التوحید وأثره على الموقف السیاسی فی فکر الإمام الخمینی (رضوان الله تعالى علیه) | ||||
PDF (2601 K) | ||||
السید مرتضى السید مجید السندی لقد جسّد الإمام الخمینی العظیم الإنسان الذی یریده الله (سبحانه وتعالى) وجسد الخلافة الإلهیة لله فی الأرض من خلال بناء إنسان متکامل الأبعاد فی شخصیته الإسلامیة، فهو لم یبنِ جهة ویغفل عن جهة فی بناءه لشخصیته الإسلامیة المتکاملة، وهذه من الصفات التی تمیز بها الإمام رضوان الله تعالى علیه. فقد تجد فقیهاً من الطراز الأول ولکنک لا تجده فی میدان العرفان والأخلاق، أو الفلسفة وعلم الکلام، أو تجده فقیها عارفاً إلا أنک تفتقده فی میدان السیاسة والاجتماع، وهکذا دوالیک. الإمام الخمیـنی العظیـم قد کان البارع فی الفقه والسیـاسة والأخـلاق والعرفان الفلسفة وعلم الکلام وفی شتى المیادین. یقول علماء علم الکلام إنَّ العقیدة تمثلُ الأساس والقاعدة لکل عمل الإنسان وسلوکه الخارجی، فالسلوکیات حاکیة ومعبرة عن عقیدة الإنسان، فالشخص المؤمن والمعتقد بوجود آخرة وجنة ونار وعقاب وثواب لا یجرؤ على ارتکاب المعاصی والذنوب وکثیر من الناس یؤمن بهذه الأمور على المستوى النظری ولکنه لا یؤمن بها على المستوى العملی، فمن ادعى الإیمان وخالف سلوکه إیمانه فهذا دلیل على أنّ الإیمان بقی فی الذهن ولم یستقر على صفحة القلب. یقول الإمام الخمینی رضوان الله تعالى علیه فی وصیته لابنه السید أحمد فی ذکره للآیة الکریمة {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحشر:١٨. “...یمکن أن تکون الآیة خطابا للأشخاص الذین أوصلوا الإیمان إلى قلوبهم، فکثیراً ما یکون الإنسان مؤمنا بحسب الظاهر مؤمناً معتقداً بالشهادتین لکن قلبه لا علم له بذلک، ویکون عالماً معتقداً بالأصول الخمسة إلا أنّ هذا العلم لم یصل إلى قلبه. ولعل غیر خواص المؤمنین هم جمیعاً کذلک. المعاصی التی تصدر من بعض المؤمنین منشؤها هو هذا، إذا کان القلب مطلعاً على یوم الجزاء والعقاب الکذائی (المرعب) وقد آمن بذلک، فإن صدور المعصیة والتمرد منه بعید جداً. الشخص الذی آمن قلبه بعدم وجود إله إلا الله لن یمیل إلى غیر الحق تعالى ومدح الآخرین، ولن یخاف ویحذر غیره “. الإمام الخمینی رضوان الله تعالى علیه بنى فکره ومواقفه السیاسیة على أساس عقدی انطلق من توحیده لله تعالى وبنى مواقفه الشجاعة والقویة من هذا الفهم وهذا المنطلق العقدی. یقول الإمام فی موقع آخر من وصیته لابنه السید أحمد: “...وثانیاً یجب ان تعلم أن الایمان بوحدة الإله ووحدة المعبود ووحدة المؤثر لم یصل -کما ینبغی-إلى قلبک. ابذل الجهد لتصل کلمة التوحید -التی هی أعظم کلمة وأسمى جملة- إلى عقلک وقلبک. فإن حظ العقل هو ذلک الاعتقاد البرهانی الجازم.. وإذا لم یصل حاصل هذا البرهان بالمجاهدة والتلقین إلى القلب فإن فائدته وأثره لا یکادان یذکران. بُنی علیک بالمجاهدة لتودع القلب عند الله، ولا ترى مؤثراً غیره. اولیس عامة المسلمین المتعبدین یصلون فی الیوم واللیلة -والصلاة زاخرة بالتوحید والمعارف الإلهیة –یقولون عدة مرات فی الیوم واللیلة {إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ} ویتلفظون أنّ العبادة والإعانة مختصتان