الثوریة التقدمیة إلى خدمة السلطان والاستکبار : ( “إن طریق الإسلام هو: دعم المستضعفین والدفاع عنهم ) . ( “إننا - وتطبیقاً للإسلام العظیم - ندعم جمیع المستضعفین”) . ( “لا أظن أن هناک عبادة أفضل من خدمة المحرومین)“ . ( “لقد جاء الإسلام من أجل المستضعفین وأَوْلاهم الأهمیة الأولى”) . ( “أوصی الجمیع بالسعی فی سبیل تحقیق الرفاه للطبقات المحرومة ؛ فإن فی ذلک خیر الدنیا والآخرة” .) ( “لیس من الإنصاف أن یبقى إنسان بلا مسکن فی حین یمتلک الآخر العمارات” .) ولا یکتفی الخمینی بهذا الدعم الدینی لخدمة المستضعفین ؛ بل إنه یردفه بتقریظ لأخلاقهم ، وباعتراف بفضلهم بکافة فئاتهم الکادحة ، وکیف یقوم علیهم تقدم المجتمع ومجد الدولة ، کما یحمل على الأغنیاء والمستکبرین وأخلاقهم الطفیلیة والمنحرفة : ( “اخدموا المستضعفین والمحتاجین وساکنی الأکواخ ؛ فهم أولیاء نعمتنا”) . ( “یجب أن نعمل على تخلیص شعبنا من أخلاق سکان القصور” .) ( “إن أکثر هذه الطبائع الفاسدة سرت من الطبقة المترفة إلى عامة الناس”) . ( “إن طبائع سکان القصور لا تنسج والتربیة السلیمة ، ومع الاختراع والتصنیف والتآلف وتحمل المصاعب” .) ( “عندما نطالع مذهبنا ونلاحظ غنى فقهنا وفلسفتنا ونتعرف على الذین وصلوا بهذا الفقه إلى هذا الغنى وأوصلوا الفلسفة إلى هذا الغنى سنرى أنهم من سکان الأکواخ ، لا سکان القصور”) . ( “لقد نزلت بنا مصائب کثیرة فی أحداث الحرکة الدستوریة کان السبب فیها المترفین من سکان القصور ، وکانت مجالسنا مملوءة بالمترفین ، ولم یکن بینهم إلا عدد قلیل من سکان الأکواخ ، غیر أن هذا العدد القلیل استطاع أن یوقف الکثیر من الانحرافات”) . ( “الحمد لله ... أن دولتنا لیست دولة المترفین ، وفی الیوم الذی تتوجه فیه الدولة نحو القصور علینا أن نقرأ فیه الفاتحة على الدولة والشعب”) . ( “إذا تخلى رئیس جمهوریتنا عن طبائع الفقراء وأصبح على طباع المترفین فإنه سیتعرض هو ومن حوله للانحطاط”) . کما یعطی إشارات خاصة بالعمال والفلاحین ، فیقول : ( “العمال هم أثمن طبقة وأکثر الشرائح الاجتماعیة نفعاً فی المجتمعات”) . ( “إن عجلة الإنتاج البشریة العظیمة تتحرک وتدور بأیدی العمال القویة”) . ( “یوم العامل هو یوم دفن سلطة القوى الکبرى”( . ( “إن العامل والفلاح هم الأساس فی کل بلد ، فالأساس الاقتصادی للبلد مرتبط بالعامل والفلاح” ). ( “العمال والفلاحون أساس استقلال الوطن”). ومما یعکس الأثر الإیجابی للخطاب الفکری والسیاسی والدینی للإمام الخمینی المؤید للفقراء والکادحین فی مواجهة المستغلین شهادة زعیم الحرکة الإسلامیة بتونس الشیخ راشد الغنوشی ، حیث قال فیما یمکن اعتباره نوعاً من سیرة ذاتیة : “فی سنة ١٩٨١ وفی سیاق انتفاضة العمال سنة ١٩٧٨ استیقظ وعینا الاجتماعی فبدأنا نکتشف هذه الأبعاد الراسخة فی نصوص الإسلام ، مثل النص القرآنی الذی أحیاه فکر الخمینی {ونرید أن نمنّ على الذین استُضعِفوا فی الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثین...