سلیمانی: مهندس خطوط الدفاع الأولى عن المحور الشهید اللواء قاسم سلیمانی | ||||
PDF (618 K) | ||||
إنَّ الحدیث عن شخصیة الشهید القائد قاسم سلیمانی تحتاج إلى جیوش من الأقلام المتخصصة فی الفکر والسیاسة والعسکر، والسبب وراء ذلک أنَّ الشهید قد جمع الشیء من کل شیء منها، وکذلک الحال بصفاته وأخلاقه الحمیدة التی تمثّل مآثر جلیلة حملها فی فکره وترجمها فی فعله وسلوکه. وإذا ما أردنا الاستدلال علیها فالمیدان هو الشاهد الأبرز والأکثر تعبیراً عن هذهِ المآثر التی بدت جلیّة فی ثِقَل حضوره لیکون الجندی قبل القائد ولیخالف تکتیکات کثیر من القادة الذی یقتصر عملهم على التوجیه والإرشاد ووضع الخطط، فالشهید القائد بحسب ما تعکسه سیرته النضالیة الکفاحیة کان یتواجد فی الخطوط الأمامیة الساخنة فی نقاط التماس مع العدوّ ولا سیما خلال الحرب الکونیة على سوریة، وترکیزه على تربیة القیادات المحلیة وغیر المحلیة، وعمله على کافة المستویات الأمنیة العسکریة السیاسیة والثقافیة والاجتماعیة. ومن المفید ذکره أنّ الإیدولوجیا الفکریّة العقائدیة للحاجّ قاسم تُرجمت على المستوى العملیّ، أی ربط القول بالفعل، وجعل الممکن محققًا، والمحقق مُنجزًا، وبالتالی هذه الإیدیولوجیا تشکل بکل مضامینها فهارس کتاب خُطَّ بأحرفٍ من ذهب ونور، وتحتار عند الکتابة عن هذه الشخصیة العظیمة من أین تبدأ، من العاطفة الثائرة أم العقلانیة الاتزانیة، من الاستراتیجیّة فی التکتیک ذاته، أم من التضحیة بلا حدود، من الأمنیة الکُبرى بالشهادة، عن شخصیة عبرت القِفار بالنعال آیسةً عن الرّوح، شهادةٌ استوطنت القلوب وأخذت من یوم الثالث من کانون الثانی من کلّ عام بزوغ فجرٍ بلونِ الدّم المنتصرِ على سیفِ القتلةِ الغادرین، الذین هابوا المنازلة وجهاً لوجه فما کان مِنهم إلا الغدر، ولیکن مشهد ید سلیمانی المقطوعة على أرض المطار فی بغداد شاهدٌ دامغٌ على تضحیتهِ أوّلاً، وعلى جُبن عدوّه ثانیاً. ولا مناص من ذکر الدور الکبیر والهام الذی لعبه الحاجّ الشهید فی العدید من ساحات المقاومة، هذا الدور الذی شکّل شیفرة العمل المقاوم وکلمته المفتاحیّة بالمتابعة الدؤوبة والثناء المباشر، لیُعرف بالرجل الأمنیّ الأوّل فی الشرق الأوسط، دور جعله یتربّع على عرش قلوب المقاومین الذین زادت معرفتهم به بعد شهادته المبارکة، ولعلَّ من أکثر الساحات التی ظهرت فیها بصمات الشهید هی الساحة الفلسطینیّة التی فتحت الأفق واسعاً للمواجهة المباشرة مع الاحتلال الصهیونی، عبر نقل السلاح للمقاومة الفلسطینیة وفکرة حفر الأنفاق بطول ٣٦٠ کم فی قِطاع غزّة التی تعود للحاجّ الشهید، وطلب إیصال صواریخ الکورنیت لفصائل المقاومة، إضافةً لوجوده الشخصی فی غرفة عملیات إدارة حرب تموز إلى جانب السید حسن نصر الله، والشهید مغنیة، وهو ما صرّح فیه السیّد نصر الله بخطابه فی الذکرى السنویة الأولى للاستشهاد، بقوله: “فی عدوان تموز ٢٠٠٦ حضر الحاج قاسم سلیمانی معنا وأصرّ أن یبقى معنا وقالَ لنا إمّا أن أحیا معکم أو أموت معکم”. ولا یقل الدور أهمیة فی الساحة السوریّة منذ اندلاع الحرب الهمجیّة علیها، حیث کان له دور جوهری فی صیاغة وهندسة التفاهم الروسی - الإیرانی للمشارکة فی صدّ هذه الحرب وهو ما