یوم القدس العالمی تجسید للموقف الحقیقی للامة | ||||
PDF (938 K) | ||||
بقلم: محمد اسدی موحد (باحث وأستاذ جامعة) شکلت القضیة الفلسطینیة أحد أبرز أولویات واهتمامات الثورة الاسلامیة الایرانیة التی حققت انتصارها التاریخی الکبیر بقیادة الامام الخمینی (قدس سره) فی مطلع عام ١٩٧٩، وکان ذلک واضحاً من خلال مجمل أدبیات الثورة وخطب وکلمات وبیانات الإمام قبل انتصار الثورة وکذلک بعد انتصارها. فقبل الانتصار کان الإمام یقول ویکرر “إننا نقف مع المظلومین، نحن مع کل مظلوم وفی أی بقعة من بقاع العالم، ونظراً لأن الفلسطینیین قد ظلموا من قبل “إسرائیل”، فإننا نقف معهم ونساندهم”... وکان یقول ویکرر “انّ الخطأ الذی ارتکبته الحکومات والشعوب العربیة، هو أنهم أتاحوا الفرصة منذ البدایة لإسرائیل فی الوجود، حیث أنّ المصالح والنوازع الفردیة للحکومات، قد شکلت حائلاً دون وأد إسرائیل فی مراحل وجودها الأولى، وبالتالی سمحوا لها باکتساب القوة اللازمة للمواجهة”. ولعلّ المواقف المبدئیة للثورة الاسلامیة حیال مظلومیة الشعب الفلسطینی خصوصا والشعوب الاخرى على وجه العموم، کانت ومازالت تمثل العامل الرئیسی وراء العداء لها من قبل الکثیر من القوى والاطراف الدولیة والاقلیمیة، الذی تجلى بکل وضوح من خلال الحروب العسکریة والمؤامرات السیاسیة والعقوبات الاقتصادیة والحملات الاعلامیة. وکان المصداق الابرز لمواقف الثورة الاسلامیة فی ایران حیال القضیة الفلسطینیة بعد تحقیق الانتصار هو قطع کافة العلاقات السیاسیة والدبلوماسیة مع الکیان الصهیونی وإلغاء سفارته فی طهران وتحویلها الى سفارة لدولة فلسطین، ناهیک عن اغلاق سفارة الولایات المتحدة الامیرکیة التی مثّلت أکبر مرکز للتجسس والتآمر والتخریب. ولکی تأخذ القضیة الفلسطینیة بعداً عالمیاً على الأصعدة السیاسیة والجماهیریة المختلفة، ولکی یعرف العالم مدى مظلومیة الشعب الفلسطینی ودمویة واجرام الکیان الصهیونی الغاصب ومن یدعمه ویسانده، کان یوم القدس العالمی وهو العنوان والمنطلق لذلک. فالقدس کانت ومازالت، تمثل برمزیتها الدینیة والتاریخیة والمعنویة العنوان الأبرز والاهم فی القضیة الفلسطینیة، لأنها على مدى أکثر من سبعة عقود من الزمن، أی منذ تأسیس دویلة الکیان الصهیونی بدعم ومبارکة القوى الدولیة الکبرى، تعرضت لشتى صنوف الانتهاکات والاعتداءات والتجاوزات التی أرید من ورائها طمس هویة تلک المدینة، وإلصاق هویة أخرى بها مشوّهة وزائفة، تعکس حقیقة الواقع الذی راحت تعمل على تکریسه عصابات العقیدة الصهیونیة المنحرفة بمختلف الأسالیب والوسائل والادوات القمعیة ضد الشعب الفلسطینی المسلم، مستفیدة من تشجیع وإسناد سیاسی وعسکری وإعلامی غیر محدود من الولایات المتحدة الامیرکیة وبریطانیا ودول غربیة أخرى، مضافاً إلیه صمت وخنوع وانهزام من قبل أنظمة وحکومات دول عربیة وإسلامیة عدیدة. ولا