} مصطلح جدید دخل خطابنا لأول مرة هو مصطلح المستضعفین فی مواجهة المستکبرین ، کما بدأنا نکتشف نصوص أحادیث نبویة تؤکد على مناصرة الفقراء والمستضعفین ومقاومة الترف والاستغلال ، فبدأنا نبرزها فی خطابنا مثل أحادیث «کاد الفقر أن یکون کفراً» ، «اللهم إنی أعوذ بک من الکفر والفقر» ، «اللهم أحینی مسکیناً وأمتنی مسکیناً». وعبّرنا عن تلک المعانی ضمن البیان التأسیسی سنة ١٩٨١ الذی أعلن عن ولادة حرکة سیاسیة (حرکة الاتجاه الإسلامی) عبرت عن التزامها الکامل بالفکرة الدیمقراطیة وعن انحیازها إلى صف الفقراء والعمال فی صراعهم ضد طغیان الرأسمال” ، “ بدأ التیار الإسلامی یدخل النقابات ویزاحم الیساریین ، وصرنا ندفع قاعدتنا للانتماء للحرکة النقابیة من منظور أن فی المجتمع صراعاً حقیقیّاً بین الرأسمالیة وبین جماهیر الناس المسحوقة ، وأن الإسلام لیس حیادیّاً وإنما منحاز إلى الطبقة الفقیرة ، وسرعان ما حدث تحول فی عملنا الیومی ؛ کنا فی المرحلة الأولى عندما یدعو الیساریون فی الجامعة وفی النقابات إلى الإضرابات نعمل على کسرها وندعو إلى إفشالها على اعتبار أن عملاً یقوده شیوعیون کفار لا بد بالضرورة أن یقاوَم ، لقد تغیرت نظرتنا إلى الأمور وصرنا نعی أن الله لم یخلقنا لنقاوم الشیوعیة وإنما لنحقق أهداف الإسلام التی قد تلتقی مع الشیوعیة وأی مذهب آخر فی بعض النقاط ، وأن أهداف الإسلام الأساسیة قیام العدل فی العالم ، فقیمة العدل هی القیمة الکبرى فی الإسلام ، والعدل اسم من أسماء الله ، فکیف نتورط فی معارضة الذین یکافحون لأجل مصالح الفقراء والمستضعفین حتى لو کانوا یساریین ؟!” ، “رأینا فی الثورة الإیرانیة شیخاً معمماً استطاع أن یقود ثورة المستضعفین ضد نظام مستبد عمیل للإمبریالیة وضد طبقة رأسمالیة متعفنة ، أهم ما قدمته الثورة الإیرانیة لنا کان مقولة الصراع بین المستضعفین والمستکبرین ، وهی ترجمة أخرى للصراع بین الفقراء والأغنیاء للصراع الطبقی ولکن فی إطار إسلامی أشمل وبمصطلحاتٍ إسلامیة” . وتعکس هذا المقتبسات الطویلة ذلک الأثر الهائل الذی ترکته الأطروحات الثوریة والتقدمیة للإمام الخمینی وللثورة الإیرانیة على بعض من الحرکات الإسلامیة التی ظلت لفترة طویلة تخدم الظلم والطغیان الرأسمالی بوعی أو بغیر وعی ، ولا تبالی بحقوق الفقراء والمستضعفین والکادحین من عمال وفلاحین وغیرهم ، وإن کان هذا الأثر - للأسف - لم یتوسع لیشمل کافة الحرکات الإسلامیة بما یمهد الطریق لتکوین نوع من لاهوت تحریر إسلامی ، حیث عملت الرجعیات العربیة على توظیف الموروث الدینی الطائفی والطغیانی التقلیدی فی قطع هذا الطریق ، ولا عجب فی هذا ؛ فالمصالح الدنیئة والامتیازات الحقیرة مُقدَّمة على الدین عند أغلب ساکنی القصور الذین لطالما انتقدهم الخمینی وشکک دائماً بإمکانیة الاستناد إلیهم !! ٤- رفضه للإسلام السلطانی الطائفی : کما حارب الإمام الخمینی الطغاة واستبدادهم ونابذ فقهاء السلطان المنضوین تحت لوائهم کان طبیعیّاً أن یکشف ویعری تحریفاتهم للإسلام ومذاهبهم الضالة المضلة التی نشأت ونمت فی خدمة السلطان وهواه ، والتی جمعها تحت اسم جامع هو الإسلام الأمریکی/السلطانی ، أی الإسلام الموظف فی خدمة الطغیان من استبداد ملکی وهیمنة أمریکیة ، ذلک الطغیان الذی کان القضاء علیه هو قضیته المرکزیة ، فیکشف عن