بالله، إلا أنهم یتذللون ویتزلفون لکل عالم وقوی وثری، إلا المؤمنون بحق وخواص الحق سبحانه، وأحیاناً یأتون بأکثر مما یأتون به للمعبود، ویستمدون العون من کل شخص ویتمسکون بکل قشة من أجل آمالهم الشیطانیة وهم غافلون عن قدرة الحق”. وفی وصیة أخرى یقول لابنه: “ولدی العزیز أحمد... اعلم أنّ لیس لأی موجود من الموجودات -بدءاً من غیب عوالم الجبروت وإلى ما فوقها أو تحتها- شیء من القدرة أو العلم أو الفضیلة، وکل ما فیها من ذلک إنما هو منه (جلَّ وعلا)، فهو الممسک بزمام الأمور من الأزل إلى الأبد، وهو الأحد الصمد. فلا تخشى من هذه المخلوقات الجوفاء الخاویة الخالیة، ولا تُلقِ آمالک علیها أبداً، لأن التعویل على غیره تعالى شرک، والخوف من غیره جلت عظمته کفر”. ویقول فی موضع آخر بشکل أکثر صراحة ووضوح: “إنّ معتقداتی أنا وجمیع المسلمین هی نفس تلک المسائل المطروحة فی القرآن الکریم والتی بینَّها الرسول الأکرم (صلَّى الله علیه وآله) وأئمة الحق (علیهم السلام) الذین جاؤوا من بعده وأنّ أساس جمیع تلک الاعتقادات وأهم وأغلى عقائدنا هو أصل التوحید. وطبقاً لهذا المبدأ فإننا نعتقد بأن الذات الالهیة المقدسة وحدها هی التی خلقت هذا العالم وکل عوالم الوجود والإنسان، وأنها مطلعة على جمیع الحقائق وقادرة على کل شیء، ومالکة لکل شیء، ویُعلمنا هذا المبدأ أنه یجب على الإنسان أن یخضع للذات الإلهیة الحقة فقط، وان لا یطیع أی إنسان إلا ان تکون طاعته طاعة للخالق. وطبقاً لهذا الأساس فلا یحق لأی إنسان أیضاً أن یفرض على الآخرین أن یخضعوا له، وإننا نتعلم من هذا الأصل العقائدی مبدأ حریة الإنسان وأنه لا یحق لأی إنسان أن یسلب حریة إنسان آخر أو مجتمع معین، فیضع له القانون، أو ینظم علاقاته وسلوکه بموجب علمه وإدراکه الناقص جداً، أو میوله ورغباته. وإننا نعتقد -انطلاقاً من هذا المبدأ أیضا- أن وضع القوانین من أجل التکامل هو من صلاحیة الخالق (جلَّ وعلا) کما کانت قوانین الوجود والخلق من وضعه عز وجل، ولا یصل الإنسان ولا المجتمعات إلى السعادة والکمال إلا فی ظل إطاعة القوانین الإلهیة التی بلغنا إیاها الأنبیاء، وأنّ انحطاط الإنسان وسقوطه إنما هو بسبب سلب الحریة منه لسائر الناس. ولذا یجب على الإنسان أن یثور ضد سلاسل وقیود الأسر هذه، ویقف بوجه الآخرین الذین یدعونه إلى الأسر ویحرر نفسه ومجتمعه حتى یکون المجتمع عبّاداً لله وخاضعین له، ولهذا السبب تنطلق قراراتنا الاجتماعیة ضد قوى الاستبداد والاستعمار، وأیضا فإننا نستلهم من مبدأ التوحید الاعتقادی هذا أن جمیع الناس متساوون أمام الخالق، فهو خالقهم جمیعاً والکل عبید له”. وحین یتحدث عن دور الأنبیاء فإنه یشیر إلى أنهم جاؤوا لیحرروا البشریة من أسر النفس والطواغیت فیذکر فی أکثر من موضوع هذه النقطة فیقول: “إنّ الهدف الذی بُعث من أجله الأنبیاء وجمیع الأعمال الأخرى هی مقدمة له هو نشر التوحید...”