الشهید سلیمانی: الإبداع فی صناعة الأبطال فی مجابهة الإستکبار العالمی واسترداد الکرامة وإفشال مشاریع الهیمنة والسیطرة | ||||
PDF (1346 K) | ||||
لا یمثل الشهید الحاج قاسم سلیمانی مجرد خطاب وواجهة منبریة للمقاومة وإنما هو تجربة مقاومة غنیة وثریة متحرکة على الأرض تتوافر فیها کل مقومات ورکائز الإبداع، فقد أقام الشهید بنیاناً راسخاً وصرحاً عملاقاً للمقاومة یمشی بعزة وشموخ على الأرض، ماثلاً یمکن مشاهدة وقراءة تفاصیله بوضوح، ولذلک فإن تأثیراته ما تزال ترسم توازنات مهمة فی المنطقة والساحة الدولیة، وتتجاوز إلى حد بعید ما یمکن أن یتم الحدیث حوله من نظریات حول المقاومة وما یتصل بها من محاور وموضوعات والتی ترتکز أساساً على ثقافة التحدی فی مواجهة الظلم والإستکبار، والإیمان والثقة بالقدرات والموارد الذاتیة على الانتصار علیها وردعها بثقة عالیة بالذات وبالقیم العالیة التی تقوم علیها فلسفة المقاومة التی أرسى رکائزها الفکریة الإمام الراحل الخمینی ”رضوان الله تعالى علیه“، وأسس لها کنهج وخیار للتغییر والإصلاح فی المجتمع الإسلامی. وتعتبر فکر وثقافة المقاومة الرکیزة الأساسیة فی فکر الإمام الراحل العظیم ”رضوان الله تعالى علیه“ والذی کان مشحوناً بما یکفی من الثقة والقناعة بأن المقاومة هی السبیل الوحید لقطع دابر الاستکبار والهیمنة. والشهید سلیمانی ”رضوان الله تعالى علیه“ هو أحد خریجی هذه المدرسة الرسالیة الکبرى وأحد القادة الکبار الذی أخذ على عاتقه ترجمة کل تطلعات وطموحات الإمام ”رحمه الله“ على أرض الواقع وأوجد للمقاومة بنیاناً وصرحاً قائماً یضخ فی الأمة روح وعنفوان المجد والکرامة وتعزیز الإیمان والثقة بکفایة القدرات والموارد الذاتیة على تحقیق النصر على قوى الهیمنة والسیطرة والاستغلال والاحتلال. لقد إنتصرت الثورة الإسلامیة فی ایران بفکر وثقافة المقاومة، کخیار استراتیجی للدفاع عن الکرامة وحمایة وصیانة مقدرات الأمة وسیادتها، واهتمت الثورة المنتصرة بنفس القدر بسائر العلوم الإنسانیة والمهنیة کالاجتماع والإقتصاد والسیاسة والهندسة والکیمیاء والفیزیاء والریاضیات وغیرها من العلوم، ولکن بقناعة إن جمیع العلوم رغم أهمیتها الکبیرة إلا إنها من غیر أن تتوفر لها الحمایة اللازمة فلا قیمة لها، ولا یمکن أن تحقق کل هذه العلوم المدنیة والإنسانیة للأمة أی إنجاز یذکر، فی حالات الضعف والعجز والهزیمة. فلا یمکن أن یتحقق من إنجازات على المستویات المدنیة والاجتماعیة والسیاسیة إلا إذا توافرت لدى الأمة أسباب القوة التی تدافع وتحمی عن وجودها وتعمل على صیانة مقدراتها من العبث والاعتداء، ولذلک کانت المقاومة فی فکر الثورة هی المشروع الأساسی للدفاع عن الکرامة وحمایة السیادة والتی یمکن من خلالهما الإنطلاق إلى برامج التنمیة المتنوعة والمتعددة لتحقق أفضل الإنجازات وأوسعها. وهذا ما نلاحظ بأن الثورة الإسلامیة قد حققتها وما تزال حتى هذه اللحظة. إن الأمة التی تفقد بفعل الهیمنة والسیطرة علیها من قبل قوى الاستکبار کرامتها وسیادتها فإن أیة علوم غیر علم وفن المقاومة لن یجعلها قادرة للدفاع عن الکرامة ولا السیادة وإنما ستظل عاجزة حتى من الاستفادة من مخرجات تلک العلوم بما یسهم فی إحداث نهضة حقیقیة وواقعیة تتصدر من خلالها قائمة الإبداع بین الأمم. وهکذا فإن المقاومة هی الحصن الحصین الذی یمکن من خلالها حمایة المنجزات والمکتسبات التی تحققها الأمة خلال نهضتها للتقدّم والرّیادة، ویمکننا الجزم بأن الأمة بدون فکر وثقافة المقاومة لا قیمة لأی شیء فیها خاصة مع حدوث العجز وغیاب المقاومة کنهج ووسیلة للدفاع عن الکرامة وحفظ السیادة وحمایة المکتسبات. إن الاستکبار العالمی وبغیة