مغزى “ما ینفقه الملک فهد سنویّاً من مبالغ طائلة من أموال المسلمین على طبع القرآن الکریم والتبلیغ بالوهابیة - هذا المذهب المشحون بالخرافات والباطل جملةً وتفصیلاً - سعیاً فی تطویع المسلمین والشعوب الغافلة للقوى الکبرى والقضاء على الإسلام العزیز والقرآن الکریم باسم الإسلام والقرآن” . کما یرى أن الإسلام الحق لا یمکن أن یکون دیناً طائفیّاً تمزقه أشلاء الخلافات الفکریة والمذهبیة مهما کانت ، فقط رفض التعصب المذهبی ، فـ”الإخوة السنة منا ، ونحن معهم إخوة فی کل شیء نریده لأنفسنا” ، و”کلنا إخوة لأننا مسلمون ، إننا نعیش التلاحم مع الإخوة السنة ، نحن معهم وهم معنا ، وإذا قال أحد کلاماً خلاف ذلک فهو یقصد الفرقة بین المسلمین” ، مُعتبراً الفُرقة على أسس مذهبیة إحدى القواعد الثابتة فی الإسلام الطغیانی المصنوع لخدمة الجور بأیدی فقهاء السلطان ، فافتعال الصراعات المذهبیة ما بین الفرق الإسلامیة هو مؤامرة خطرة یدبرها أعداء الإسلام والأمة الإسلامیة من ملوک وحکام وفقهاء یعملون فی خدمة القوى الکبرى ومخططاتها ، فـ”مؤامرة بث التفرقة ما بین المذاهب الإسلامیة من الجرائم التی تخطط لها وتحرص على تعمیقها القوى الکبرى وعملاؤها المنحرفون ، وخاصّةً وعاظ السلاطین الذین فاق سواد وجوههم سواد وجوه سلاطین الجور” ، کما أن “أولئک الذین یریدون إیجاد التفرقة فهم لیسوا بسُنَّة ولا شیعة ؛ إنهم عملاء للدول العظمى وفی خدمتهم” ، و”بینما تبذل إیران جهودها المکثفة لنشر وحدة الکلمة والتمسک بالإسلام العظیم والاتحاد بین جمیع المسلمین فی العالم فإنّ الشیطان الأکبر یوعز إلى واحد من أقبح الوجوه الأمریکیة وأخبثها وأحد أصدقاء الشاه المخلوع والمقبور لیأخذ فتوى من الفقهاء وأصحاب الفتیا من أهل السنة تقول بکفر الإیرانیین الأعزاء ! حتى لقد أفتى بعض هؤلاء الأذناب قائلا :”إنّ الإسلام الذی یدین به الإیرانیون غیر ما ندین به من إسلام” ! أجل إنّ إسلام إیران غیر الإسلام الذی یدین به أولئک الذین یدعمون عملاء أمریکا” . کما أنه کثیراً ما أکد على رفض الإسلام لکافة أشکال الظلم والفساد والاستبداد. ٥- تجاوز المفهوم التقلیدی للتقیة : بعد حسم الصراع بین الإمام علی ومعاویة بانتصار معسکر الأخیر وتمکنه من السلطة وتوقیعه الصلح مع الإمام الحسن ، ورغم تضمن الصلح لشرط الأمان العام وعدم التعرض لأنصار آل البیت بعامة فإن معاویة قد وضع نصب عینیه تأمین سلطته التی انتوى توریثها ، مُتخذاً فی سبیل ذلک کل التدابیر الضروریة ، والتی کان على رأسها القضاء على معارضیه ورافضی حکمه الذین یتصدرهم أنصار الإمام علی وآل البیت ، لهذا لم یأل جهداً - ومَن خلفه - فی اضطهادهم بکافة الوسائل الممکنة ، بدءاً من قطع الأرزاق ، ومروراً بالسجن والنفی والتعذیب ، ولیس انتهاءً بالقتل والصلب والتمثیل بالجثث مما لا یقبله دین ولا ضمیر ، حتى وصل الأمر بأن أصبح من الآمَن والأضمن للمرء أن یقال له “ زندیق أو کافر “ على أن یقال له “ شیعیّ “ !! فکان هذا الاضطهاد هو ما جعل مبدأ التقیة ضروریّاً ، حیث لم یعد الأمر ترفاً ولا هوىً ؛ بل ضرورة بقاء ، خصوصاً مع تعزز الاضطهاد وتصاعده مع تواتر ثورات الشیعة