العالم المعاصر وإعادة قراءة الأفکار السامیة للإمام الخمینی(ره) | ||||
PDF (754 K) | ||||
ان التطرق الی شخصیة الإمام الخمینی وأفکاره لیس موضوع تاریخی عابر حدث فی الماضی داخل الحدود الجغرافیة لدولة ما ، وقد انتهى ظهور تلک الشخصیة فی فترة تاریخیة محدودة ، و نحن الأن بحاجة إلى استعادة أو إحیاء احدی الشخصیات التاریخیة. بل إن الإمام شخصیة صنعت التاریخ ، وان الشخصیات التی تصنع التاریخ مثل الحکماء والمصلحین الکبار فی التاریخ لا یمکن تحدیدها بزمن ومکان خاص ، وان وإحیاء تراثهم ، فی أی زمن وفترة من التاریخ ، سیمهد الأمور لإعادة تحقیق إنجازاتهم السامیة والرائعة فى المجتمع البشرى. طبعا یمکن دراسة ومعرفة الشخصیات التاریخیة والرجال العظماء من زاویتین على الأقل: ففی بعض الأحیان ننظر إلى الشخصیات التاریخیة والرجال العظماء من زاویة نشاطهم العلمی والبحثی الدؤوب فنذهب إلیهم لنتعرف على حیاتهم وسیرتهم الذاتیة . لکن فی بعض الأحیان ایضا نعید قراءة الشخصیات الراحلة لنستفید من آرائهم وأفکارهم والحلول التی قدموها وان نعثر علی الحکمة الکامنة فی سیرتهم العملیة لکی نطبقها فی حیاتنا الراهنة. فإذا کانت دراستنا من النوع الأول ، فقد قمنا بدورنا بعمل بحثی وعلمی ، اما نوع القضیة الثانیة فیختلف تماما. وذلک لآننا من هذه الناحیة نتطرق الی شخصیة –کما ذکرنا- لیست مجرد شخصیة تاریخیة ، وإنما شخصیة صانعة للتاریخ ولمدرسة وتیار فکری ،شخصیة تعتبر اراؤها کالدواء والعلاج بالنسبة لنا و شخصیة تقدم لنا سبل حل عملیة یمکن تطبیقها علی ارض الواقع .وفی ظنی ان التطرق إلى شخصیة مثل شخصیة سماحة الإمام واعادة دراستها ، هی إعادة لقراءة الحکمة الساریة فی أفکاره وسلوکه العقلانی وإلعثور علی الحلول والتعرف علی نموذج ادارته للحکم ونمط حیاته بأبعادها المختلفة لجعلها قدوة والإقتداء بها وتطبیقها علی ارض الواقع فی عصرنا الراهن. فالنموذج والقدوة التی قدمها الإمام فی عامی ٤١ و ٤٢ ٠هجری –شمسی (عامی١٩٦٢-١٩٦٣ م) کانت دواء آلام المظلومین فی ذلک الوقت. وفی الواقع ، ان الإمام قدم إجابة استراتیجیة عملیة على مطالب الشعب وتطلعاته واحتیاجاته التاریخیة فی فترات عدیدة ، ولهذا السبب التجأ الناس الیه أثناء الثورة وضحوا بأرواحهم من أجل تطلعاته واماله. والآن علینا أن نعرف ماهو العلاج الذی قدمه الإمام للآلام التاریخیة لتلک الفترة بحیث ان الناس رحبوا به بهذا الشکل. فقد کان الألم الرئیسی للناس فی تلک الفترة هو ألم الاستبداد والتبعیة والتخلف وعزلة الدین. وبناءً على هذین المبدأین ، کانت الحرکة الأولى للإمام هی تطبیق الإسلام الحقیقی والأصیل على أرض الواقع وتحدید دوره فی جمیع جوانب الحیاة البشریة ، الإسلام الحقیقی الذی کان یواجه طبعا جمیع أنواع المناهج المناوئة للدین من العلمانیة واللیبرالیة واصحاب القراءات الخاطئة والمتحجرة للدین وغیرها. فدین “الإسلام” من هذا المنطلق هو مدرسة شاملة تهتم بکافة جوانب الحیاة الإنسان واحتیاجاته ، ولا تقتصر برامجها العملیة على الزمان أو المکان أو على شریحة خاصة أو فئة معینة من المجتمع.