إحکام السیطرة والهیمنة على الأمة ومقدراتها یتبع العدید من الوسائل لکسر إرادة الأمة وتحطیم کل ما یمکن أن یبقى لدیها من روح متطلعة نحو الاستقلال والعزة والحریة والکرامة، وبما یسهل علیه مسألة السیطرة والتحکم فی مقدراتها، فإنه یلجأ إلى إضعاف الأمة بشتى الوسائل، ونشیر هنا إلى بعض من أهم هذه الوسائل والتی على رأسها إشعال الحروب والنزاعات على الساحة الدولیة، بغرض السیطرة المطلقة على مقدرات الأمور أو بغرض الإنهاک والاستنزاف حتى تتم عملیة الخضوع لإرادته. کما یستفید الاستکبار ثانیاً من زرع الأنظمة العمیلة والمأجورة التی تقوم بمهمة شرطی الحراسة على النظام الاجتماعی وتصبح الدولة مخترقة بالکامل وخاضعة للسیطرة والتحکم بشکل مطلق للاستکبار ویکون من هم فی السلطة مجرد أدوات تنفیذیة لمخططات الدول الإستکباریة. کما تلجأ دول الاستکبار فی حال عجزها عن إحکام السیطرة على الشعوب من خلال اشعال الحروب والمواجهات الساخنة إلى الحروب الناعمة والتی تهدف إلی خلق التشکیک بکل ما هو قائم ومستقر فی المجتمع. کما تلجأ فی معظم الأحایین إلى إستخدام سلاح الفتن کالطائفیة والعنصریة والإثنیة لتمزیق المجتمع ومحاولة الدخول بین الأطراف المتصارعة کقوى مناصرة لطرف دون بقیة الأطراف بغیة الإمعان فی الإستنزاف والتدمیر أو کأطراف بیدها الحلول السحریة لإنهاء الصراعات البینیة فی المجتمع الواحد. لقد فطنت المقاومة التی أقام بنیانها الشهید الحاج قاسم سلیمانی إلى جل ألاعیب دول الاستکبار العالمی وقام بالترکیز على مجابهته بصورة مباشرة مع الانتباه الجید بعدم الوقوع فی أی من مصائد الاستکبار لحرف بوصلة المقاومة من مکانها الصحیح. وبذلک نجح الشهید سلیمانی فی إفشال کل مخططات الدول الإستکباریة للسیطرة والهیمنة على عدد من بلدان المنطقة، کما فشلوا هم فی حرف بوصلة المقاومة عن مسارها وموقع تمرکزها کرأس حربة فی مجابهة مشاریع السیطرة والهیمنة. فی تقدیرنا بأن الشهید سلیمانی ”رضوان الله تعالى علیه“ لم یرى فی الدبلوماسیة والعلاقات الدولیة الا واحدة من أدوات ووسائل سیطرة الدول الاستکباریة وهیمنتها على العالم. ولذلک کان جهده ینصب فی مشروع ”التصدی والمقاومة“ أمام مشاریع الهیمنة وخیاراتها للسیطرة والتحکم، وجعل الدبلوماسیة والعلاقات الدولیة تخدم هذا المشروع، بأن تقوم بحمایته والدفاع عنه کقیمة أصیلة یجب أن تتمتع بها کافة شعوب الأرض للدفاع عن کرامتها وسیادتها ضد مشاریع الإحتلال والهیمنة والسیطرة للقوى الأجنبیة. وهکذا کان الشهید الحاج سلیمانی مشروعاً رسالیاً ضخماً ومتکاملاً فی مواجهة کل مشاریع وادوات الهیمنة والسیطرة، ولعل من أبرز إنجازاته بالإضافة إلى ترجمة فکر وثقافة التصدی والمقاومة إلى مشروع متحرک وفاعل على الأرض هو إفشاله لمشروع الاستکبار العالمی المعروف بالشرق الأوسط الجدید الذی کان یستهدف السیطرة والهیمنة الکاملة والمطلقة على شعوب العالم الإسلامی والتحکم فی مقدراته وموارده وثرواته، ولذلک لم یجد هذا الإستکبار خیاراً سوى تصفیته جسدیاً کمحاولة ظنوا من خلالها أنهم یستطیعون إنهاء وجود مشروعه الاستراتیجی الذی یقوم أساساً على رکیزة التصدی والمقاومة لکل مشاریع الهیمنة والإستغلال والسیطرة. وبوسعنا القول الیوم بأن واحدة من أهم إنجازات الشهید سلیمانی هو أنه أسقط بمقاومته وشهادته الحمراء کل قناع کان یتستر به الغرب کالمجتمع الدولی والعلاقات الدبلوماسیة وکشف إنما هما جزء أساسی من أدوات ووسائل الهیمنة والسیطرة على العالم والتی رأى واجب الصمود والثبات من أجل مقاومتها ومجابهتها کقوى تمثل الشر التى ترید السیطرة والهیمنة على بلداننا والتحکم فی مقدراتها وثرواتها. وفی هذا السیاق لم یقتصر