شکّ أنّه لم یکن مقبولاً ولا معقولاً أن تتعرض قبلة المسلمین الأولى لسلسلة متواصلة من الانتهاکات والتجاوزات والاعتداءات دون أن یکون هناک رد فعل، أو أنّ رد الفعل لم یکن بمستوى الحدث، ولعلّ هذا ما استشعره مفجّر الثورة الاسلامیة فی ایران ایة الله العظمى الامام الخمینی (قدس سره الشریف) منذ وقت مبکر، حتى أنه أفرد حیزاً کبیراً للقضیة الفلسطینیة ـ کما أشرنا آنفا ـ فی مجمل أطروحاته السیاسیة والفکریة، وأوضح أهمیة ومکانة القدس فی نفوس ومشاعر المسلمین على اختلاف طوائفهم وقومیاتهم ومشاربهم، لیتجلى ذلک الاهتمام بأوضح صورة فی السابع من شهر اب من عام ١٩٧٩، بإعلانه تحدید آخر جمعة من شهر رمضان من کل عام یوماً عالمیاً للقدس، وکان ذلک بعد انتصار الثورة الاسلامیة بستة شهور، حیث کانت التحدیات والمخاطر المحدقة بها من الداخل والخارج کبیرة وکثیرة جداً، علماً انّه بعد تسعة ایام من اعلان انتصار الثورة فی العاشر من شباط-فبرایر، وجّه الامام الراحل امرا بإلغاء سفارة اسرائیل فی طهران وتحویلها الى سفارة لدولة فلسطین. ومنذ ذلک الوقت وحتى الآن، باتت الجمعة الأخیرة من شهر رمضان المبارک معلماً واسعاً وعریضاً لإبراز کل أشکال ومظاهر الانتصار لفلسطین والقدس الشریف. وبلا ریب، إنّ یوم القدس العالمی ینطوی على دلالات ومعان کبرى، من حیث مغزى الاختیار والتوقیت، وکذلک ارتباطاً بصاحب الفکرة والمبادرة.. ولم یکن اختیار الامام الخمینی له، امراً عفویاً حکَمته انفعالات لحظیة أو عواطف وجدانیة عابرة. وقد لا یختلف اثنان فی أنّ الانتصار المدوی للثورة الاسلامیة بزعامة الامام الخمینی (قدس سره) على واحد من أعتى الأنظمة الدیکتاتوریة والاستبدادیة فی منطقة غرب اسیا والعالم، کان ایذاناً ببزوغ عهد جدید یختلف بالکامل عن العهد السابق له، رغم کثرة المؤامرات وفداحة المخاطر والتحدیات. ولعلّ الشعب الفلسطینی الذی ذاق شتّى صنوف المآسی والویلات على ید الکیان الصهیونی الغاصب والقوى الدولیة والاقلیمیة التی لم تکن حقوق الانسان بالنسبة لها سوى شعارات وادعاءات تستغلها لفرض اجنداتها وتمریر مصالحها، لعلّ ذلک الشعب المظلوم استشعر منذ وقت مبکر مایمکن ان تحدثه الثورة الاسلامیة من أثر کبیر فی مسیرة نضاله المشروع من أجل استعادة أرضه وقدسه وعزته وکرامته. وبدلاً من أن یکون النظام الحاکم فی ایران بعد الإطاحة بنظام الشاه، حلیفاً استراتیجیاً للکیان الصهیونی، فإنّه أصبح یمثل خط المواجهة والدفاع الأول، ولأن القضیة الفلسطینیة لا تعنی العرب فحسب، بل تعنی المسلمین على وجه العموم، والانسانیة قاطبة، فإن الامام الخمینی (قدس سره) أراد أن تکون رسالة الدعم والاسناد والنصرة متواصلة لا انقطاع فیها ما دام الاحتلال قائماً ومعه کل مظاهر الظلم والقمع والحیف والاستبداد ومصادرة الحقوق، ویوم القدس العالمی مثّل تلک الرسالة المتواصلة والحیّة، التی أریدَ لها أن تکون عالمیة الأبعاد والمضامین والأهداف.