الآداب المعنویة للحج | ||||
PDF (1667 K) | ||||
فریضة الحج کسائر الفرائض لها ظاهرٌ ولها باطنٌ ، وما لم یؤدّی المکلّف الظاهر بشکلٍ صحیحٍ فما له فی الباطن من نصیب. فینبغی أن یطبّق المکلّف أحکام الحج الظاهریة بکلّ دقّة لیتمکّن من تحقیق آدابه المعنویة ویحصّل آثار الحج العظیمة. فی روایة طویلة معروفة نتعلّم من الإمام علی بن الحسین زین العابدین (علیه السلام) الآداب المعنویة للحج، ومنها: ١ ـ أدب المیقات وارتداء ثوب الإحرام والغسل قال الإمام السجاد لأحد أصحابه الشبلی: “حججت یا شبلی؟”. قال: نعم، یا ابن رسول الله. فقال علیه السلام: “أَنَزلْتَ المیقات وتجرّدت عن مخیط الثیاب واغتسلت؟ “. قال: نعم. قال علیه السلام: “ فحین نزلت المیقات نویت أنّک خلعت ثوب المعصیة، ولبست ثوب الطاعة؟ “ . قال: لا. قال علیه السلام: “فحین تجرّدت عن مخیط ثیابک نویت أنّک تجرّدت من الریاء والنفاق والدخول فی الشبهات؟ “ قال: لا. قال علیه السلام: “ فحین اغتسلت نویت أنّک اغتسلت من الخطایا والذنوب؟ “. قال: لا. قال علیه السلام: “فما نزلت المیقات، ولا تجرّدت عن مخیط الثیاب، ولا اغتسلت!”. إذاً، فإن على الحاج أن ینوی الخروج من الذنوب والمعاصی، والتوبة إلى الله تعالى عند وروده إلى المیقات ، حیث أولى محطات السفر إلى الله، فیغتسل بماء التوبة النصوح، إذ یرمز غسل الإحرام إلى أن الإنسان یغسل نفسه من الذنوب والقبائح بتوبة خالصة، ویرجع إلى ربّه بنیة صادقة، وجوارح وجوانح طاهرة، فإن الطهارة الظاهریّة مقدّمة للطهارة الباطنیّة. وقد ورد عن الإمام الصادق علیه السلام فی هذا المورد: “اغْسِلْ بماء التّوبةِ الخالصةِ ذُنوبَک”. ٢ ـ أدب الإحرام وعقد نیة الحج وبالعودة إلى الروایة الطویلة عن الحج وآدابه المعروفة بروایة الشبلی قال الإمام السجاد علیه السلام: “تنظّفت وأحرمت وعقدت بالحج؟”. قال: نعم. قال علیه السلام: “فحین تنظّفت وأحرمت وعقدت الحجّ، نویت أنّک تنظّفت بنور التوبة الخالصة لله تعالى؟” قال: لا. قال علیه السلام: “فحین أحرمت نویت أنّک حرّمت على نفسک کلّ محرّم حرّمه الله عزّ وجلّ؟” قال: لا. قال علیه السلام: “فحین عقدت الحجّ نویت أنّک قد حللت کلّ عقد لغیر الله؟” قال: لا. قال علیه السلام له: “ما تنظّفت ولا أحرمت ولا عقدت الحج”. فأدب الحاج عند الإحرام أن یؤکد التزامه بالتوبة إلى الله تعالى ، وأن یتعهّد بترک جمیع المحرّمات التی حرمها تعالى التزاماً بشرعه الأنور. وأدبه عند عقد نیة الحج أن یخرج من کل عقد أو ولایة إلا ولایة الله تعالى والبراءة من کل شرک. وفی هذا المورد یقول الإمام الصادق علیه السلام: “وأحْرِم من کُلِّ شیءٍ یَمْنَعُک عن ذِکر الله تعالى ویَحْجُبُک عن طاعتِه”. ٣ ـ أدب دخول المیقات والتلبیة قال الإمام السجاد علیه السلام للشبلی: “أدخلت المیقات وصلّیت رکعتی الإحرام ولبّیت؟” قال: نعم. قال علیه السلام: “فحین دخلت المیقات نویت أنّک بنیّة الزیارة؟” قال: لا. قال علیه السلام: “...