هل اقترب تحریر فلسطین وأصبحت نهایة المشروع الامبریالی فی المنطقة وشیکة؟ | ||||
PDF (3098 K) | ||||
![]() | ||||
د:عدنان نجیب الدین تغییرات عمیقة حدثت فی تکوین المجتمع «الإسرائیلی». فعلى مدى ٧٥ عاماً من قیام دولة الاحتلال الصهیونی لفلسطین، وبعد ان وصل عدد سکان الکیان الغاصب إلى حوالی سبعة ملیون نسمة من الیهود الصهاینة، إضافة إلى حوالی ملیونی عربی فلسطینی یعیشون ضمن ما یُعرف بـ «أراضی ١٩٤٨». وهکذا بدأت إعادة صیاغة القیم السیاسیة داخل الکیان، وکذلک ثارت التوترات المرتبطة بتعریف الدولة. وفی عام ٢٠١٥، ألقى الرئیس الصهیونی رؤوفین ریفلین خطاباً أشار فیه إلى الانقسامات الجدیدة فی المجتمع «الإسرائیلی» وحدّد «أربع قبائل» تؤلف هذا المجتمع. ثلاث قبائل یهودیة: علمانیة، وقومیة دینیة، وأرثوذکسیة متطرفة. والقبیلة الرابعة عربیة تتکوّن من ٨٠٪ مسلمین سنة و ١٠٪ مسیحیین و ١٠٪ دروز. وأعرب الرئیس عن قلقه إزاء التقسیم الثقافی والسیاسی والتعلیمی لهذه الکتل الأربع: «طفل من بیت إیل (مستوطنة دینیة قومیة فی الضفة الغربیة)، وطفل من رهط (بلدة بدویة فی النقب)، وطفل من هرتسلیا (بلدة علمانیة من الطبقة الوسطى العلیا شمال تل أبیب وطفل من بیتار إیلیت (منطقة أرثوذکسیة متشدّدة بالکامل) وهؤلاء یتعلمون وینهلون القیم الأساسیة للشخصیة المرغوبة لـ «دولة إسرائیل» إنما تبعاً لوجهات نظر مختلفة تماماً. وبالنسبة إلى(یدیدیا ستیرن)، الباحثة فی المعهد «الإسرائیلی» للدیمقراطیة، فإنّ هذا الانقسام بین أربع مجموعات یتفاقم ویتعمّق بسبب عدم قدرة کلّ مجموعة على التفکیر فی علاقة سلمیة مع الآخرین. ولا تسعى «القبائل» الیهودیة الثلاث فی «إسرائیل» إلى تسویة مؤقتة بشأن هذه القضایا، وتتلخص العلاقت فی ما بینها فی سلسلة من النزاعات حیث یحاول کلّ منها الحصول على مکاسب فی المجال السیاسی أو القانونی أو الثقافی. وفی ظلّ انتشار منطق المواجهة، تحدّد یدیدیا ستیرن أربع قضایا هیکلیة مثیرة للجدل داخل المجتمع الیهودی «الإسرائیلی» فی ما یتعلق بالعلاقة بین الدین والدولة وهی: یوم السبت، والتجوّل، والتجنید الأرثوذکسی المتطرف، والقوانین التی تحکم الزواج والطلاق. کلّ من هذه المواضیع هو موضوع مواجهات سیاسیة وقانونیة، ویمکن أن یعرّض استقرار الحکومة للخطر، لا سیما بسبب ثقل الأحزاب الدینیة فی الکنیست. وهکذا، فی آذار/ مارس ٢٠١٤، تظاهر مئات الآلاف من الأرثوذکس المتشدّدین فی القدس ضدّ القانون الذی یهدف إلى تمدید التجنید الإجباری. ووفقاً لاستطلاع نُشر فی حزیران ٢٠١٨، تستمرّ غالبیة السکان (٧٠٪) فی دعم تطبیق التجنید الإجباری للشباب من الجماعة الأرثوذکسیة. وتبلغ هذه النسبة ٨٠٪ بین الإسرائیلیین الیهود العلمانیین أو التقلیدیین، مقابل ١١٪ فقط بین الیهود المتدیّنین. أما مسألة إصلاح قوانین الزواج والطلاق فهی قدیمة وما زالت مشکلتها مستمرة. وتعتبر الأحوال الشخصیة من إرث الإمبراطوریة العثمانیة التی سیطرت على هذه المنطقة حتى هزیمتها عام ١٩١٧، خلال الحرب العالمیة الأولى ضدّ الجیوش البریطانیة، حیث کان کلّ مجتمع دینی یحکمه نظام الملل وکان یحتکر السلطة على مجموعته. وکان المسلمون والیهود (على قلة عددهم فی ذلک الزمن) والمسیحیون من کنائس مختلفة یرأسهم زعماء مجتمعیون ودینیون یتمتعون بالسلطة فی مسائل قانون الأحوال الشخصیة، وخاصة الزواج والطلاق. وقد تمّ الحفاظ على هذا النظام فی ظلّ الانتداب البریطانی منذ عشرینیات القرن الماضی، واستمرّ الاحتفاظ به فی الحیاة الصهیونیة منذ عام ١٩٤٨. وبالتالی لا یمکن لأیّ فرد أن یتزوج إلا فی مجتمعه الدینی، ولا یوجد او لا یسمح بالزواج المدنی. یثیر هذا الوضع برأیها، العدید من المعضلات. یجب على الیهود غیر المتدیّنین أو الذین لا یؤمنون بدین أن یمرّوا من خلال حاخام، معترف به من قبل الحاخامیة الأرثوذکسیة الرئیسیة للکیان، لکی یحصلوا على إذن الزواج. بالإضافة إلى ذلک، یضع هذا الوضع الاحتکاری للسلطة الدینیة بعض «الإسرائیلیین» من الاتحاد السوفیاتی السابق، الذین لا تعترف بهم الحاخامیة الإسرائیلیة کیهود، فی وضع معقد للغایة لأنهم لا یستطیعون الزواج خارج هذه المؤسسة. وتلقی هذه التوترات حول دور الدین فی صنع القرار فی السیاسة العامة بثقلها على الاختلافات فی الرأی حول ما یسمّى تسویة الصراع «الإسرائیلی» الفلسطینی، حیث یجادل العدید من الأحزاب السیاسیة الیمینیة فی مسألة الانسحاب من الأراضی الفلسطینیة الخاضعة للسلطة الفلسطینیة والتی یسمّونها «أرض إسرائیل» التوراتیة، وهی الضفة الغربیة والقدس الشرقیة. لأنّ ذلک ینتهک قانون الهلاخا الیهودی. وأثناء الإخلاء الأحادی الجانب للجیش «الإسرائیلی» والمستوطنین قطاع غزة، ثار الجدل الدینی من قبل معارضی الانسحاب، الذین استندوا إلى تفوّق القانون الیهودی على سیادة القانون وقرارات البرلمان. وحدثت خلافات محتدمة حول مجموعة سکانیة وصفت بأنها «هشة» بشکل خاص لأنها لا تنتمی إلى أیّ من القبائل الأربع ألا وهی طائفة «المهاجرون الأفارقة». إذ وصل أکثر من ٦٠ ألف شخص، معظمهم من إریتریا والسودان، إلى فلسطین المحتلة خلال العقد الماضی. ومرّ هؤلاء المهاجرون عبر مصر بعد عبور صحراء سیناء. ویعیش عدد کبیر منهم فی الأحیاء الفقیرة جنوب تل أبیب، حیث وجدوا معارضة قویة لوجودهم من قبل بعض السکان. وفی ربیع ٢٠١٨، نظرت الحکومة فی إجبار بعض هؤلاء اللاجئین على مغادرة الکیان، إلى دول ثالثة مثل أوغندا أو رواندا التی نفت توقیعها على أیّ اتفاق بهذا المعنى. وأدّت المظاهرات الاحتجاجیة على سیاسة الطرد هذه إلى تخلی رئیس الوزراء عن خطة المغادرة القسریة، دون التوصل إلى حلّ دائم لوضع هؤلاء الآلاف من الأشخاص، بمن فیهم الأطفال، وبنفس المنطق، فإنّ مظاهر الارتباط بالهویة الفلسطینیة للمواطنین العرب فی الکیان «الإسرائیلی» (مثل ذکرى النکبة، وتهجیر مئات الآلاف من الفلسطینیین خلال الحرب العربیة ـ «الإسرائیلیة» الأولى ١٩٤٨ ـ ١٩٤٩. ویرکز القانون الأساسی المدعوم من الحکومة بعنوان «إسرائیل، دولة الشعب الیهودی»، والذی ظلّ قید المناقشة منذ عدة سنوات، کلّ هذه التوترات یمکن أن تشکل نقطة تحوّل فی تاریخ ما یُسمّى «الدیمقراطیة