الثورةالاسلامیة والنظام الدولی المنشود | ||
![]() | ||
الثورةالاسلامیة والنظام الدولی المنشود الدکتورمنوجهرمحمدی فی اواخر القرن التاسع عشر، سیما بعد الهزائم المتکررة التی منیت بها فی حروبها مع روسیا القیصریة، أضحت ایران ضعیفة ولم تعد قادرة على مقاومة الحملات العسکریة والسیاسیة والثقافیة للقوى المهیمنة آنذاک. ونظراً للموقع الاستراتیجی الذی تتمتع به، اضحت ساحة لتنافس القوى الأجنبیة. والى ما قبل انتصار الثورة الإسلامیة ، کانت ایران مضماراً لنفوذ وتنافس القوى الکبرى فی العالم، التی کانت تمثل القوى الفاعلة الرئیسیة فی الأنظمة الدولیة القائمة یومئذ. فقبل الحرب العالمیة الأولى کانت إیران ساحة لنفوذ وتنافس بریطانیا وروسیا القیصریة. وخلال فترة ما بین الحربین قبلت ایران هیمنة بریطانیا دون منافس. وبعد الحرب العالمیة الثانیة، سعت امیرکا باعتبارها قوة عظمى جدیدة، أن توجد لنفسها دوراً اساسیاً فی التحولات السیاسیة والاجتماعیة الایرانیة. والملاحظة التی تستحق التأمل هی أن النهضات المناوئة للاستبداد والاستعمار التی شهدتها إیران، کالحرکة الدستوریة – المشروطة - وحرکة تأمیم النفط، قد تبلورت فی نفس هذه الفترة و تکللت بالنجاح. غیر أن الأصالة الشعبیة لم تکن بمعزل عن تدخل ودعم القوى الأجنبیة فی الوقت ذاته. ففی الحرکة الدستوریة کانت الحکومة البریطانیة الاستعماریة تدعم دعاة الحرکة الدستوریة. وفی انتفاضة تأمیم صناعة النفط هبّ الامیرکان لدعم الجبهة الوطنیة. بید أن النهضة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمینی (قدس سره)، کانت الانطلاقة الأولى للتحرک المستقل عن نفوذ الأجانب، التی انطلقت عامی 1962 – 1963 فی ذروة الحرب الباردة والسیادة المطلقة لنظام القطبین. إن الإمام الخمینی (قدس سره)، ومن خلال إطلاقه لمقولته الشهیرة: (أمیرکا اسوأ من انکلترا، وانکترا أسوأ من امیرکا، والاتحاد السوفیتی أسوأ منهما.. بعضهم أسوأ من بعض. غیر أننا نقف الیوم فی مواجهة هؤلاء الخبثاء، فی مواجهة امیرکا) . وکذلک مقولته: (إننا فی حرب مع المارکسیة الدولیة بمستوى حربنا مع نهبة العالم الغربیین بزعامة امیرکا). رفع سماحته اولى صرخاته المؤثرة ضد النظام الدولی الظالم. وفی الحقیقة کانت الثورة الإسلامیة اول تحرک شعبی انطلق بدعم ومساندة جمیع المظلومین فی العالم، متجاهلاً التضاد والتنافس الموجود بین القوى الکبرى، الذی کان یعتبره سماحة الإمام أسلوباً لتقسیم الغنائم لیس أکثر ، وإن أیاً من هذه القوى لم تعمل لصالح الشعوب. والطریف أن القوتین العظمیین، ورغم تنافسهما وعدائهما الشدید على الساحة الدولیة، إعتبرتا على حد سواء إنطلاقة النهضة الإسلامیة، تحرکاً رجعیاً وادانتاه ،سیما انتفاضة الخامس عشر من خرداد - 5 حزیران 1963-. ومع بلوغ الثورة الإسلامیة ذروتها عامی 77 – 1978، ورفع شعار (لا شرقیة، لا غربیة، جمهوریة إسلامیة)، واصلت هذه الثورة نهجها المستقل وسط معارضة النظام الدولی الظالم لها. ولما حققت الثورة نصرها فإن أیاً من دول العالم، لا سیما القوى الفاعلة الرئیسیة فی نظام القطبین کالاتحاد السوفییتی وامیرکا وبریطانیا والصین، لیس فقط لم تقدم دعمها للثورة، بل کانت تقدم لنظام الشاه المستبد کل أنواع الحمایة والدعم. (لم تکن الثورة الإسلامیة ثورة عادیة، کما انها لم تعتمد على