، وباتت کذلک بالفعل، وما المسیرات الملیونیة التی تخرج فی شتى بلدان العالمی الاسلامی وغیر الاسلامی فی کل عام الا دلیل صارخ على عالمیة وشمولیة رسالة یوم القدس العالمی. ومایحتاجه العالم بکامله، لاسیما الشعوب التی ترزح تحت وطأة الظلم والاستبداد-ان یتکاتف ویتازر ویتعاون من اجل تغییر الواقع السیء بسبب انظمة الجور والطغیان وفی مقدمتها الکیان الصهیونی الغاصب لارض فلسطین والمستبیح لحرماتها والمشرد لابنائها. وعلى مدى ما یقرب من اربعة عقود استجاب المسلمون فی مختلف أنحاء العالم لنداء الإمام الخمینی الراحل ( قدس سره) لإحیاء یوم القدس، حیث تشهد الجمعة الأخیرة من شهر رمضان المبارک، فی کل عام تظاهرات حاشدة تهتف للقدس وتدعو الى تحریرها فی مشهد یکرس الوحدة الإسلامیة التی أرادها الامام، وتبقی القدس حاضرة فی عقول المسلمین وفی توجهاتهم، وتطلعهم إلى تحریرها، وهو أیضا ما رمى إلیه الإمام من خلال الدعوة إلى یوم القدس العالمی. وتأکیدا على المکانة التی أرادها الإمام الخمینی الراحل ( قدس سره) لیوم القدس العالمی، فان قائد الثورة الاسلامیة فی ایران آیة الله السید علی الخامنئی، یشدد دوما على إحیاء یوم القدس العالمی، وتکریس معانیه، وقد خاطب المسلمین قائلا: ان من واجب الدول الإسلامیة تقدیم المعونات لهذا الشعب، مؤکدا انه عاجلا أو آجلا ستعود فلسطین إلى الفلسطینیین، مکرسا بذلک ما کان یقوله الإمام الخمینی: حین یتعرض الإسلام والأماکن المقدسة للتهدید بالاعتداء، فلا یمکن لأی فرد مسلم أن یقف موقف المتفرج إزاء ذلک. ان یوم القدس العالمی یجسد معالم الموقف الحقیقی للامة الاسلامیة التی یجب علیها ان تعتبر قضیة القدس والعمل على تحریرها القضیة الاولى والمعرکة الفاصلة فی حیاتها اذا ارادت ان تعیش حرة کریمة. فالقدس ستبقى فی قلب الامة وذاکرتها ووجدانها کما کانت فی الماضی قبلة للصلاة والامل و رمزا لعزها وعنوان کرامتها وعنفوانها. وطبعا تأتی المناسبة هذا العام وفلسطین تشهد ظروفا صعبة وحصارا من قبل الکیان الاسرائیلی الذی یشهد هو بدوره ازمة داخلیة حادة تبشر بإنهیاره من الداخل،ولذلک فان ابناء فلسطین هم الیوم بحاجة اکثر من ای وقت مضى لدعم الامة الاسلامیة لتسریع وتیرة انهیار الکیان الصهیونی واجتثاثه وتحریر کامل الأراضی الفلسطینیة ولاسیما القدس الشریف ، وهذا ما یجعل المناسبة هذا العام ذات اهمیة قصوى، فالامة بلا قدس لا کرامة ولا وجود لها، ولذلک یجب على المسلمین الاهتمام بهذه المناسبة بجمیع الامکانیات المتاحة والتأکید علی ان یوم القدس یجسد الموقف الحقیقی للامة الذی یؤکد علی حتمیة ازالة الکیان الصهیونی الغاصب لکی تعود فلسطین الى احضان ابنائها الحقیقیین. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 142 تنزیل PDF: 64 |
||||