الإسرائیلیة». وبما أنه لیس لـ «إسرائیل» دستور، فإنّ القوانین الأساسیة التی تمّ تبنّیها منذ إنشائها لها مکانة خاصة وتعتبر نصوص إجماع ومرجعیة علیا. فقد تمّ تقدیم هذا القانون على أنه یهدف إلى تعزیز الطابع الیهودی للدولة. ویأتی مشروع قانون «إسرائیل ـ دولة الشعب الیهودی» الذی له تداعیات داخلیة وخارجیة. فداخلیاً، یصبح من واجب مُروّجیه الدفاع عن هویة یهودیة فریدة لـ «المجتمع الإسرائیلی»، لکی تصبح اللغة العبریة اللغة الرسمیة الوحیدة. وهذا یلغی کون اللغة العربیة لغة رسمیة أخرى لدولة الکیان. إنّ تعریف «إسرائیل» على أنها «دولة قومیة للشعب الیهودی» یضع حجر الأساس لطلب قُدِّم إلى السلطة الفلسطینیة خلال المفاوضات الأخیرة فی ٢٠١٣ ـ ٢٠١٤ وأوجب على السلطة الفلسطینیة الاعتراف بـ «إسرائیل» کـ «دولة یهودیة». لکی یتخلى الفلسطینیون عن مطالبهم فی أرضهم التاریخیة. ومن أجل ذلک یجب ان یلغى حق العودة للاجئین الفلسطینیین الى دیارهم التی طردوا منها. وبعد مرور أکثر من ربع قرن على اغتیال رئیس الوزراء الإسرائیلی الأسبق اسحاق رابین فی تشرین الثانی (نوفمبر) ١٩٩٥ على ید متطرف یهودی معارض لعملیة «السلام»، فإنّ الصراعات التی تدور فی المجتمع الصهیونی، وعلى الرغم من التعبیر عنها فی إطار «دیمقراطی»، ملیئة بعدم الیقین والقلق المستقبلی بالنسبة لدولة الکیان الغاصب التی استطاعت الحفاظ على وجودها واحتلالها لفلسطین على مرّ العقود الماضیة. لکن ما حدث من تطورات میدانیة على أرض الصراع داخل الکیان المحتلّ وکذلک فی الضفة الغربیة وقطاع غزة بدأ یعطینا مؤشرات على انّ هذا الکیان الغاصب على طریق الزوال وذلک بسبب وجود عدة عوامل : الأول، هو أنّ هذا الکیان لم یعد له الید الطولى فی المنطقة. فبعد انتصاره المدوّی على الجیوش العربیة عام ١٩٦٧، ظنّ العدو أنه أصبح المسیطر والمهیمن على کلّ المنطقة العربیة وان قضیة الشعب الفلسطینی ستنتهی ولن یُکتب لها البقاء، وانّ اللاجئین الفلسطینیین سیتمّ تذویبهم فی المجتمعات والأوطان التی یقیمون فیها، لا سیما أنّ العالم العربی أصبح مسرحاً تستطیع الدولة العبریة اللعب فیه لوحدها وانّ العرب لن تقوم لهم قائمة. الى أن جاءت حرب رمضان ٦ تشرین الأول عام ١٩٧٣ وبدا فیها انّ الجیوش العربیة یمکن ان تلحق الهزیمة بجیش العدو. العامل الثانی، عندما جاءت المقاومة فی لبنان التی نشأت فی أعقاب احتلال العدو لمساحات شاسعة من أرضه، فخاضت معه نوعاً جدیداً من حروب العصابات لم یعتدها، واستندت المقاومة إلى عقیدة إیمانیة صلبة وراسخة، فوجد العدو نفسه عاجزاً عن الاستمرار فی احتلاله للبنان بعد أن أصبحت هذه المقاومة تهدّد وجوده من خلال الضربات القاسیة التی وجهتها لجیشه وبعد أن أصبح جنوده فی حالة خوف وهلع، فاضطر الى الانسحاب ذلیلاً، ولأول مرة ذاق طعم الهزیمة. ومن وقتها تغیّرت المعادلة. فالجیش «الإسرائیلی» لم یعد جیشاً لا یُقهر. وجاءت حرب تموز ٢٠٠٦ لیکتمل مشهد الهزائم التی مُنی بها العدو، وأصبح عنده السؤال الوجودی یفرض نفسه علیه للمرة الأولى. طبعاً ما کان لهذه المقاومة