أی من القطبین الشرقی والغربی. ولهذا انفردت بسماتها الخاصة، وبطیّها للصراط المستقیم اللاشرقیة واللاغربیة. صمدت بوجه کلا القطبین، ولم تخش أو تهاب أیاً من القوى الوهمیة وکان ذلک سبباً فی انتصارها المعجز). (صحیفة الامام، ج 19، ص 5). إن موقف الثورة الإسلامیة هذا تجاه نظام القطبین، إستمر حتى انهیار الاتحاد السوفیتی وانتهاء الحرب الباردة، خاصة خلال مرحلة الحرب المفروضة والعدوان العراقی على إیران، حیث واصل اللاعبون الأصلیون فی النظام الدولی عداءهم للثورة الإسلامیة الفتیة، وتقدیم مختلف انواع الدعم والتأیید للحکومة العراقیة، سواء على الصعید السیاسی أو العسکری أو الاقتصادی. کما حافظت الثورة الإسلامیة، بعد انهیار نظام القطبین، على مواقفها الرافضة للمساومة مع الأنظمة الظالمة التی هی من صنع القوى الکبرى، وعرفت فی العالم على انها أول (متمرد) على نظام القطب الواحد. وفی هذا الصدد بذلت الإدارة الامیرکیة کل ما بوسعها لمعاقبة هذا (المتمرد) کی یتسنى لها - من خلال ترسیخ قانونیة النظام الجدید- فرض هیمنتها المطلقة على الأسرة الدولیة. وما مشروع (داماتو) وسیاسة الاحتواء المزدوج، إلاّ نموذجان من المساعی الامیرکیة فی هذا المجال. ویبدو ان نظریة صراع الحضارات لم تکن بمثابة إعلان مبکر عن هزیمة نظام القطب الواحد فحسب، بل جاءت لحرف انظار الرأی العام العالمی أیضاً والتستر على حقیقة التضاد والتعارض التی کشف عنها الإمام الخمینی (قدس سره) وفضحتها الثورة الإسلامیة.. التضاد والتعارض بین أصحاب النفوذ والناهبین الدولیین والمستغلین والمستعمرین من جهة، والشعوب والمجتمعات الرازحة تحت الظلم والمحرومة والمستغلة من جهة أخرى. باختصار، إن الثورة الإسلامیة وسماحة الإمام الخمینی (قدس سره)، بوصفهما اصحاب نظریة التضاد بین المستکبرین والمستضعفین فی العالم، والحامی والمدافع عن المستضعفین، حملا لواء النضال وانتفضا ضد الطغاة والجبارین فی شتى ارجاء العالم. یقول سماحة الإمام: (لقد فرض المستعمرون عن طریق عملائهم الحکّام الذین تسلطوا على الشعوب، نظاماً اقتصادیاً ظالماً تم بموجبه تقسیم الناس إلى فئتین: ظالم ومظلوم). بتعبیر آخر، إن الثورة الإسلامیة لم تکن سبباً فی انتصار الشعب الایرانی على النظام المستبد الظالم فحسب، بل مثلت انطلاقة لتحرک عالمی یسعى للقضاء على الانظمة العالمیة المتجبرة بالاعتماد على صحوة الشعوب المحرومة الرازحة تحت نیر الظلم وانتفاضتها. وسنحاول هنا الوقوف على أطر النظام الذی أوضح معالمه سماحة الإمام الخمینی (قدس سره) وأرست دعائمه الثورة الاسلامیة. إن الثورة الإسلامیة بوصفها ثورة عقائدیة ذات رؤیة کونیة خاصة بها نابعة من الدین الإسلامی، لم تعمل على إحیاء المشاریع والبرامج والنظریات الخاصة بها فی إرساء اسس الحکومة والإدارة على الصعید الوطنی فحسب، بل وعلى الصعید العالمی أیضاً. ونظراً لشمولیة الدین الإسلامی، فإن لدیها من الأفکار والنظریات القادرة على تشکیل نظام عالمی مبتکر. لقد جاءت الثورة الإسلامیة، کأی ثورة، وانطلاقاً من طبیعة برامجها وأهدافها، بمفاهیم ومفردات خاصة بها، وأن بعضها یضم بحد ذاته عالماً خاصاً من الأفکار الأصیلة. ومن جملة هذه المفردات الجدیدة: المستضعفین ، المستکبرین، العالم الاستکباری، وسیادة المستضعفین. إن الثورة الإسلامیة وقیادتها، لیست