الحج الاصولی حج بیان و تبیان | ||||
PDF (610 K) | ||||
عشیة حلول الأیام المعنویة المبارکة للحج، یتوجّه حجاج بیت الله الحرام ـ من کل حدب و صوب ـ الى ارض الوحی .. وشریعة الحج طقوس عبادیة قام بأدائها عدید من الانبیاء قبل الاسلام .. حتى المشرکین فی مکة کانوا یؤدون الحج والطواف حول الکعبة قبل الاسلام، و کانت لدیهم تقالیدهم الخاصة بهم، التی رفض الاسلام بعضها ولم یقرها..
کما حاول المفکرون الاسلامیون، تفسیر و تبیین فلسفة تشریع الحج بالإستلهام من آی الذکر الحکیم و السنة النبویة الشریفة. ولاشک فی أن “ بلوغ حقیقة التوحید ونفی الشرک “، یعد احد ابرز دوافع تشریع الحج الابراهیمی .. وعلاوة على الجانب العبادی، أولى الحج ـ منذ عصر الرسول الاکرم(ص) ـ اهمیة للجانب السیاسی، خاصة بالنسبة للحکومة الاسلامیة حدیثة التأسیس. وان الدورالذی اضطلعت به مکة و المدینة بنشر اخبار المسلمین الهامة فی صدر الاسلام، کان قد جعل من الحج بؤرة سیاسیة.
لدى التأمل فی هذا البعد من ابعاد الحج، نواجه عبارات تعد بمثابة مداخیل رئیسة لذلک، مثل: “ضرورة الاحاطة بأمور المسلمین”، “أهمیة التعرف على الاعداء و البراءة منهم”، “ضرورة تبیین حقائق المجتمعات الاسلامیة”. و فی کلمة واحدة یمکن التعبیرعن کل ذلک بـ “حج البیان و التبیان”. وفی ضوء هذا التوجّه، الحج فی ابعاده أوسع نطاقاً من مجرد فریضة عبادیة. خاصة اذا ما حاولنا التعرف على حقیقة “حج البیان و التبیان”، والمعانی التی یختزنها و المصادیق التی یتجلى فیها.
وفی هذا الصدد ثمة ملاحظات لابد من الالتفات الیها:
نص القرآن الکریم فی الآیة ٢٨ من سورة الحج هو “وأذن فی الناس بالحج ... لیشهدوا منافع لهم”. و کلمة (منافع ) فی الآیة بصیغة الجمع، و هی عبارة عن مفهوم عام یشتمل على المنافع الدنیویة والآخرویة. و فی ضوء مفهوم الآیة، الحج مکان لإجتماع المسلمین و التباحث فی شؤونهم، و مشاهدة منافعهم المادیة و المعنویة.
الامام الخمینی (قده) یشیر فی بعض خطاباته الى فلسفة الحج موضحاً: “البعد السیاسی لهذا الاجتماع هو، أولاً ـ ان یطّلع حجاج بیت الله على احوال بعضهم و ان یتعارفوا و یتواددوا. اضافة الى تدارس قضایا بلدانهم و البحث عن حلول لمشاکلهم .. فلو حرصنا على تجسید مفهوم الحج بالمعنى الذی تقتضیه روح الحج، لما واجه المسلمون الکثیر مما یواجهونه الیوم”.
الملاحظة الثانیة، تتعلق بمسؤولیة الحجاج الایرانیین فی تبیان حقائق الجمهوریة الاسلامیة، و استعراض شخصیة الایرانی الحقیقی الذی ینتسب الى الثورة .. و لهذا ینبغی للایرانیین المتواجدین فی موسم الحج، ان یکونوا مثالاً ونموذجاً یلیق بالشعب الایرانی .. و الحج من هذه الناحیة بمثابة فرصة لتبیان حقائق ایران الاسلام و مکاسب و انجازات الثورة الاسلامیة. و فی هذا الصدد یقول الامام الخمینی (ره) مخاطباً الحجاج الایرانیین: “ انکم تحملون رسالة شعب انقذ بثورته بلد کان یتجه الى إلغاء انتمائه للشرق، و الایغال فی التغرب والانغماس فی الالحاد و الفساد و الفحشاء؛ و اقام حکومة اسلامیة لتحل محل الحکومة الطاغوتیة .. انکم تمثلون شعب استطاعت ثورته الاسلامیة ـ على الرغم من حداثتها، والمصاعب و التحدیات التی نتجت عن مواجهة القوتین العظمتین، و معادات المعسکرین الشرقی و الغربی لها، و الدمار الذی ألحقه بها الارهابیون التابعون لمعسکر الظالمین ـ استطاع هذا الشعب فقط و فقط ببرکة الاسلام و هداه، و مقاومة الشعب، استطاع ان یحرک الدول الاسلامیة فی شرق الارض و غربها، وان یستحوذ على اهتمام المظلومین فی العالم و یستقطبهم الى الاسلام “.
الملاحظة الاخیرة تتعلق بـ “ وحدة الکلمة “، والفرصة التی یتیحها الحج لتجسید التآخی و توحید الامة الاسلامیة، واحباط المخططات التآمریة لأعداء الاسلام. وفی هذا الخصوص یقول الامام الخمینی: یا ایها المسلمون ! و یا اتباع مدرسة التوحید ! ان السرّ الذی یقف وراء معاناة الدول الاسلامیة یکمن فی اختلاف الکلمة وغیاب التضامن. کما أن سرّ النصر یکمن فی وحدة الکلمة وفی التضامن “.
ما نأمله و نتوقعه هو ان یقوم الحجاج الایرانیون وغیر الایرانیین، بوحی من التحلی بالحکمة والتدبیر، والادراک السلیم للظروف الزمانیة والمکانیة، بلفت انظار العالم الى اقتدار و اتحاد “ الامة الاسلامیة “ الذی یتجلى بشکل حی فی ارض الوحی. اضافة الى ترجمة “النهج الایمانی و نمط الحیاة الاسلامیة”، واستعراض صورة المجتمع الاسلامی بما یلیق به. و مما لاشک فیه ان مثل هذه الرسالة هی أشبه بالماء الذی یسکب على نار “الرهاب من الاسلام” على صعید العالم و المنطقة، و مدعاة لبیان و تبیان جوهر رحمانیة الاسلام العزیز.
| ||||
الإحصائيات مشاهدة: 224 تنزیل PDF: 102 |
||||