هذا المشروع الاساسی للإسلام الذی بین رکائزه الامام وضع دعامته واسسه فی الخطوة الثانیة ،فی تثمین عنصر (الجمهوریة)،الذی یتمثل فی حضور الشعب ومشارکته فی جمیع المجالات الخاصة بتقریر مصیره ، وعلى صعید أخر، جعل نطاق دعمه یشمل جمیع شعوب العالم والامم المظلومة والمضطهدة ، وحدد وجهته النضالیة وهی مواجهة الطغاة والظالمین والمستبدین فی العالم. لقد حظیت هذه الخطة الشاملة والحکیمة للإمام ، کما ذکرنا ، بتأیید شامل من قبل الشعب الإیرانی وقوبلت بترحیب فرید من جماهیر الشعب.والقضیة الأساسیة الآن ، هی أنه إذا کانت هذه الآلام ، التی لا تقتصر على فترة محددة من تاریخ البشریة ، والتی لا تزال مستعرة فی عالمنا الحالی بطرق واشکال جدیدة ، قد وجدت الدواء المناسب لها فی بلدنا من خلال طرح الأفکار الإسلامیة الدینامیکیة من وجهة نظر الإمام ، فإن هذه الأفکار ستتمکن فی العصر الراهن ایضا من الاستجابة لآلام البشریة وتقدیم سبل الحل لها. لذلک ، من وجهة نظرنا ونظر شعوب العالم المستضعفة والمظلومة ، یمکن اعتبار الإمام الخمینی من رموز الصحوة بعد المصلحین الأوائل للبشریة ،یعنی الأنبیاء العظام وخاصة النبی الاکرم (ص)، وکذلک المصلح الدینی العظیم الإمام الحسین علیه السلام الذی قال: “خرجت لاصلاح دین جدی .. وأیضاً السید جمال الدین الأسد آبادی ،َ وکرجل محیی للدین ومصلح حکیم. المحیی الحکیم ، الذی تتمتع أفکاره ، وخاصة سیرته ومنهجه العملی فی إدارة الحکومة الإسلامیة الإیرانیة ،بقدرة کبیرة یمکن اعادة الاستفادة منها کثیرا على الصعید المحلی وکذلک على الصعید العالمی. ومن هذا المنطلق ، إذا نظرنا إلى الإمام من وجهة نظر القائد المعظم للثورة ، نجد ان الإمام شخصیة استثنائیة تتجاوز الأبعاد الزمنیة لحیاته التاریخیة. فالقائد یصف الإمام بأنه معالج وطبیب ینبغی علی جیل الشاب الحالی أن یعرف وینفذ ویطبق الدروس القیادیة والمصیریة لمدرسته. فالإمام الخمینی من وجهة نظر القائد هو البوصلة . وقد أکد قائد الثورة خلال کلمته فی مراسم الذکرى الثالثة والثلاثین لرحیل الإمام الخمینی التی اقیمت فی الضریح المقدس للإمام قائلا: ( ان الإمام لیس إمام الأمس ، بل هو إمام الیوم والغد ایضا). فالإمام اذن هوالمؤشر والبوصلة ، والإنسان الثوری یجد معناه الحقیقی من فکر الإمام. وإن النسخة النظریة والعملیة التی قدمها الإمام عن الإسلام الأصیل هی الیوم السبیل لإنقاذ الدول الإسلامیة ، وکذلک الأمم المستعمرة المضطهدة ، وکذلک العالم الحدیث البعید عن القیم المعنویة والعقلانیة. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 146 تنزیل PDF: 67 |
||||