فقط ترفض النظریات الحاکمة على العلاقات الدولیة والأنظمة العالمیة القائمة التی تستمد وجودها من تصورات مفکرین امثال میکافیلی وهابس وهانس وترى الحق مع الأقوى. بل تنطلق فی نهجها فی ضوء: (إن السلام والأمن العالمیین مرهونان بانقراض المستکبرین. وطالما بقی هؤلاء المتغطرسون عدیمو الثقافة على وجه الأرض، لن ینال المستضعفون إرثهم الذی وعدهم الله تعالى به)، ویضیف : (إن حکومة الحفاة آتیة لا محالة). المستضعف بالمفهوم القرآنی هو من أبقی ضعیفاً وعدّ من الضعفاء . والمستضعفون فئتان : فئة المستضعفین العاجزین وغیر الواعین، وفئة المستضعفین الواعین. والقرآن یرى فی الاستضعاف مفهوماً أوسع من الاستغلال ولا یقتصر علیه مطلقاً. إن انواع الظلم والهیمنة واستغلال جهود الآخرین ومصادرة حقوقهم، هی شکل من أشکال الاستضعاف. بتعبیر آخر، ان أی استغلال - فضلاً عن الاستغلال الاقتصادی - مجحف وظالم للفکر ، وأی نوع من أنواع الظلم للشخصیة والنمو الثقافی والمعنوی هو نوع من الاستضعاف. وهکذا مفردة الاستکبار التی تقف فی مقابل الاستضعاف، فهی لا تقتصر على الهیمنة الاقتصادیة، بل تشمل کل أنواع الهیمنة ومختلف صور الطغیان والعصیان امام الله، التی تتجلى فی المجتمع على الصعید السیاسی والاقتصادی والثقافی. وکان سماحة الإمام (قدس سره) لا یکف منذ انطلاقة النهضة الإسلامیة، سیما بعد انتصار الثورة الإسلامیة، لا یکف عن الإشارة، عبر کتاباته واحادیثه الى النظام الدولی الذی یتطلع إلیه الإسلام والثورة الإسلامیة. وسنحاول هنا استعراض ابرز أطر هذا النظام استناداً الى آراء الإمام وتصوراته: أولاً: کان سماحة الإمام یؤمن - على النقیض من المارکسیین الذین یعتقدون بالجبر التأریخی ویعتبرون سیادة الطبقة العاملة أمر لا مفر منه - بأن باستطاعة الشعوب المستضعفة أن تنال حقوقها الحقة وتحقیق نصرها على المستکبرین بالصحوة والوعی فحسب: (على المستضعفین أن ینتفضوا .. لابد للمستضعفین فی مختلف البلدان من الإنتفاض ونیل حقوقهم بأیدیهم وبقبضات محکمة.. فلا یتوقعوا أن یعطیهم هؤلاء حقهم. المستکبرون لا یعطون أحداً حقه). (صحیفة الامام ، ج 11 ، ص 259). ثانیاً: فی ذات الوقت الذی کان سماحته یعتبر بث الوعی وانتفاض المستضفعین على الأرض، أمراً ضروریاً وحتمیاً لتحقق سیادتهم فی العالم، کان یرى (قدس سره) انتصارهم - استناداً إلى الآیة القرآنیة الکریمة - أمراً مؤکداً وحتمیاً: (أیتها الشعوب المستضعفة فی العالم.. انتفضی واستعیدی حقوقک ولا تخشی عربدة الأقویاء، لأن الله معک، والأرض إرث لک، ولن یخلف الله تعالى وعده). (الصحیفة، ج 15 ، ص 212). ثالثاً: إن استتباب الأمن والسلام العالمیین، لیس له علاقة بموازنة القوى، ولا بالأنظمة التی طرحها وجرّبها المفکرون والساسة الغربیون، وأن تحقیقهما ممکن فقط فی ظل القضاء على القوى الاستکباریة وهزیمتها. یقول سماحة الإمام : (لابد من توسیع دائرة هذه النهضة، و إنتفاض المستضعف ضد المستبکر، لتعم العالم بأسره.. إن إیران تمثل المبدأ والمنطلق والقدوة للشعوب المستضعفة کافة.. على المسلمین فی شتى انحاء العالم، بل على المستضعفین، أن ینتفضوا.. فالله سبحانه لا یخلف وعده للمستضعفین حیث یقول عز من قائل: (ونرید أن نمن على الذین استضعفوا فی الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثین).. الإمامة