. ویشیر إلى أنّ هناک هدفان أساسیان للأنبیاء (علیهم السلام) فیقول: “لقد بُعث الأنبیاء من أجل تنمیة معنویات الناس واستعداداتهم حتى یفهموا -من خلال تلک الاستعدادات- بأننا لا شیء، وإضافة إلى ذلک إنقاذ الناس، وإنقاذ الضعفاء من نیر الاستکبار وکانت للأنبیاء منذ البدایة هاتین الوظیفتین، الوظیفة المعنویة لإنقاذ الناس من أسر النفس، ومن أسر ذاتها (لأن الذات شیطان کبیر) وإنقاذ الناس والضعفاء من سلطة المستکبرین” ویقول فی موضع آخر: “لقد جاءت النبوة وبعث النبی من أجل تحطیم معاقل الظالمین الذین یظلمون الناس. وإن معاقل الظلم هذه قد قامت أسسها على کدح هؤلاء الضعفاء، وعلى دمائهم واستثمارهم، وأصبحت قصوراً عالیة، وکان مجیء النبی (ص) لتحطیم هذه المعاقل وقلع جذور الظلم هذه، ومن جانب آخر فلأن الهدف أیضاً بسط التوحید، فقد قام بهدم مراکز عبادة غیر الخالق (جلَّ وعلا) ومراکز عبدة النار وأطفأ نیرانهم”. من هذه الرؤیة التوحیدیة تمخض من حرکة الإمام الخمینی شعاران یجسدان التوحید العملی: - شعار لا شرقیة لا غربیة: یقول الإمام رضوان الله تعالى علیه: “إن الذی یتبع الدین الإسلامی یجب علیه أن یعارض القوى العظمى ویخلص المظلومین من مخالبها”. یشیر الإمام الخمینی إلى حقیقة وتبعات شعار لا شرقیة ولا غربیة فیقول: “عندما أقول إن لدى إیران مسؤولیة أکبر من سائر البلاد، فلأن إیران موضع الألطاف الإلهیة أکثر من غیرها. أی بلد فی العالم یعلن عن انتهاجه نهجاً مستقلا لا شرقیة ولا غربیة؟ إنه بلدکم. إنکم تعلمون أن من تبعات الثورة الفوضى وشحّة السلع. فإذا أراد الإنسان أن یحافظ على إنسانیته فلا بد له من أن یتحمل ویصبر وإذا أردتم حفظ قیمکم الإنسانیة فلا بد من دفع الثمن. لا یمکن للإنسان أن یجلس فی منـزله وتصان قیمه الإنسانیة فمن یجلس فی منـزله ویعتزل العالم فإنه سیتلقى الإساءات ولا یشعر بفقدان إنسانیته. فإذا کنتم تتطلعون للإنسانیة ونیل العزّ والسؤدد فی العالم فإنه مکلّف لا یأتی بالمجّان. إذا کنتم تتطلعون للتحرر من هیمنة الآخرین ونیل الاستقلال فلا بد من التضحیة. لا بد من تحمل تبعاته الغلاء والنقص والجهاد والدفاع والاستشهاد. هذه کلها قیم إنسانیة عمل من أجلها الأنبیاء وقتل بسببها الامام الحسین (علیه السلام)، فاذا کان هو وأصحابه القلة یفکرون فی الصعوبات ما استطاعوا تحقیق ثورة ما زالت آثارها خالدة”. یقول سماحة آیة الله الشیخ محمد مهدی الآصفی فی کتابه خط الإمام: “ثم تبنت الثورة من خلال توجیهات وخطابات الإمام ورجالات الثورة وشعارات وهتافات الأمة شعار اللاشرقیة واللاغربیة. وما أدراک ما قیمة هذا الشعار، وعمقه ووزنه السیاسی؟ فلقد کانت ولا تزال الحکومات والأنظمة فی هذه المنطقة تدور حول فلک إحدى القوّتین العالمیتین، فإذا انفلت النظام من دائرة النفوذ السیاسی لأمریکا، فلکی یرتمی فی أحضان النفوذ السوفییتی وإذا تخلص نظام من فلک السوفییت، فلکی یتراوح بینهما، أو یلعب على الحبلین جمیعاً. ولأول مرة تستطیع الثورة الإسلامیة أن ترفع فی وجه القوّتین الکبریین شعار لا شرقیة ولا غربیة، وتمارس العمل السیاسی، بموجب هذا الشعار، وتتخلص من دوائر النفوذ الأجنبیة بصورة حقیقیة...”