فحین لبّیت نویت أنک نطقت لله سبحانه بکلّ طاعة، وصمتّ عن کلّ معصیة؟” قال: لا. قال علیه السلام له: “ما دخلت المیقات...ولا لبّیت!”. فالحج هو سفر إلى الله، وقصد بیت الله هو بغرض زیارته، ولیس للحاج هدف آخر وعلیه منذ دخول المیقات والإحرام أن یستحضر هذا الهدف ولا یغفل عنه البتة. وحین یهتف الحاج بالتلبیة “لبیک اللهم لبیک” علیه أن یعلن خضوعه وإذعانه لله تعالى وحده فی کل شؤونه، وفی هذا المورد یقول الإمام الصادق علیه السلام: “ولَبِّ بمَعنى إجابةٍ صافیةٍ خَالصةٍ زاکیةٍ للهِ عزّ وجلّ فی دَعوتک مُتَمَسِّکاً بالعُروة الوثقى”. ٤ ـ أدب الطواف والسعی ومما قاله الإمام السجاد علیه السلام للشبلی: “طفت بالبیت ومسست الأرکان وسعیت؟” قال: نعم. قال علیه السلام: “فحین سعیت نویت أنّک هربت إلى الله، وعرف منک ذلک علاّم الغیوب؟” قال: لا. قال علیه السلام: “فما طفت بالبیت ولا مسست الأرکان ولا سعیت!”. قال علیه السلام له: “أسعیت بین الصفا والمروة، ومشیت وتردّدت بینهما؟” قال: نعم. قال علیه السلام له: “نویت أنّک بین الرجاء والخوف؟” قال: لا. قال علیه السلام: “فما سعیت ولا مشیت، ولا تردّدت بین الصفا والمروة!”. فالحاج عندما یطوف حول الکعبة المشرّفة سبعة أشواط فی حرکة دؤوبة ، فکأنما یهرب من نفسه ویلوذ بصاحب البیت، فأدب الطواف أن یعقد العزم على الخروج من بیت نفسه والهروب منها وإعلام صاحب البیت بنیته، عسى أن یخلصه برحمته من هوى النفس، فإن: “أعدى أعدائک نفسک التی بین جنبیک”. کما علیه أن یتمثّل بملائکة الله فی تعظیم رب العرش العظیم: یقول الإمام الصادق علیه السلام: “وطُفْ بقلبِک مع الملائکة حولَ العرش کطَوافک مع المسلمین بنَفسک حولَ البیت. ودُرْ حولَ البیتِ مُتَحقِّقاً لتعظیمِ صاحبِه ومعرفةِ جلالِه وسُلطانِه”. وأما أدب السعی بین الصفا والمروة فهو أن لا یخرج الحاج عن أمرین: رجاء رحمة الله وخوف عدله ونقمته. فإن قلب المؤمن لا یزال یتردد بین الخوف والرجاء، فهو لا یأمن عقوبته وفی الوقت عینه لا ییأس من رحمته. وقد ورد فی الحدیث: إنّ الشیطان أراد أن یهجم على نبی الله إبراهیم فهرول منه فارّاً کی لا یلتقی به، فکانت الهرولة سنّة للطائفین لیفرّوا من الشیاطین من الجنّ والإنس، ویحذرونهم فی إغوائهم وتسویلاتهم وخُططهم. وفی هذا المورد یقول إمامنا الصادق علیه السلام: “وهرول هرولة فرا من هواک وتبرأً من جمیع حولک وقوتک” . ٥ ـ آداب الوقوف بعرفة وقال الإمام السجاد علیه السلام للشبلی: “هل عرفت بموقفک بعرفة معرفة الله سبحانه أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحیفتک واطّلاعه على سریرتک وقلبک؟” قال: لا. قال علیه السلام: “فما وقفت بعرفة...”