الحقة للمستضعفین.. الوراثة للمستضعفین.. المستکبرون غاصبون.. على المستبکرین أن ینسحبوا من الساحة). (الصحیفة ، ج 6 ، ص 168). رابعاً: المستضعفون لا یقتصرون على المسلمین ولا على شعوب العالم الثالث، بل یشملون کل الشعوب الرازحة تحت الظلم وهیمنة الاستکبار فی أکناف العالم بما فیهم أولئک الذین یرزحون تحت هیمنة الدول المستکبرة الشرقیة والغربیة. ومن هنا فلیس بوسع أی من العوامل الجغرافیة والثقافیة والتقسیمات الإداریة والسکانیة، تبیین الحد الفاصل بین المستضعفین والمستکبرین. ولهذا فإن نظریة صراع الحضارات، أو صراع الثقافات، أو حتى تعدد الأقطاب العالمیة، لیست أکثر من استمرار لهیمنة المستکبرین، أو التنافس فیما بینم فی توزیع الغنائم واستغلال واستضعاف المجتمعات والشعوب المختلفة. یقول سماحة الإمام : (یجب أن تعلموا، بأن الشعوب بما فیها الشعوب غیر الموحّدة، هی جزء من مستضعفی العالم وکانت ترزح دائماً تحت سلطة المستکبرین). ویضیف: (إن کلتا القوتین العظمیین قد عقدتا العزم للقضاء على الشعوب المستضعفة. ویجب علینا ان ندعم ونساند المستضعفین فی العالم. فالإسلام لا یفرق بین الدول الإسلامیة وغیر الإسلامیة، ویدافع ویناصر جمیع المستضعفین فی العالم). (الصحیفة ، ج 12 ، ص 19) . خامساً: على النقیض من الأنظمة السابقة التی تشکلت بوحی من الأفکار (العلمانیة) و(الإنسانیة)، وکانت تروج للذة والمتعة والاستهلاک، فإن هذا النظام یعتمد قاعدة العودة إلى الدین وحاکمیة شرع الله تعالى، ویرى الحیاة السعیدة فی التمسک بالتقوى والقیم الأخلاقیة والأفکار المعنویة والإلهیة؛ ویرفض ویستنکر بشدة الثقافة المنحطة وتکدیس الثروة الذی هو أسلوب المستکبرین. سادساً: یضطلع المسلمون عموماً والشعب الإیرانی المسلم بشکل خاص، الذی نجح لأول مرة فی التغلب على الاستکبار ببرکة الاستهداء بالدین الإسلامی، الدین الحی والمربی للإنسان، یضطلعون بمهمة توجیه وقیادة هذه النهضة العالمیة. وبتعبیر آخر، إن تصدیر الثورة الإسلامیة وانتشارها هو بمثابة السعی على طریق مقارعة الاستکبار وحمایة المستضعفین. یقول سماحة الإمام: (بانتشار الثورة الإسلامیة الإیرانیة سیتم – إن شاء الله تعالى – عزل القوى الشیطانیة وانعزالها. وستمهد حکومة المستضعفین الأرضیة للحکومة العالمیة لمهدی آخر الزمان (عج)). إن ما نخلص إلیه من کتابات وتنظیرات هانتینغتون وبریجنسکی وآخرین هو، أن مخططات القوى الاستکباریة ماضیة فی سیاسة الهیمنة على العالم، وفی الوقت ذاته یلاحظ فی أفکارهم ونظریاتهم هواجس القلق والتوجس من الصحوة المتنامیة للشعوب المستضعفة وتعزیز تکاتفها وتضامنها بعیداً عن التباین الثقافی والعرفی والدینی، وتصدیها للدول الاستکباریة. وعلى الرغم من حقیقة أن امیرکا اللاتینیة هی جزء من الثقافیة الغربیة، غیر ان هانتینغتون وبسبب معارضة أمیرکا اللاتینیة لهیمنة الغرب ونزعته التسلطیة، یحاول الفصل بینهما، فی حین أنه یضع کلاً من الحضارة الإسلامیة والکنفوشیسیة فی جبهة واحدة نظراً لامتلاکهما قواسم ثقافیة مشترکة قلیلة جداً. ولا یخفی إن الوجه المشترک الوحید لهذین المجتمعین والثقافتین المتباینتین ، یتمثل فی الذکریات المرة عن مرحلة الهیمنة الغربیة والتی لا زالت تبعاتها تشاهد حتى الآن. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,161 |
||