الحج وفقاً لتعالیم وافکار قائد الثورة الاسلامیة، المستلهمة من التعالیم الدینیة والقرآنیة، حدث ینبغی ان یکون مدعاة لتکریس وحدة المسلمین، ومکاناً لتقویة روحیة مقارعة الاستکبار .. والبحث عن حلول لمشاکل المسلمین والحدّ من معاناتهم، یجب ان یکون خلال هذا المؤتمر العظیم .. کذلک الحج مکان للاعلان عن التصدی للظلم والتحذیر من مؤامرات الاستکبار، ومرکز للبراءة والنضال ضد الاستکبار.

الثورة الاسلامیة قدّمت للعالم إنموذجاً اصیلاً وراقیاً للاسلام المحمدی الاصیل، حیث بثت الخوف والرعب فی کیان الاستکبار الآیل للسقوط، وهذا ما دفعهم للاصطفاف فی مواجهة ایران. ومن جملة مصادیق هذا النهج الذی یدعو للرقی، الاستفادة من الطاقات التی یختزنها الحج، لتسویة الازمات ومواجهة التحدیات التی تهدد العالم الاسلامی بما فیها فلسطین المحتلة. ومع الاخذ بالاعتبار أن المملکة العربیة السعودیة وفّرت فی السنوات الأخیرة امکانات طیبة وأجواء مناسبة لتواجد الحجاج فی موسم الحج، کما ان امکانیة الاستفادة من أجواء الحج بما یعزز وحدة المسلمین، وتبادل الآراء ووجهات النظر حول مشکلات العالم الاسلامی، بات أفضل من السابق ایضاً.

وفلسطین اهم وابرز قضایا العالم الاسلامی، واحد اکثر العوامل أصالة لتوحّد المسلمین واجتماعهم وتعاضدهم. وبالرجوع الى التاریخ یمکن التعرّف على أسباب خشیة عالم الاستکبار وتخوفه من مؤتمر الحج العظیم. ومن النماذج التاریخیة التی ترشدنا الى التأثیر السیاسی للحج، استقلال اندونیسیا .. ذلک ان الاندونیسیین المقیمین فی السعودیة، حاولوا ـ بعد الحرب العالمیة الثانیة ـ الاستفادة من أجواء الحج وتداعیاته، لتوعیة المسلمین فی اندونیسیا، وقد ادى ذلک الى صحوة المجتمع الاندونیسی وانتفاضته، مما دفع هولندا عام ١٩٤٦ للقبول بنیل اندونیسیا لاستقلالها.

ان فضح الجرائم التی یرتکبها الکیان الاسرائیلی القاتل للاطفال خلال مؤتمر الحج، یعد من المصادیق الأخرى التی دعت لیس المسلمین وحدهم، بل کل احرار العالم ، للاعراب عن دعمهم لفلسطین. وان حصیلة جهاد البیان والتبیین هذا، بلغت حداً ان تطالب شعوب عدیدة مؤخراً ـ کرد فعل على فوز فریق الکیان الصهیونی لکرة القدم تحت سن العشرین ـ تطالب بتحریر فلسطین، ورفع العلم الفلسطینی وتحول ذلک الى ظاهرة عالمیة.

من خلال الاشارة الى الموارد التاریخیة اعلاه، ووجود نماذج تاریخیة مشابهة أخرى لا تحصى، یمکن التعرف على اسباب نفخ عالم الاستکبار فی أبواق فصل الدین عن السیاسة. وما یؤسف له ان البعض، ونتیجة لعدم الوعی، ومواکبة الاعداء، یحاول تردید هذا الشعار الذی یروج له الاستکبار.

ومن ثمار الحج السیاسی، وجوب تبیین مواقف الدول المسلمة لبعضها البعض، اضافة الى الدول الأخرى. وفی الحقیقة اذا کان العالم الاسلامی غیر قادر على الاستفادة من أجواء الحج للتوصل الى تفاهم موحّد بشأن بحث ودراسة قضایا المسلمین والتحدیات التی تواجه العالم الاسلامی، فان ذلک یدل على ان هذا الجانب الهام والنادر من موسم الحج، بقی مهملاً ومغفولاً عنه. فنحن عندما نزعم بان البعد السیاسی للحج عبارة عن نهج متطور وراقی، فاننا نرید بذلک ثمة قضایا محوریة ـ فضلاً عن المشکلات والتحدیات التی تواجه المسلمین ـ ینبغی إثارتها فی مؤتمر الحج الفرید من نوعه، وتبادل الآراء ووجهات النظر بشأنها.

من القضایا المحوریة، لفت الانظار الى الاحداث السیاسیة والاجتماعیة البارزة فی الساحة الایرانیة. ومع الاخذ بالاعتبار تحول ایران الى دولة مؤثرة فی المعادلات الدولیة ومنطقة غرب آسیا، فان کل التحرکات والاحداث السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة الایرانیة یتم رصدها بدقة من قبل الدول الأخرى خاصة اعداء هذه الشجرة الطیبة. وان ملیارات الدولارات تتدفق على وسائل الاعلام المعادیة للثورة، فی محاولة لاستهداف الرأی العام الایرانی بأکاذیبها وافتراءاتها، وتشویش الافکار واشاعة الیأس والاحباط داخل البلاد. وخیر نموذج على اشاعة الاکاذیب، المزاعم الفارغة التی تثار حول مظلومیة المرأة الایرانیة والتضیق على حریاتها، ومحاول استغلال ذلک من قبل الاعداء اللدودین لایران والاسلام.

