حج البراءة، الفریضة الحاضرة الغائبة | ||||
PDF (2247 K) | ||||
الحج لغةً واصطلاحاً الحج فی اللغة یعنی القصد، أو القصد للزیارة. قال الخلیل: هو کثرة القصد، وسمّیت الطریق محجّةً لکثرة التردّد. وسمّی الحاج بذلک: لأنه یتکرر للبیت لطواف القدوم، والإفاضة، والوداع. وفی المصطلح الإسلامی هو الشعیرة السنویة التی تتمثّل فی قصد المسلم مکّة المکرمة فی وقت محدّد، لیطوف حول الکعبة ویقیم فی میدان عرفات ویأتی أعمالاً أخرى معروفة بمراسم أو شعائر الحج. قال الله تعالى فی کتابه الکریم: ﴿ وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوکَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ کُلِّ ضَامِرٖ یَأۡتِینَ مِن کُلِّ فَجٍّ عَمِیق﴾. حقیقة الحج والحج عبادةٌ تتّحد فیها عناصر کثیرة کالخضوع والتضرّع والزهد والتقوى وذکر الله والتضحیة فی سبیله، وإنفاق المال والانقطاع عن الشهوات وملذّات الدنیا لإظهار العبودیة لله عز وجل فی أنقى وأعمق حالاتها. فالحج إذاً، هو سیرٌ وسلوکٌ معنویٌّ وهجرةٌ إلهیة.. وتتجلّى فی هذا السفر العبودیة لله بأجلى صورها وأبهاها، فکلّ شعیرة وکلّ منسک وکلّ حکم شرعی فی هذا السفر، هو ترجمة مباشرة لحقیقة العبودیة وإعلان من العبد بخضوعه لربه ووضعه لنیر المذلّة على عنقه والتصاغر أمام مالک الملوک وامتثاله له وحده ورفضه لکل ربٍّ أو معبودٍ دونه. ومن أهداف العبادات أن تترسّخ المعارف والأخلاق الإلهیة فی قلب الإنسان وأن یتجلّى التوحید فی قلبه ثم یسری منه إلى کامل وجوده الباطنی والظاهری. وإذا دقّقنا فی فریضة الحج نجد أن هذه الأهداف موجودة فیه بقوّة، فالحج یتمّ إلى بیت الله الحرام الکعبة المعظّمة، وهی مرکز التوحید والمرکز الأوحد لتحطیم الأصنام، فقد رفع نبی الله إبراهیم الخلیل علیه السلام نداء التوحید من الکعبة فی أول الزمان، وسیرفعه فیها فی آخر الزمان الإمام المهدی المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشریف. قال الله تعالى لخلیله إبراهیم: ﴿ وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوکَ رِجَالٗا﴾. وقال عزّ من قائل: ﴿طَهِّرَا بَیۡتِیَ لِلطَّآئِفِینَ وَٱلۡعَٰکِفِینَ وَٱلرُّکَّعِ ٱلسُّجُودِ﴾. وهذا التطهیر یکون من کلّ الأرجاس وعلى رأسها الشرک، وفی سورة التوبة نقرأ: ﴿وَأَذَٰن مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ یَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَکۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِیٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِکِینَ وَرَسُولُهُۥ﴾. أبعاد الحج إنّ فریضة حج بیت الله هی من أبرز الفرائض التی تحوی أبعاداً متعددةً ومتنوعةً ترتبط بالحیاة الفردیة والاجتماعیة بشکلٍ عظیمٍ، وهی ذات تأثیرٍ عمیقٍ فی الجسم والنفس والفکر. وهذه الأبعاد المختلفة لیست منفصلة، بل یمتزج البُعد الروحی مع البُعد التربوی مع البُعد السیاسی والعبادی والاقتصادی والثقافی والفقهی والأخلاقی، بحیث تکمل بعضها بعضاً لتصبح کیاناً واحداً هو الحج الإسلامی. ولو أدّى الحاجّ هذه الفریضة بالشکل الصحیح، فإنه سینال توفیقات کبیرة فی جمیع المیادین المادیة والمعنویة، وکذلک ستنعکس آثارها الطیبة على المجتمع الإسلامی أیضاً. ولهذه الفریضة فوائد جمّة على الصعیدین الفردی والاجتماعی باعتبار أن العبادات فی الإسلام لیست محصورةً فی بعدٍ واحد بل هی تشمل جمیع أبعاد الإنسان، وهذا أمرٌ طبیعیٌّ طالما أن هدف العبادات تکامل الإنسان فی حیاته فی الدنیا وحیاته الحقیقیة فی الآخرة. ویبرز البعد المعنوی للحج عندما یقارن بالعبادات الأخرى، لما یحتویه من أحکام مفعمة بالرموز والأسرار. ویتمتع الحج بفضل مناسکه الخاصة، بریاضات خاصّة تؤثّر فی تزکیة النفس وعلوّ الدرجات المعنویة. الآثار المعنویة للحج یترتّب على أداء الحج بشروطه وآدابه آثار وثمار معنویة عظیمة للإنسان، وأهم هذه الآثار: ١ ـ توحید الله ومعرفته: فإنّ الحجّ یجسّم لنا التوحید، ونفی الشرک بکلّ مظاهره ومعالمه. قال الإمام الصادق علیه السلام: “وزر البیت متحقّقاً لتعظیم صاحبه ومعرفة جلاله وسلطانه”. ٢ ـ التقرّب إلى الله سبحانه: فمن یقصد مکّة حاجّاً إنّما یحجّ إلى ربّه ویقصد الله فی عرشه کما ورد فی دعاء الإمام الصادق علیه السلام عند خروجه للحج أو العمرة: “...اللهمّ إنّی عبدک وهذا حُمْلَانُکَ والوجه وجهک والسّفر إلیک..ولَقّنی من القول والعمل رضاک فإنّما أنا عبدک وبک ولک”. ٣ ـ ضیافة الله سبحانه: فإن الخلق کلّهم فی ضیافة الله بالمعنى الأعم. ولکن الحج ضیافة الله بالمعنى الخاص ومأدبته، قال الإمام الصادق علیه السلام: “إنّ ضیف الله عزّ وجلّ رجل حج واعتمر، فهو ضیف الله حتّى یرجع إلى منزله”. ٤ ـ التحقّق بالعبودیة لله تعالى: إن الهدف من الخلق وسرّ الخلافة فی الأرض وفلسفة الحیاة هو العبادة والمعرفة، وهذا ما یتجلّى فی الحجّ بصورة أبهى وأجلّ، لکون الحجّ تسلیماً لله، یحرم فیه الحاج ویؤدّی جمیع المناسک استجابة لأوامر الله تعالى. فالحج إذاً یرسّخ فی العبد عبودیته لله سبحانه وتعالى. ففی حدیث طویل عن الإمام الرضا علیه السلام قال: “إنّما أُمِروا بالحجّ لِعِلَّةِ الوِفادة إلَى الله عزّ وجل...”. ٥ ـ تجذّر الجانب المعنوی فی النفس: فإن للزمان والمکان والمناسک المقدّسة آثاراً معنویّة وروحیّة تنعکس على الروح الإنسانیّة، فإنّها ممّا توجب طهارة وسلامة الباطن. قال أمیر المؤمنین علیه السلام: “...والحجّ تقویة للدین...”. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 173 تنزیل PDF: 39 |
||||