عُرِفَ “بالاستبصار الإیرانیّ”، ویُعزى له نصر حلب والبوکمال، المعرکتین النوعیّتین اللتین فتحتا الطّریق أمام تفاهمات سیاسیة کان ناظمها النصر المُحقق على ید الحاجّ قاسم والجیش العربی السوری بکل فصولها، یضاف لهذا أیضاً أن الحاجّ الشهید هو من هندسَ خطوط الدفاع الأولى عن دمشق وعلى وجه الخصوص مقام السیدة زینب (ع) عبر العملیة المبارکة التی أُطلقت، وحملت شعار”لن تُسبى زینب مرّتین” والتی عبّرَ فیها الشهید أن الدفاع لیس دفاعاً عن حرمة المقام فقط، بل دفاع عن حرمة الحرم الأکبر وهو الإسلام، ومن المفید إیراده أن الشهید کان المسؤول عن ترتیبات اللقاء بین الرئیس الأسد وقائد الثورة السید علی خامنئی بطهران عام ٢٠١٩، ویطول الحدیث عن هذا الدور العظیم والکبیر، الذی کان له تبعات على کلّ المنطقة فی لبنان من خلال دعم حزب الله، والعراق عبر دحر تنظیم داعش الإرهابی، أی الصخرة التی تتکسّر علیها المشاریع الجامحة لتفتیت المنطقة وتوفیر عوامل المواجهة والدفاع. ومن نافلة القول أن الشهید رمز تاریخی کبیر سیخلّده التاریخ وتذکره الأجیال وتُذکّر به الانتصارات الناجزة المدهشة، وهذا من بدیهیات الوفاء لهذا القائد الذی أفنى عمره متنقلاً بین ساحات القتال والمواجهة، أخاً للمجاهدین وأباً لهم واحدٌ منهم وفیهم، حمل وسام ذو الفقار ألا أنه فاز بوسام الاستحقاق وهو الشهادة بدرجة العلیاء التی جعلته لائقاً بالوفود للخالق، وفی سوریة نحمل نبراس الوفاء لدم الشهید سلیمانی کما الوفاء لدماء شهداء الجیش العربی السوری الأسطوری، فسلیمانی هو شریک الدّم والنصر، کما قال الرئیس بشار الأسد: “ سیبقى ذکر الشهید سلیمانی خالداً فی ضمیر الشعب السوری الذی لن ینسى لسلیمانی وقوفه إلى جانب الجیش العربی السوری فی دفاعه عن سوریا ضد الإرهاب”. وتأسیساً على ذلک، إن ذکرى الشهید قاسم سلیمانی وأبو مهدی المهندس لا تدعو للحزن وولوج الألم بقدر ما تدعو للفرح لسببین اثنین واضحین، الأول هو أن محور المقاومة ولّاداً یلد یومیاً وفی کلّ لحظة سلیمانیاً ومهندساً، والثانی أنهم حققوا أمنیتهم وهی الشهادة التی لطالما رغبوا فیها. وفی معرض هذا الذکرى التی تتجدد دوماً حریٌ بنا القول: إنّ الحاجّ قاسم سلیمانی هو وبحق سـیّد شهداء محور المقاومة، وأنّ شهادةَ میادین القتال لهُ نقطة مضیئة فی التاریخ، ودماؤه سترسم حدود الجغرافیة التی لطالما رغبَ وضحى فی سبیل تحریرها ونصرتها. حاج قاسم، ستبقى أنفاقُ غزّةَ تذکرک، وسیبقى أثرُ لمسات یدیکَ على صواریخِ مقاومتها منطبعٌ. حاج قاسم، سیبقى صوت صواریخِ المقاومةِ یعزفُ لنا أناشید النصرِ الأکید، وینخرُ فی قلوب العدو رعباً وخوفاً. حاج قاسم، ستبقى دمشق التی هندستَ خطوط دفاعها الأولى، وکذلک حلب والقصیر والبوکمال لک وفیّة ذاکرةً لعظیم تضحیاتک. حاج قاسم، ستبقى من ظلّت عیناک تنشداها على وعدٍ وموعدٍ من النصر، الـقـدس التی غدت قبلَتُکَ. حاج قاسم، سیبقى أوّل ما یتبادرُ إلى أذهاننا عندَ سماعِ اسمک، فلـسـطـیـن. حاج قاسم، ستبقى فی صفحاتِ التاریخ مُخلّداً، وفی ضمائرنا حیّاً لا تموت. حاج قاسم، ستبقى شهید القدس. المصدر: موقع الخنادق | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 172 تنزیل PDF: 76 |
||||