. ویقول السید القائد الخامنئی (حفظه الله) فی الذکرى السنویة الأولى لرحیل الإمام الخمینی العظیم (رحمه الله): “من بین المزایا التی تمیز بها العهد الجدید الذی بناه إمامنا العظیم وثورتنا على الصعید العالمی عبارة عن أصل التحرر من سلطة وهیمنة ونفوذ القوى الکبرى، وهو ما عرف فی ثورتنا بمبدأ (لا شرقیة ولا غربیة) ففی کافة الثورات الکبرى التی حصلت خلال القرن العشرین -تقریباً- کانت الشعوب أو الأحزاب الثوریة إذا ما انطلقت فی عملها وحققت تقدماً ملحوظاً فی مناهضتها لأی سلطة أو قوة ربطت نفسها بقوة أخرى: إمّا أن ینبری شعب لمواجهة سلطة جائرة معتمداً على نفسه ومتوکلاً على الله ودون الاعتماد أو الاتکال على أی أحد أو أیّة قوة، فهو السبیل الذی انطلق به الشعب الإیرانی بقیادة الإمام العظیم”. فشعار لا شرقیة ولا غربیة هو تجسید عملی سیاسی لعقیدة التوحید الربوبی، فکان الاتکال على الله والصبر والصمود فی وجه قوى الاستکبار حینذاک هو الذی یحدد سیاسة الإمام ومواقف الإمام رضوان الله تعالى علیه. - شعار الإسلام المحمدی الأصیل: لقد طرح الإمام الخمینی العظیم عنوان الإسلام المحمدی فی قبال الإسلام الأمریکی وقد بیّن مراده من الإسلامی المحمدی الاصیل فی عدة خطابات وبین مراده من الإسلام الأمریکی. إنّ طرح مفردة (الإسلام المحمدی الأصیل) یتناسب مع الفهم والعقیدة التوحیدیة والرؤیة والفهم لوظیفة الأنبیاء (علیهم السلام) لذلک فالإمام الخمینی رضوان الله تعالى علیه حین یقول: (الإسلام المحمدی الأصیل) فهو یقصد الفهم الصحیح للإسلام والذی ینحاز إلى المستضعفین فی قبال المستکبرین، الإسلام الذی یرفض الظلم والاستبداد وفرض الإرادة على الاخرین وهو فی قبال الإسلام الأمریکی الذی یفرغ الإسلام من قیمه ومحتواه ویبعده عن نصرة المستضعفین ویبرر سلوک وظلم السلطات الظالمة وینحاز لها ویبرر طغیانها وجبروتها ویبرر للمستضعفین الرکون والخضوع للظلم. نذکر فی السطور القادمة بعض معالم الإسلام المحمدی وبعض معالم الإسلام الأمریکی فی نظر الإمام الخمینی رضوان الله تعالى علیه: ١– الإسلام الأصیل، الإسلام المدافع عن المحرومین والمستضعفین والمناهض للمرفهین ودعاة الراحة والدعة. یقول سماحة الامام: “سوف یدلی الشعب الإیرانی الشجاع -وبدقة تامة- بصوته إلى المرشحین المتمسکین بالإسلام والأوفیاء للشعب، الذین یشعرون بالمسؤولیة تجاه شعبهم، وتجرعوا مرارة الفقر، ودافعوا عن إسلام الحفاة بالقول والفعل، إسلام المستضعفین، إسلام المعذبین على مرّ التاریخ، إسلام العرفاء المجاهدین، إسلام العرفاء ذوی الأصول الطاهرة. وبکلمة واحدة سیُدلی بصوته إلى المدافعین عن الاسلام المحمدی (ص) وسیعمل على طرد کل الذین یدافعون عن الإسلام الرأسمالی، إسلام المستکبرین، إسلام المرفهین الذین لا یعرفون معنى للألم، إسلام المنافقین، إسلام دعاة الدعة، إسلام الانتهازیین، وبکلمة واحدة الإسلام الأمیرکی، ویفضحهم”. ٢– محاربة الاستکبار والدفاع عن العقیدة، من الأرکان المهمة للإسلام الأصیل. یقول سماحة الإمام: “على مسؤولی النظام الإیرانی الثوری أن یعلموا بأن عدة من الذین لا یعرفون الله، وبدافع القضاء على الثورة، تسعى إلى اتهام کل من یعمل من أجل الفقراء والمحرومین ویمضی فی طریق الإسلام والثورة، بالشیوعیة والالتقاطیة على الفور. فیجب أن لا تخیفهم مثل هذه الاتهامات، ویجب أن لا یفکروا بغیر الله تعالى، وأن نرکز کل جهدنا وهمّنا من أجل نیل رضا الله ومساعدة المحرومین ولا نخشى