أبعادالهزیمةالامیرکیةفی الشرق الاوسط | ||
أبعادالهزیمةالامیرکیةفی الشرق الاوسط غالب قندیل عندما قرَّرت الولایات المتحدة غزو العراق واحتلاله، اتخذت حکومتها تلک الخطوة بدایة لمحاولة فرض الهیمنة الأحادیة على العالم، وأقام مخططو هذه الحرب فصولها على أساس ترهیب جمیع القوى الدولیة المنافسة، وتمزیق صیغة الأمم المتحدة وکل ما قامت علیه منذ تأسیسها من معادلات الشراکة فی القرار ورسم الخیارات. ذلک ما أعلنته حکومة الولایات المتحدة قبل الإحتلال وبعده، بالإضافة إلى تأکید اعتزامها إعادة تشکیل الشرق العربی تحت الهیمنة الإستعماریة وإقامة واقع إقلیمی جدید یخدم الغایتین الحاسمتین فی مشروع (القرن الأمیرکی) للمنطقة، وهما حمایة (إسرائیل) بعد انکسارها فی لبنان ، وضرب الدولتین المستقلتین الحاضنتین للمقاومة فی المنطقة إیران وسوریة وإخضاعهما، بل والسعی إلى تفکیکهما عبر دحرجة الفوضى . أولاً: یتأکد السقوط الأخلاقی والفشل الإستراتیجی الأمیرکی، فی إسترجاع تلک اللحظة، بمقدماتها ونتائجها، وهو ما یشکِّل القاعدة ووحدة القیاس الحاسمة التی یمکن بها الحکم على ما جرى خلال السنوات الثمانی المنصرمة وما آلت إلیه الغزوة الإستعماریة للشرق وما إذا کانت هزیمة أم لا . ثانیاً: نشرت وثیقة بایکر - هاملتون فی خریف 2006 (أی بعد هزیمة (إسرائیل) فی لبنان والتی هزم فیها تحالف عالمی ضمَّ ثلاثین دولة بقیادة الولایات المتحدة) وتضمنت تلک الوثیقة حصیلة التقییم الإستراتیجی والسیاسی الذی أجرته المؤسسة الحاکمة الأمیرکیة وقد انتهت إلى استنتاج تلخصه کلمة واحدة هی: الفشل. کما اتخذت السیاسات الأمیرکیة منذ ذلک الحین عنواناً یتیماً هو (إحتواء الفشل) أو الحد من الخسائر عبر اللجوء إلى إستراتیجیة القوة الناعمة التی تعتمد حروب المخابرات ومنظومة العقوبات ،وهی الیوم تواجه عثرات وهزائم جدیدة على ساحة الشرق . لیس مصادفة، انفجار الأزمة الإقتصادیة المالیة العالمیة، التی إندلعت فصولها من الولایات المتحدة ومن صرحها المالی الأهم ومرکز العولمة الأول فی وول ستریت. وحیث یجمع الخبراء على توقع موجة جدیدة أشد تدمیراً وهولاً من الموجة السابقة، لیس مصادفة أن یتزامن الهروب الأمیرکی من جحیم المقاومة العراقیة مع الهزیمة الصارخة للمخابرات الأمیرکیة فی إیران ولبنان باعتراف أحد أرکان الإستخبارات المرکزیة روبرت بایر الذی أدار حروبها وشبکاتها ضد قوى المقاومة فی الشرق أی ضد إیران وسوریة وحزب الله منذ العام 1984 وتولى مسؤولیات کبرى أساسیة فی العراق، وقد وصف السیطرة الإیرانیة على طائرة التجسس الحدیثة وکشف حزب الله للبنیة القیادیة للمخابرات الأمیرکیة، بالکارثة الشاملة داعیاً لإلغاء محطة التجسس فی بیروت، فی ضوء ما یؤکده الحدثان عن إمساک قوى المقاومة التی انتصرت على الغزو الإستعماری بقدرات تکنولوجیة عالیة جداً، تجعل إستراتیجیة القوة الناعمة وأدواتها فی قبضة المنظومة المستقلة التی حققت الإنتصار الباهر على الغزوة الإستعماریة. ثالثاً: إندحار الإحتلال الأمیرکی من العراق هو الحدث الکبیر الذی یؤسس لصورة عالم جدید بنهوض القوى المنافسة للإمبراطوریة الأمیرکیة على أساس التطلع إلى إرساء شراکة دولیة متعددة الأقطاب، وهو ما یعنی هزیمة کاملة لإستراتیجیة الأمن القومی الأمیرکی التی طبقت بعد إنهیار الإتحاد السوفیاتی والتی بنیت على أساس شطب القوى المنافسة المحتملة فی العالم، فروسیا متأهبة لفرض عودتها لاعباً أساسیاً فی المسرح العالمی بعد إنطوائها لسنوات، والصین تنزل أسطولها الحربی إلى المحیطات والبحار بعد ما کانت توصف سابقاً بأنها إمبراطوریة بریة، وهی تتحضر للدفاع بقوة عن موقعها وعن مصالحها الدولیة فی وجه الأحادیة الأمیرکیة، وکذلک فإن صعود القوى الدولیة الجدیدة کالهند ومجموعة أمیرکا اللاتینیة وجنوب أفریقیا ، یؤکد الإستنتاج القائل بأن مرکز الثروة والتکنولوجیا على سطح الکرة الأرضیة ینتقل من الغرب إلى الشرق والجنوب. أما فی الشرق العربی الإسلامی، فإن القوة الإیرانیة الإقلیمیة باتت حقیقة ثابتة، بعد ما وضعت نقطة النهایة فی جدل الملف النووی الإیرانی منذ مفاوضات اسطنبول، فی حین تدخل سوریة مرحلة التعافی من الأزمة التی عصفت بها بسد منافذ وأبواب التدخلات الأجنبیة و هی تتحضِّر لقلب الطاولة على رؤوس المتآمرین و المتورِّطین. رابعاً: فی هذا المشهد العالمی تحولت أوروبا الغربیة إلى ملحق هامشی للولایات المتحدة، ویهددها التفکک، بعد ما سخرت جمیع إمکاناتها لمغامرات الحلیف الأمیرکی المهیمن، من خلال المنظومة الأطلسیة، بینما تترنح إسرائیل فی مأزق عجزها الإستراتیجی، وهی الیوم تعیش أسیرة القلق الکبیر من تحرر القوة العراقیة الفاعلة والمهمة اقتصادیاً وتقنیاً وانضمامها إلى کتلة الإستقلال والتحرر على الرغم مما یحضر للعراق بعد الهروب الأمیرکی من مشاریع استنزاف. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,935 |
||