و نظراً لأننا فی موسم الحج، وأهمیة التعرف على حقیقة الاوضاع السیاسیة والاجتماعیة الایرانیة ـ آخذین بالاعتبار تآمر الاعداء واشاعة الاکاذیب والافتراءات ـ لابد من الاشارة الى ما یلی:

١. ثمة مسؤولیة خطیرة ملقاة على عاتق النخب الایرانیة، تقضی الاستفادة من اجواء الحج للتعریف بالمکاسب والانجازات التی حققتها المرأة الایرانیة بعد انتصار الثورة الاسلامیة.

٢. ضرورة مقارنة الارقام التی تتحدث عن مستویات تعلیم المرأة ما قبل الثورة وما بعدها، والاشارة الى حجم النخب العلمیة من النساء الایرانیات، ومشارکة المرأة الایرانیة المتمیزة فی المحافل العلمیة الدولیة بعد انتصار الثورة.

٣. تقدیم احصاءات واقعیة عن النساء التی تطالب بتطبیق قوانین الحجاب، والتأکید على ان التکتل النسوی الذی یحاول استغلال وسائل الاعلام المغرضة والمأجورة وجعلها بوقاً لمزاعمه، لا یمثل شیئاً ازاء الغالبیة العظمى من النساء الایرانیات، بل هو اقلیة معدودة لا یعبأ بها.

ومن الموارد الأخرى التی أضحت بمثابة احدى حراب الاعداء ضد الجمهوریة الاسلامیة، ومدعاة لإرتفاع صرخة التظلم الواهیة لأعتى ظلمة فی التاریخ، ونشر الاخبار الاکاذیب الملفقة حول اوضاع الاخوة هو أبناء السنة فی ایران.

ولا یخفى ان احد مظاهر الرخاء والامل بالحیاة لدى المجتمعات الانسانیة، یتجلى فی التکاثر والنمو السکانی. وبالقاء نظرة الى تعداد النفوس وتوافر الاسکان فی ایران، یمکن ان ندرک بان تعداد ابناء السنة فی ایران شهد تنامیاً متسارعاً بعد الثورة الاسلامیة، حتى ان تعداد الموظفین من ابناء السنة فی الدوائر الحکومیة تضاعف فی ظل الجمهوریة الاسلامیة بنحو شکل حافزاً للآخرین للعودة الى محافظاتهم التی هجروها والاستقرار فیها .

وفی المیادین الریاضیة تضطلع الاقلیة الدینیة بدور بارز وملفت، ولعل خیر دلیل على ذلک الابطال الوطنیون من ابناء السنة الذین یعتلون منصات التتویج ویحظون بالدعم الکامل من قبل المسؤولین فی الجمهوریة الاسلامیة على الدوام، ویحققون الانتصارات الریاضیة المحلیة والدولیة على حد سواء.

وننتهز الفرصة هنا للاشارة الى بعض الامور التی ینبغی تسلیط الضوء علیها خلال موسم الحج :

١ ـ ان ایران رائدة السلم وفی طلیعة الداعین الى الوحدة الاسلامیة، والجهود التی یبذلها المسؤولون الایرانیون للتقریب بین المذاهب الاسلامیة، بأمس الحاجة الى جهاد التبیان ومحاولة التعریف بها.

٢ ـ الجمهوریة الاسلامیة فی ایران لن تتوانی عن تقدیم الدعم للمظلومین، وان جهودها فی هذا المجال تتخطى حدود البلاد، وما یجدر ذکره هو ان معظم المظلومین الذین حظوا بدعمها وعنایتها کانوا من ابناء السنة.

٣ ـ تأکید الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة ـ بعیداً عن ای توجّه مذهبی ـ على تقویة دول المنطقة وخروج الاجانب من منطقة غرب آسیا. وفی هذا الصدد قدّمت مختلف انواع الدعم الى دول المنطقة.

الموارد التی تمت الاشارة الیها، اضافة الى المشارکة الایرانیة الفعالة الاقتصادیة والثقافیة والسیاسیة مع الدول الاخرى خاصة الدول المسلمة، کذلک دور ایران الواسع والفعال فی ارساء الاستقرار والامن والسلام غرب آسیا، یدل بوضوح على مدى الاهتمام الذی تولیه الجمهوریة الاسلامیة بدعم ومساندة الاقوام والقبائل والاقلیات. إذ تحرص على الدوام بتقویة کافة الطوائف والاقوام، وتفعل ما بوسعها للمحافظة علیها، حتى أن حرصها امتد الى لغاتها القومیة وبلغ حداً أکسب المتحدثین بها شهرة عالمیة بما فیهم الاکراد، اللور، البلوج، والترکمان.

وعلیه وبالاستفادة من اجواء الحج النادرة والفریدة، یمکن الاهتمام بالتوعیة والتنویر الفکری والسیاسی، وتأهیل الشعوب المسلمة للاضطلاع بدورها الاعلامی فی التصدی لکید الاعداء.