اتهاماتهم. إن لدى أمیرکا والاستکبار عموماً أشخاصاً یمارسون تحرکاتهم فی مختلف المجالات لإلحاق الهزیمة بالثورة الإسلامیة. ففی الحوزات والجامعات ثَمة من یتظاهر بالقداسة وقد نبهت إلى خطر أمثال هؤلاء مراراً وتکراراً. إذ إنهم ومن خلال تزویرهم للحقائق یعملون على تآکل الثورة والإسلام من الداخل. کما أنهم ومن خلال التظاهر بمناصرة الحق والدفاع عن الدین والولایة، یحاولون أن ینعتوا الآخرین بأنهم عدیموا الدین. ویجب أن نعوذ بالله تعالى من شرّهم کما أن هناک من یحاول أن یشن هجوماً ضد کل روحانی وعالم دین بدون استثناء، ویعرِّفون إسلامهم بالإسلام الأمیرکی، وهم بذلک ینهجون نهجاً خطیراً من الممکن أن یقود -لا سمح الله- إلى هزیمة الاسلام المحمدی الأصیل. وعلینا أن ندافع عن إحقاق حقوق الفقراء فی المجتمعات البشریة حتى آخر قطرة دم. إن العالم الیوم متعطش لثقافة الإسلام المحمدی الأصیل. وإن المسلمین وعبر إقامتهم لهیئات ومنظمات إسلامیة عظیمة، سیتمکنون من مصادرة نعیم ورخاء القصور البیضاء والحمراء. وقد فتح الخمینی الیوم أحضانه وکشف عن صدره لاستقبال سهام البلایا والمواقف الصعبة وقذائف الأعداء وصواریخهم، ویعد الأیام لنیل الشهادة مثلما هم جمیع عشاق الشهادة. إن حربنا حرب العقیدة لا تعرف الجغرافیا والحدود. وفی حربنا هذه علینا أن نکرِّس جهودنا للتعبئة الکبرى لجند الإسلام فی العالم بأسره. وأن الشعب الإیرانی العظیم، ومن خلال دعمه المادی والمعنوی للثورة، سیخوض -إن شاء الله- صعوبات الحرب لیتذوق حلاوة هزیمة أعداء الله فی الدنیا، وأیة حلاوة ألذّ من أن یشاهد الشعب الإیرانی تداعی وسقوط أرکان وقواعد النظام الشاهنشاهی الظالم وتحطم زجاج الوجود الأمیرکی فی هذا البلد.. أیة حلاوة أسمى من أن یقوم شعبنا العزیز باجتثاث جذور النفاق والالتقاط والنـزعات القومیة”. ٣- الإسلام المحمدی یناهض الإسلام الأمیرکی ویتعارض معه ولن یلتقیا. یقول سماحة الإمام: “إن الاستکبار العالمی الشرقی والغربی، ونظراً لبقائه عاجزاً عن المواجهة المباشرة مع العالم الإسلامی، لجأ الیوم إلى أسلوب الاغتیالات وتصفیة الشخصیات الدینیة والسیاسیة من جهة، وإلى إشاعة ونشر ثقافة الإسلام الأمیرکی من جهة أخرى. ولیت کانت کل اعتداءات الناهبین الدولیین علنیة ووجهاً لوجه، مثلما هو اعتداء الاتحاد السوفیتی على البلد المسلم والمنجب للشهداء أفغانستان، کی یتسنى للمسلمین تحطیم أبهة الغاصبین واقتدارهم الوهمی. ولکن طریق النضال ضد الإسلام الأمیرکی یتسم بالتعقید ولا بد من العمل على الکشف عن کل أبعاده للمسلمین الحفاة. ومما یؤسف له ان الحد الفاصل بین (الإسلام الأمیرکی) و(الاسلام المحمدی) لم یتضح بعد للکثیر من الشعوب الاسلامیة.. لم یتضح بعد الفارق بین إسلام الحفاة والمحرومین، وبین إسلام المتظاهرین بالقداسة المتحجرین والرأسمالیین الذین لا یعرفون الله والمرفهین الذین لا یعرفون معنى للألم. وإن ایضاح حقیقة استحالة وجود متضادین ومتناقضین فی مذهب واحد ودین واحد، یعتبر واجباً سیاسیاً مهماً للغایة... لذا فمن واجب علماء الدین العمل على إنقاذ الإسلام العزیز من أیدی الشرق والغرب، من خلال إیضاح أبعاد هذین الفکرین”. ٤– خطر