وتکرارها ، وکما یقول الدکتور محمد عمارة فإن “الذین یعرفون ما تعرَّض له الشیعة على مر التاریخ الإسلامی من محن واضطهادات – بلغت حد المأساة – لا یمکن أن یتصوروا بقاء التشیع رغم هذا الاضطهاد إلا مع احتماء الشیعة بهذه (التقیة) .. فهی درع أُجبر الشیعة على التدرع به اتقاءً للاضطهاد وهرباً من الهلاک والفناء”. والحقیقة أن مفهوم التقیة بهذا المعنى هو مفهوم إنسانی عامّ ، مارسته أی جماعة إنسانیة تعانی الاضطهاد ، فلیس الأمر حکراً على الشیعة ، وإن کانوا هم من أصَّلوا له فکریّاً وفقهیّاً بحکم کونهم مِن أکثر من تعرضوا للاضطهاد ، وبالتالی کانوا الأکثر حاجة لذاک المفهوم .. هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخرى بحکم کونهم فرقة تمیل للتأصیل والتدقیق والترتیب والتصنیف فی ظل وجود هیئة مرجعیة مُنظمة من الأئمة الأوائل ومن المراجع والآیات والمجتهدین المتأخرین . وقد عرَّفها الشیخ المفید بأنها “کتمان الحق وستر الاعتقاد فیه ومکاتمة المخالفین وترک مظاهرتهم بما یعقب ضرراً فی الدین أو الدنیا ، وفرض ذلک إذا علم بالضرورة أو قوی فی الظن ، فمتى لم یعلم ضرراً بإظهار الحق ولا قوی فی الظن ذلک لم یجب فرض التقیة” ، فالتقیة لیست مُطلقة ؛ بل إنها مُناطة بالظرف الموجب لها ، وإلا سقطت. کما أنها أساساً مُقسمة فقهیاً للأقسام الفقهیة التقلیدیة : ما بین الواجبة والمستحبة والمباحة والمکروهة والمحرمة ، ومحکومة بقواعد فقهیة مشهورة ومُتفق علیها : کقاعدة تقدیم أقلّ الضررین ، وتقدیم أوجب المصالح ، وقاعدة براءة المکره ، وقاعدة الضرورات تبیح المحظورات ... إلخ. والتقیة المحرمة هی التی ترتبط بمصلحة أو بمفسدة عظیمة ، کتلک المتعلقة بالدم والفتوى ، أمّا المکروهة فتلک التی یترتب علیها مکروه بغیر داعٍ أو مُوجب أو ضرورة . إلا أن المشکلة کانت فی التوسع بلا مُوجب مِن قِبَل کثیر من العلماء فی الالتزام بالتقیة ، وخصوصاً فی الجانب السیاسی ، حتى کاد الأمر یصبح عرفاً وقانوناً ، لولا مرات نادرة هی فی حکم الاستثناءات التی تثبت القاعدة ولا تنفیها ، وهى استثناءات فی قضایا قلیلة الأهمیة ، ولا تمثل صداماً حقیقیّاً وجذریّاً مع السلطة ، حیث استمرت قاعدة تغلیب التقیة على مر السنین وصولاً للسادة المعاصرین للإمام الخمینی ، حیث ترکوا الحبل على الغارب للشاه وتجبره ، حتى کانت واقعة الهجوم على المدرسة الفیضیة وقتل واعتقال الکثیرین ، وذلک على خلفیة ما حدث من خلافات وصدامات مع حکومة الشاه بخصوص ما سماه بـ”الثورة البیضاء” ، والأهم تعاونه مع إسرائیل وأمیرکا ضد الدول العربیة والإسلامیة ، والتی تصدى فیها الخمینی للشاه بصلابة ، محمِّلاً إیاه کامل المسئولیة عن تلک الجرائم وغیرها ، ومُنتقداً سکوت العلماء ، مُعلناً أن “السکوت الیوم معناه التضامن مع النظام المتجبر” ، کما أصدر بیاناً شهیراً بعنوان “محبة الشاه تعنی الخراب” ، مُحرِّماً التقیة قطعیّاً فی مثل هذه المواقف مهما کانت النتائج ، ومُطالباً العلماء بمواجهة الشاه ، متوجهاً لهم بقوله “تکلموا أیها الإخوة ، قولوا کلمتکم ، فماذا یستطیعون أن یفعلوا لو تحدث جمیع علماء الإسلام عن أمر ما ؟! وقد