دور الشهید الحاج قاسم سلیمانی عند تحقیق الإنجازات العسکریة العملاقة سواء فی حرب الثمان سنوات المفروضة على الجمهوریة الإسلامیة أو فی القضاء على داعش وأخواتها فی العراق وسوریا، والذی مثل صدمة قاسیة غیر متوقعة فی حسابات وتقدیرات الغرب بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة، وسقوط مشروع الشرق الأوسط الجدید الذى وظفوا له الأمکانات الضخمة والهائلة، فقد ربى الشهید الحاج قاسم سلیمانی خلال فترة تمتد إلى أربعة عقود من الزمن جیلاً ذهبیاً من المقاومین الشرفاء وفی دول عدة تقع علیهم الیوم کل آمال وتطلعات الأمة فی التحریر والتخلص من هیمنة الاستکبار وقوى الظلام فی معظم بلادنا الإسلامیة المترامیة الأطراف. وأبدع فی إیجاد تحدی عملاق أمام قوى الاستکبار العالمی بحیث لا یمکن تجاوزه بمثل ما کان یحدث قبل زهاء العقدین أو الثلاثة عقود من الزمن، فعلیهم أن یتجاوزوا هذه المرة مجامیع ”المقاومین“ الذین تربوا وتخرجوا من مدرسته ویحملون على أکتافهم روح التصدی والمقاومة من أجل عزة وسیادة وکرامة الأمة. فی هذه الثقافة القائمة الیوم فی أکثر من بقعة من بلادنا الإسلامیة لا توجد علاقة طبیعیة بین الجبهة التی تمثل عنوان المقاومة والدفاع عن العزة والکرامة والسیادة والجبهة التی تمثل قوى السیطرة والهیمنة والنفوذ فی العالم. فهناک طرف یرید بما یمتلکه من أسباب القوة أن یفرض سیطرته ونفوذه وتحکمه بمقدرات الأمور فی بلداننا کأمر واقع، وهناک من ینطلق تحت قیم أخلاقیة رفیعة متصلة بضرورة وواجب الدفاع عن المقدّسات والأوطان وحفظ السیادة والکرامة، وشتان ما بین الإثنین. وفی تقدیرنا بأن الشهید سلیمانی ”رحمه الله“ فی سیرته الجهادیة أکد بأنه لا ینبغی أن تکون هناک علاقة مع قوى الإستکبار والهیمنة بأی صیغة کانت الا على أساس حفظ الکرامة والسیادة الکاملة غیر المنقوصة. وهذا ما نلاحظه الیوم بوضوح وإن ما تقوم به قوى المقاومة من عمل جبار وکبیر فی مقاومة قوى الإحتلال فی منطقتنا یعکس تماماً رؤیة عمیقة ترتکز على ضرورة إحترام المجتمعات البشریة وحفظ کرامتها وسیادتها، وهی ترفض بفکر وفعل مقاومته أی شکل من أشکال الهیمنة والسیطرة والاحتلال تحت أی منطق ومبرر کان، وهناک الآلاف من خریجی مدرسة الشهید الحاج قاسم سلیمانی من هم مرابطون الیوم على الثغور دفاعاً عن ناموس الأمة وشرفها وکرامتها وسیادتها. ولذلک یمکننا القول وبثقة تامة بأن ما قام به الشهید سلیمانی ”رضوان الله تعالى علیه“ هو الإبداع فی خلق المقاومة وإیجاده مشروع فاعل متحرک على الأرض، وکذلک الإبداع فی ترسیخ فکر وثقافة المقاومة للدفاع عن الکرامة والسیادة وحفظ الأمة ومقدراتها ومواردها، والإبداع ثالثاً فی خلق جیل ذهبی من الرسالیین المقاومین لکل مشاریع الهیمنة والاستسلام، والمنتشرون الیوم على رقعة واسعة من خارطة عالمنا الإسلامی. وها هی قوى المقاومة التی بناها وأرسى دعائمها تقف الیوم بشموخ وإقتدار وراء الدفاع عن السیادة والکرامة فی أکثر من موقع، ووراء تعزیز فکر وثقافة حفظ الکرامة والسیادة، وهی ذات الثقافة التی تنهض بالأمة من أجل الحفاظ على الأوطان ومقدراتها، وبشجاعة مجابهة قوى الشر التى ترید الهیمنة والسیطرة والاستغلال البشع للموارد والمقدرات. وأصبح الشهید سلیمانی مدرسة عملاقة فی سماء المقاومة ینهل منها الأحرار الشرفاء وطلاب الحریة والعدالة والکرامة من جمیع إنحاء العالم. فی تقدیرنا بأن الشهید سلیمانی ”رضوان الله تعالى علیه“ لم یرى فی الدبلوماسیة والعلاقات الدولیة الا واحدة من أدوات ووسائل سیطرة الدول الاستکباریة وهیمنتها على العالم. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 210 تنزیل PDF: 71 |
||||