التحجر والتظاهر بالقداسة لتضعیف الإسلام الأصیل خطر حقیقی. یقول سماحة الإمام: “لا بد لنا من السعی جمیعاً لسیادة روح الوحدة والطهارة فی محیط عملنا کی یتسنى لنا إرکاع القوى والقوى العظمى.. یجب أن نعمل على التمییز بین زهد وقداسة الإسلام المحمدی وإبعاده عن صدأ المتظاهرین بالقداسة والمتحجرین من أتباع الإسلام الأمیرکی، وفضحهم إلى الجماهیر المستضعفة. فإذا استطعنا إقامة نظام على الأسس الواقعیة لـ (لا شرقیة ولا غربیة)، والتعریف بالإسلام المنـزه من الریاء والخداع والخدیعة، تکون الثورة قد حققت أهدافها”. ویضیف سماحته: “إن کتاب (الآیات الشیطانیة) عمل مدروس لاستئصال جذور الدین والتدین وفی طلیعته الإسلام وعلمائه. ومما لا شک فیه لو کان بوسع الناهبین الدولیین لعملوا على اجتثاث جذور علماء الدین واسمهم، ولکن الله تعالى کان دائماً حافظاً وحارساً لهذا المشعل المقدس، وسیبقى کذلک من الآن فصاعداً أیضاً بعونه تعالى، شرط أن نعی حیل ومکر وخداع الناهبین الدولیین. وبطبیعة الحال لا یعنی هذا إننا ندافع عن جمیع علماء الدین، ذلک أن رجال الدین المرتبطین والمتظاهرین بالقداسة والمتحجرین لم ولن یکونوا قلة. ففی الحوزات العلمیة ثمة أفراد ینشطون ضد الثورة والإسلام المحمدی الأصیل. فالیوم نرى عدة من هؤلاء، ومن خلال التظاهر بالقداسة، توجِّهُ سهامها الى قواعد الدین والثورة والنظام وکأنه لیس لدیها هماً غیر ذلک. إن خطر المتحجرین والمتظاهرین بالقداسة الحمقى غیر بسیط فی الحوزات العلمیة. وعلى طلبة العلوم الدینیة الأعزاء أن لا یغفلوا لحظة واحدة عن هذه الأفاعی الرقطاء، إذ إنها تروج للإسلام الأمیرکی وأعداء رسول الله، ولا بد للطلبة الأعزاء المحافظة على وحدتهم أمام مثل هذه الأفاعی. إن الاستکبار العالمی وبعدما یأس من القضاء على علماء الدین وتدمیر کیان الحوزات العلمیة، لجأ فی عصرنا الحاضر الى أسلوبین لتنفیذ مخططه، الأول أسلوب القوة والإرعاب، والثانی أسلوب الخداع والتضلیل. ولما فشلت حربته فی الإرعاب والتهدید بتحقیق أهدافه، سعى الاستکبار الى أسلوب الخداع والتضلیل وتقویة نفوذه فی الأوساط الدینیة. ولعلّ من أولى تحرکاته وأهمها الترویج لشعار الفصل بین الدین والسیاسة. ومع الأسف استطاعت هذه الحربة أن تترک تأثیرها -إلى حد ما- فی الحوزات العلمیة وفی أوساط الروحانیة إلى درجة أصبح التدخل فی السیاسة دون شأن الفقیه، وکأن الخوض فی معترک السیاسة مقروناً بتهمة التبعیة للأجانب”. ٥– هدف الثورة رفع لواء الإسلام الأصیل وانتصار الصالحین. یقول سماحة الإمام: “إنَّ الشعب الإیرانی البطل سیحافظ -إن شاء الله- على حماسه وغضبه الثوری المقدس، ولن یتوانى عن إضرام النار الحارقة للظلم ضد روسیا المجرمة وامیرکا الناهبة للعالم وأذنابهم حتى ترفرف -بعون الله العظیم- رایة الاسلام المحمدی عالیاً فی أنحاء العالم ویرث المستضعفون والحفاة والصالحون الأرض”. ٦ – ضرورة التحلی بالحیطة والحذر فی مقابل العدو، وتشکیل خلایا المقاومة فی العالم الاسلامی. یقول سماحة الإمام: “إننی أقول مرة أخرى لأبناء الشعب الإیرانی العظیم ولکافة المسؤولین، بأنه لمن السذاجة حقاً أن نتصور بأن نهبة العالم لا سیما أمیرکا