حل بالإسلام الخطر” . ثم یؤکد فی موضع آخر “منذ القِدم کان الأنبیاء - علیهم السلام - وإلى نبوّة الرسول الأکرم (ص) ثم خلال إمامة الأئمة (ع) جمیعهم کانوا یواجهون الظلم ، حتى حین وجودهم فی السجن فقد کانوا یواجهون الظلم ؛ فموسى بن جعفر (ع) لم یترک مسؤولیته فی المواجهة حتى عندما کان یرزح فی السجن ، وکذا أبو عبد الله الحسین (ع) ، فقد کان یقف بوجه هؤلاء رغم التقیة الکذائیة والکذائیة ، تنقل الروایة المقبولة أنه کان یقف ضدهم بالکلام ویمارس التبلیغ ویحرک الناس لمعارضتهم” . ویأتی بخلاصة القول فی کتابه (الحکومة الإسلامیة) فیؤصل للمسـألة قائلاً “لا ینبغی التمسک بالتقیة فی کل صغیرة وکبیرة ؛ فقد شُرعت التقیة للحفاظ على النفس أو الغیر من الضرر فی مجال فروع الأحکام ، أمّا إذا کان الإسلام کله فی خطر فلیس فی ذلک متسع للتقیة والسکوت ، ماذا ترون لو أجبروا فقیهاً على أن یشرع أو یبتدع ؟! فهل ترون أنه یجوز له ذلک تمسکاً بقوله (ع) “التقیة دینی ودین آبائی” ؟! لیس هذا مِن موارد التقیة أو من مواضعها ، وإذا کانت ظروف التقیة تلزم أحداً منا بالدخول فی رکب السلاطین فهنا یجب الامتناع عن ذلک حتى لو أدى الامتناع إلى قتله” . فتجاوز الخمینی للمفهوم التقلیدی الشائع والشائه والخانع للتقیة هو الوجه الآخَر لرفضه للاستبداد والفساد والطغیان ، کذا رفضه لتدجین الإسلام ووضعه فی خدمة السلطان . ٦- التجدید لمفهوم ولایة الفقیه : لیس الاعتقاد بالمنقذ الذی یأتی آخر الزمان لیملأ الأرض عدلاً بعدما ملأت جوراً بالاعتقاد القاصر على الشیعة ؛ بل هو اعتقاد عالمی بکل ما لکلمة عالمی من معنى ، ففکرة المنقذ فکرة راسخة عند کافة الأمم والشعوب فیما نعرف ، وهى ثابتة بکافة الأدیان السماویة وکثیر من غیر السماویة إن لم یکن کلها ، فما یعیشه البشر مِن ظلم وجور یبدو أحیاناً بلا نهایة ولا یبدو معه ومع طغیانه وفجوره واشتداد ظلماء دیجوره بارقة أمل لا یجد البشر السلوى سوى فی الإیمان بغد بعید یأتی فیه المنقذ العادل الذی یعید الأمور إلى نصابها ناشراً الحق والخیر والجمال فی کافة ربوع الأرض . وهذا ظرف عامّ نجد أثره فی معتقدات البشر کافة وبقدر عمومیته ذاتها ، أما الخاص فی الأمر المتعلق بالشیعة کفرقة فنابع من تاریخهم الخاص کفرقة مظلومة ومُضطهدة تکونت عقائدها فی ولمواجهة الظلم الفادح الواقع علیها على مدى تاریخ طویل ، والذی لشهرته لسنا ملزمین بالخوض فیه . کما أن الفلسفة التی قام علیها التشیع ذاته باعتباره تشیعاً لفئة محددة وواضحة المعالم مُمثلةً بآل البیت وما ارتبط بها من عقیدة الإمامة التی جعلوها أحد أرکان الإیمان ، کان لها أثرها فی التجسد الأکثر خصوصیة لعقیدة المنقذ لدى الشیعة ، حیث المنقذ المنتظر هو المهدی المنتظر علیه ، وهو إمام آخر الزمان المناط به إقامة دولة الحق والعدل دولة الإسلام ، فهو “الرابع عشر من الأطهار ، الإمام المحجوب عن زماننا ، یقیم فی عالم فوق طبیعی لا یُرى للبشر حتى ظهوره المقبل ، رجعته النهائیة التی تختم المرحلة الحاضرة من عالمنا ، فالزمن الذی نعیشه هو زمن غیبته کإمام مُنتظر” ، وهو الذی أنبأ به النبی الإمام علی - علیه السلام - بقوله “إن الأئمة یکونون من بعدی اثنی عشر ، الأول هو علی بن أبی طالب ، الثانی عشر هو القائم ، المهدی ، وهو الهادی الذی یأخذ الله بیده لیعمل على فتح مشارق الأرض ومغاربها” ، وقوله “الأئمة الهادون المهدیون سیکونون یا علیّ اثنی عشر من ذریتک ، أنت أولهم ، وآخِرهم یکون على اسمی ، وعندما یظهر یملأ الأرض عدالة وألفة ، کما هی الآن ملآنة جوراً وعسفاً” . فدولة الحق والعدل إذن لا یقیمها سوى الإمام ، هکذا هی العقیدة الرسالیة ، وهذا هو الخط العام الذی تشابکت حوله الاجتهادات والمسالک ، حتى تبنى الإمام الخمینی الرأی الجهادی بقوله “لقد مر على الغیبة الکبرى لإمامنا المهدی أکثر من ألف عام ، وقد تمر ألوف السنین قبل أن تقتضی المصلحة قدوم الإمام المنتظر ، ... فی طول هذه المدة المدیدة هل تبقى أحکام الإسلام مُعطلة یعمل خلالها الناس ما یشاءون ؟! ألا یلزم من ذلک الهرج والمرج ؟! “. وهکذا دعا الإمام الخمینی لرؤیة مفادها ضرورة أخذ الأمر بالإرادة عاجلاً لا آجلاً ، مُحفزاً الشعب - وفی مقدمته الفقهاء - على التحرک لدفع الظلم والثورة على الجور ؛ لإقامة حکومة العدل ، بدلاً من الانتظار الذی قد یطول “ألوف السنین قبل أن تقتضی المصلحة قدوم الإمام المنتظر” إذا جاز لنا اختزال حیاة الإمام الخمینی قبل الثورة والحکم فی کلمة واحدة فلربما اختزلتاها فی کلمتین لا غیر ، وهما “مقاومة الظلم” ، فجهاد الرجل ضد الشاه بفساده واستبداده وعمالته کان معرکة طویلة لا هوادة فیها ولا رحمة ، کما أن خطبه وکتاباته الحافلة فی هذا المجال تحتاج مجلدات لاحتوائها .. کان الفقراء والمستضعفون ضمن الاهتمامات المرکزیة للإمام الخمینی ، بل إنه لیکاد یکون مفهومی المستکبرین والمستضعفین المکونین المرکزیین فی فلسفته وفهمه للإسلام ، لهذا فلا غرابة فی صرخات الرجل المتکررة بالمستضعفین
راشى الغنوشی: رأینا فی الثورة الإیرانیة شیخاً معمماً استطاع أن یقود ثورة المستضعفین ضد نظام مستبد عمیل للإمبریالیة وضد طبقة رأسمالیة متعفنة ، أهم ما قدمته الثورة الإیرانیة لنا کان مقولة الصراع بین المستضعفین والمستکبرین ، وهی ترجمة أخرى للصراع بین الفقراء والأغنیاء للصراع الطبقی ولکن فی إطار إسلامی أشمل وبمصطلحاتٍ إسلامیة” . اعتبر الإمام الخمینی أن قضیة إیران هی مواجهة الاستکبار العالمی ودحره ، وذلک بجمع کلمة المستضعفین وتوحید شتاتهم على مستوى العالم کله ضدهم ، فقد “وضع تقسیماً شاملاً للمجتمع الدولی على أساس الاستکبار والاستضعاف ؛ فهناک جبهة المستکبرین التی تضم القطبین العالمیین وحلفاءهما وأتباعهما ، وهناک جبهة المستضعفین التی تشمل الدول والشعوب التی تعیش ظلم الجبهة الأولى واستغلالها وسیطرتها”
حارب الإمام الخمینی الطغاة واستبدادهم ونابذ فقهاء السلطان المنضوین تحت لوائهم کان طبیعیّاً أن یکشف ویعری تحریفاتهم للإسلام ومذاهبهم الضالة المضلة التی نشأت ونمت فی خدمة السلطان وهواه ، والتی جمعها تحت اسم جامع هو الإسلام الأمریکی/السلطانی ، أی الإسلام الموظف فی خدمة الطغیان من استبداد ملکی وهیمنة أمریکیة | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 471 تنزیل PDF: 187 |
||||