. وقد ورد عن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم): “الحج عرفة”. کما نجد إشارات متعددة فی الروایات لبیان أهمیة الموقف فی عرفة، وتُشیر إلى أنّ عرفة سُمِّیت بهذا الاسم، لأنّ آدم علیه السلام اعترف فیها بذنبه. فأدب عرفة أن یعلم أن الله هو العلیم المطّلع على السرّ وأخفى، لا یعزب عن علمه مثقال ذرة فی السموات أو الأرض، وهو مطّلع على ظاهر الحاج وسریرته، فأین المهرب من علّام الغیوب؟! وقد قیل: إنّ من أعظم الذّنوب أن یحضر عرفات ویظنّ أنّ اللَّه لم یغفر له، ولذا یقول إمامنا الصادق علیه السلام: “واعتَرِفْ بالخطایا بعَرَفات وجَدِّدْ عهدَک عندَ الله تعالى بوحدانیَّتِه”. ٦ ـ آداب منى ورمی الجمار وحلق الرأس ونحر الهدی وممّا قاله علیه السلام للشبلی: “فنویت عندما وصلت منى ورمیت الجمار أنّک بلغت إلى مطلبک، وقد قضى ربّک لک کلّ حاجتک؟” قال: لا. قال علیه السلام: “فعندما رمیت الجمار نویت أنّک رمیت عدوّک إبلیس وغضبته بتمام حجّک النفیس؟ قال: لا. قالعلیه السلام: “فعندما حلقت رأسک نویت أنّک تطهّرت من الأدناس ومن تبعة بنی آدم، وخرجت من الذنوب کما ولدتک اُمّک؟” قال: لا. قال علیه السلام: “فعندما ذبحت هدیک نویت أنّک ذبحت حنجرة الطمع بما تمسّکت به من حقیقة الورع، وأنک اتّبعت سنّة إبراهیم علیه السلام بذبح ولده وثمرة فؤاده وریحان قلبه، وأحییت سنّته لمن بعده، وقرّبه إلى الله تعالى لمن خلقه؟” قال: لا. قال له الإمام زین العابدین علیه السلام: “فما وصلت منى، ولا رمیت الجمار، ولا حلقت رأسک، ولا أدّیت نسکک،...ولا تقرّبت، ارجع فإنّک لم تحجّ!”. فطفق الشبلی یبکی على ما فرّطه فی حجّه، وما زال یتعلّم حتّى حجّ من قابل بمعرفة ویقین. وأدب المکوث بمنى أن یثق الحاج بأن الله تعالى قد أجابه فی دعائه وأعطاه مناه، فلیس من عادة الکریم أن یعد بالإجابة ثم یخلف وعده، ومما وُعد به هو غفران ذنوب الحاج فی عرفات، فعلى الحاج أن یستحضر کرم الله وإجابته ولطفه وأن لا یغفل عن حضوره تعالى فی کل شؤونه، وعلیه أن یلتزم بآداب الدعاء طالما أنه یثق بأن الله مجیبه فلا یطلب إلا ما یحلّ له، فعن الإمام الصادق علیه السلام: “واخْرُجْ مِنْ غَفْلتِک وزَلّاتِکَ بخُروجِک إلى مِنى. ولا تَتَمَنّ ما لا یَحِلُّ لکَ ولا تَسْتَحِقُّه”. وبرمی الجمرات ینوی الحاج أنه یرمی عدوّه إبلیس ومواریث إبلیس من حب النفس والأنانیة والعجب والکبر، یقول الإمام الصادق علیه السلام: “وارمِ الشّهواتِ والخَساسةَ والدّناءةَ والذّمیمةَ عندَ رَمْی الجَمَراتِ”. أما أدب ذبح الهدی فهو ذبح النفس الأمّارة وترک الهوى والطمع واتّباع سنّة نبی الله ابراهیمعلیه السلام، وأدب حلق الشعر هو عزم نیّة التخلّص من کل دنسٍ وعیبٍ ظاهر أو باطن، وفی هذا المورد یقول الإمام الصادق علیه السلام: “واذبح حنجرَة الهوى والطّمع عنک عند الذّبیحة”. وفی حلق الشعر قال علیه السلام: “واحلق العیوب الظّاهرَة والباطنة بحلق شعرک”. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 88 تنزیل PDF: 21 |
||||