والاتحاد السوفیتی، کفوا أیدیهم عنا وعن الإسلام العزیز... یجب أن لا نغفل لحظة واحدة عن کید الأعداء. فالحقد والعداء للإسلام المحمدی یموج فی کیان وطباع أمیرکا والاتحاد السوفیتی... لابد من التسلح بسلاح الصبر والإیمان الفولاذی لتحطیم أمواج الأعاصیر والفتن، والتصدی لسیل الآفات. إن الشعب الذی یحث الخطى على نهج الإسلام المحمدی) ویناهض الاستکبار وعبادة المال والتحجر والقداسة الزائفة، یجب أن یکون جمیع أبنائه من التعبویین، وأن یحرصوا على تعلم فنون القتال، فالشعب العزیز والخالد هو الذی تتحلى الغالبیة من أبنائه بالاستعداد العسکری المناسب لمواجهة المخاطر فی اللحظات العصیبة... ینبغی للحوزة العلمیة والجامعة وضع الأطر الأصیلة للإسلام المحمدی الأصیل تحت تصرف البسیجیین کافة. کما یجب على بسیجیی العالم الإسلامی التفکیر بتشکیل الحکومة الإسلامیة الکبرى وهو أمر ممکن، لأن البسیج لا یقتصر وجوده على إیران الإسلامیة. فلا بد من تشکیل خلایا المقاومة فی مختلف أنحاء العالم والتصدی للشرق والغرب” ٧– علماء الدین الحلقة الرئیسة فی نشر الإسلام الأصیل. یقول سماحة الإمام: “والیوم أیضاً -وکما فی السابق- انطلق صیادوا الاستعمار فی مختلف أنحاء العالم، سواء فی مصر وباکستان وأفغانستان ولبنان والعراق والحجاز وإیران والأراضی المحتلة، للتربص بأبطال الروحانیة المعارضین للشرق والغرب، والمؤمنین بمبادئ الإسلام المحمدی (صلَّى الله علیه وآله) ها نحن نشهد بین الفینة والأخرى فی العالم الإسلامی انفجار غضب الناهبین الدولیین ضد أحد علماء الدین المخلصین. لأن علماء الإسلام الحقیقیین لم یخضعوا مطلقاً للرأسمالیین والخونة وعبدة المال، وحافظوا على هذا الشرف على الدوام. ومن الظلم الفاحش أن یرى البعض بأن علماء الدین الأصیلین، أنصار الإسلام المحمدی الأصیل، یضعون أیدیهم فی إناء واحد مع الرأسمالیین... إن علماء الدین الملتزمین متعطشون لدماء الرأسمالیین الطفیلیین ولم ولن یتصالحوا معهم... إن نشر الفقاهة والروحانیة لم یکن بقوة الحراب، ولا بفعل ثروة عبدة المال والأثریاء، بل أن جِدَّهم ومثابرتهم وإخلاصهم والتزامهم کان وراء اتباع الناس لهم”. ٨– الغرب والشرق یناهضان الإسلام الأصیل فی جبهة متحدة. یقول سماحة الإمام: “إن عالم الاستکبار، لا سیما الغرب، قد أدرک الیوم تنامی خطر الإسلام المحمدی على مصالحه غیر المشروعة... إن الغرب والشرق یدرکان الیوم جیداً بأن القوة الوحیدة التی بإمکانها أن تتصدى لهما وتخرجهما من الساحة هی الإسلام، وقد تلقى هؤلاء خلال السنوات العشر الماضیة من عمر الثورة الإسلامیة الإیرانیة، ضربات قاسیة من الإسلام، وقد عقدوا العزم للقضاء على الإسلام بأیة وسیلة ممکنة، فی إیران موطن الإسلام المحمدی الأصیل، فإن تیسر لهم فبالقوة العسکریة، وإلا فمن خلال نشر ثقافتهم المبتذلة وجعل الشعب غریباً عن الإسلام وعن ثقافته القومیة. وإذا ما عجزوا عن ذلک، فمن الممکن أن تحقق لهم أهدافهم المشؤومة الأیادی المأجورة من المنافقین واللیبرالیین وعدیمی الدین، الذین یعتبرون بالنسبة إلیهم قتلة محترفین فی تصفیة علماء الدین والأبریاء والتسلل إلى مؤسسات الدولة ودوائرها، وقد أعلن هؤلاء