التی بدأت على أیدی القوى الوطنیة والقومیة وتنامت واشتدّ عودها مع قیام الثورة الإسلامیة فی إیران التی کسرت الحلف الذی کان قائماً بین الشاه المخلوع وکیان العدو، وتبنّت القضیة الفلسطینیة وتحریر القدس کأولویة فی سیاسة الدولة الإیرانیة ومجتمعها. وقام حلف المقاومة الممتدّ من غزة إلى لبنان وسوریة والعراق والیمن فإیران لیصبح المارد الذی تخشاه الدولة الصهیونیة وتحسب له ألف حساب. وهذا الحلف هو الذی سینهی وجود هذا الکیان المحتلّ فی المستقبل القریب. العامل الثالث وهو مهمّ جداً، ویتجلى فی بدایة تفکک «المجتمع الإسرائیلی» من الداخل نتیجة الصراعات القائمة بین مکونات هذا المجتمع غیر المتجانس، فالشتات الیهودی الذی جیء به من مختلف أصقاع الأرض إلى فلسطین لیس له هویة واحدة تجمعه ولکلّ فئة طریقة تفکیر مغایرة لأنهم ینتمون إلى مشارب ثقافیة مختلفة، وهناک تمییز بین الیهود الغربیین والیهود الشرقیین. فالیهود الغربیون یستعلون على الیهود الشرقیین ویعتبرونهم دونهم درجة. وهذا الصراع یتمظهر فی مختلف المناصب والمراکز التی یتولّونها، کما فی النظرة السلبیة لبعضهم بسبب الاختلاف فی ممارسة العادات والتقالید. زد على ذلک خطورة ما یجری الیوم داخل هذا الکیان من صراعات بین مکوناته حول مسألة ما یسمّى بإصلاح القضاء وتوجه الحکومة الحالیة لجعله فی قبضتها والهیمنة علیه، وما نشهده من مظاهرات صاخبة تحصل للمرة الأولى فی تاریخ الکیان قد یؤدّی إلى حرب داخلیة حذر منها قادته، بحیث بدأ أصحاب الرسامیل تحویل أموالهم إلى الخارج نتیجة القلق الوجودی الذی یعانونه. والعامل الثالث وهو الأهمّ، هو تصاعد المقاومة وتوهّج الشعلة الوطنیة عند الشعب الفلسطینی الذی یعانی من الحرمان ومن جور الاحتلال، بحیث أصبحت المقاومة وحدها طریق الخلاص بل طریق العیش والحیاة لهذا الشعب المعذب الذی تخلى عنه العالم کما تخلت عنه حتى الأنظمة العربیة باستثناء القلة منها، لکن الدعم الذی یلقاه من الجمهوریة الإسلامیة فی إیران ومن محور المقاومة الذی امتلک الیوم کلّ عناصر القوة، وکذلک من أحرار الأمة العربیة سیجعله یکمل طریق المقاومة ومسیرة التحریر والعودة وتحقیق الحلم بطرد الصهاینة المحتلین من أرضه وقیام دولته الوطنیة الفلسطینیة على کامل فلسطین التاریخیة بما فی ذلک العاصمة الأبدیة لفلسطین وهی القدس الشریف. وسیدفع الصهاینة ثمن جرائمهم التی ارتکبوها بحق فلسطین والشعوب العربیة. وما تصاعد هذه المقاومة الباسلة فی الآونة الأخیرة واتخاذها أشکالاً جدیدة أعجزت العدو عن إخماد جذوتها إلا دلیل ساطع على أهمیة الدور الذی تؤدّیه ومرکزیة هذا الدور فی الصراع مع هذا الکیان، وانّ تحقیق الهدف الأسمّى لعالمنا العربی والإسلامی فی إنهاء الاحتلال الصهیونی لفلسطین وضرب مشروع الامبریالیة الغربیة فی منطقتنا ووضع حدّ له ولهیمنته على شعوب هذه الأمة ووقف نهب خیراتها أصبح الیوم متاحاً ولم یعد بعیداً، بل أصبح أقرب من أیّ وقت مضى، وإنّ غداً لناظره قریب… | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 291 تنزیل PDF: 109 |
||||