المتسللون مراراً بأنهم یستدلون على ادعاءاتهم بما ینطق به السُّذَّج”. یقول الإمام الخامنئی (حفظه الله) فی تعریفه للإسلام المحمدی الأصیل: “إن أول وأبرز ملاحظة بالنسبة لمبادئ الإمام وأفکاره، تکمن فی قضیة الإسلام المحمدی، أی الاسلام المقارع للظلم، الإسلام الذی یدعو للعدالة، الإسلام المجاهد، الإسلام نصیر المحرومین، الإسلام المدافع عن حقوق الحفاة والمعذبین والمستضعفین. وفی مقابل هذا الإسلام، أدخل الإمام مصطلح (الإسلام الأمیرکی) فی ثقافتنا السیاسیة.. الإسلام الأمیرکی یعنی إسلام المجاملات، إسلام اللاأبالیة تجاه الظلم، تجاه الاطماع، إسلام اللاأبالیة تجاه التطاول على حقوق المظلومین، الإسلام الذی یساند الطغاة والمستبدین، الإسلام الذی یساعد الاقویاء، الإسلام الذی یتناغم مع جمیع هؤلاء. أن مثل هذا الإسلام اطلق علیه الإمام اسم: (الإسلام الأمیرکی)... ان فکرة الإسلام الأصیل التی آمن بما الإمام على الدوام، لم تکن تختص بمرحلة الجمهوریة الإسلامیة، غیر أن الاسلام الاصیل لم یکن بالإمکان تحقیقه فی غیر سیادة الاسلام وإقامة النظام الاسلامی. لو لم یکن النظام السیاسی للبلد قائماً على أساس الشریعة الاسلامیة والفکر الاسلامی، لم یکن بوسع الاسلام مقارعة الظالمین، مقارعة الطغاة والمستبدین فی العالم، مقارعة الطغاة فی المجتمع، مقارعة کل هؤلاء بشکل واقعی وحقیقی. ولهذا فان الإمام کان یعتبر حراسة وصیانة الجمهوریة الإسلامیة أوجب الواجبات.. أوجب الواجبات ولیس من أوجب الواجبات، لأن صیانة الإسلام -بالمعنى الحقیقی للکلمة- رهن بصیانة النظام السیاسی الإسلامی، إذ لا یتسنى ذلک من دون النظام السیاسی”. ویقول فی موضع آخر: “الإمام یتحدث عن الإسلام الأصیل فی مقابل الإسلام الأمیرکی. الإسلام الأمیرکی لیس الإسلام الذی تریده أمیرکا فحسب، وإنما کل شیء لا یمت للإسلام الأصیل بصلة. والشیء نفسه بالنسبة لإسلام السلاطین، وکذلک الإسلام الالتقاطی، وإسلام الرأسمالیة، وإسلام الاشتراکیة.. (الإسلامات) التی تعرض بأشکال وألوان مختلفة وتفتقر للعناصر الاصیلة. وفی الحقیقة أن الإسلام الأمیرکی هو الذی یقف فی مواجهة الإسلام الأصیل على الدوام. ویرى المرء أن هذه الاسلامات المتنوعة کانت حاضرة طوال السنوات الثلاثین الماضیة من معارضة النظام الإسلامی. فالإسلام الالتقاطی کان موجوداً، وإسلام السلاطین وکذلک الاسلام الاشتراکی.. جمیع أنواع وأقسام هذه (الاسلامات) کانت حاضرة فی مواجهة الجمهوریة الاسلامیة... حسناً ففی ظل هذه النظرة الى الإسلام وهذا الوعی والفهم للإسلام، یأخذ بنظر الاعتبار کل من الفرد والمجتمع، ینظر إلى المعنویات والعدالة معاً، یأخذ بنظر الاعتبار الشریعة والعقلانیة جنباً الى جنب، وینظر إلى العاطفة والحزم إلى جوار بعض، لا بد من وجود کل ذلک. القاطعیة والحزم فی محلها، والعواطف فی موقعها، والشریعة فی مکانها، والعقلانیة -التی هی لیست بمعزل عن الشریعة بطبیعة الحال- فی محلها. کل ذلک ینبغی الاستفادة منه الى جوار بعض. لأن الانحراف عن هذه المنظومة المتراصة سوف یؤدی إلى الانحراف عن النظام الإسلامی”. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 378 تنزیل PDF: 149 |
||||