الخطاب الإسلامی فی مواجهةالتحدیات | ||
الخطاب الإسلامی فی مواجهة التحدیات مع تعاظم الأخطاروالتحدیات التی تواجهها الأمة الإسلامیة فی هذه الأیام، ومع تهالک القوى الکبرى وعلى رأسها أمریکا وزجّها بکل مالدیها من وسائل وقوى الدمار،بحجة الدفاع عن الدیمقراطیة واللیبرالیة فی معرکتها التی ترید لهاأن تکون الأخیرة والحاسمة.. مع کل ذلک یأتی دورالقلم لیسجّل صرخات کل ضمیر حی فی قلب عالمنا العربی والإسلامی،عسى أن نتلمّس الطریق للخروج من قمامة البؤس والشقاء،إلى قمّة الفضائل والقیم،فیتجددعهدهذه الأمّة مع حضارتها وتاریخها. لابدّ لنا ونحن نسلّط الضوء على طبیعة التحدیات تلک،أن نذکرسنن الله فی خلقه، وخاصة السنن الاجتماعیة، حیث إنّه تعالى کما ذکرفی کتابه لم یکن مغیراً نعمة أنعمها على قومٍ حتى یغیّروا ما بأنفسهم ،فما أصاب هذه الأمة،لایمکن بحال عزوه إلى القوى الخارجیة المتسلطة،بقدرمایجب علیناالنظرإلى حال الأمّة و سبب استحقاقها لهذا البلاء.. فقد کانت هذه الأمّة وعلى مدى تاریخها،مصداقاً لهذه السنن التاریخیة الإلهیة،وهکذابقیة أمم الأرض. وفی عرض موجزنجد أنّ أهم التحدیات والأخطارالمحدقة بهذه الأمة تنحصرفی: -1 تحدیات الوجود فقد بات الوجود الحضاری والإیمانی، وحتى الوجود السیاسی للأمة، شعوباً ودولاً، موضوعاً فی خانة التهدید الاستکباری، تحت ذرائع الإرهاب!! إذ تمادت الدول الغربیة ـ وعلى رأسها أمریکا ـ فی عدوانها، غیر مستجیبة لأیة دعوات فیما یختص بحقوق الإنسان، وحق الشعوب فی تقریر مصیرها، وحق الأمم بمقدراتها وأمنها وحدودها.. لقد أصبح کل شیء منتهکاً ومباحاً بسلطان القوة والهیمنة والسلام النووی، وقد بات ممنوعاً على الشعوب المستضعفة أن تمتلک أیّ سبب من أسباب القوة، مهما کان بسیطاً، مما قد یزعج السید الأمریکی أو یحول بینه وبین مصالحه التی لا تنتهی. إنّ المنطقة فی ظل هذا الشره الأمریکی، والبطر المستحکم فی خطابها السیاسی، أدّت إلى عواصف وزوابع من الحروب والأزمات والمشاکل، فخلطت الأوراق بصورة یصعب معها التنبّؤ عن مستقبل السنوات القادمة.. وذنب هذه الأمّة أنّها تمتلک من المقدرات والخیرات الطبیعیة الشیء الکثیر، فی حین لا تمتلک ما یؤهّلها للبقاء من تکنولوجیا وآلة عسکریة، ومناهج علمیة حسب المقاییس المادیة. -2 تحدیات الحداثةوالمعاصرة من هنا تنشأ الحاجة لإعادة النظر فی المنظومات الفکریة وأنماط التفکیر والتدبیر السیاسی والإداری، التی ینبغی للأمة أن تسلکها.. إنّ الأنماط الغربیة الاستهلاکیة المعتمدة الآن فی العالم، لیس هی الکفیلة بإعادة تنشیط وتفعیل طاقات الأمة وقدراتها، کما أنّ الأسالیب الإسقاطیة والأنماط المتحجرة فی فهم الموروث الثقافی الإسلامی دون أخذ الاعتبار للتطورات الفکریة والثقافیة الحاصلة فی العالم، ودون محاولة تفسیر المفاهیم القدسیة بلغة مفهومة عالمیاً.. هذا الأسلوب لا یجدی نفعاً فی حلبة الصراع الحضاری بین الحضارات المادیة الزائفة، وبین الحضارة الإسلامیة الإنسانیة. فالحضارة الإنسانیة الإسلامیة فی عمق روحها ومفاهیمها تستطیع أن تنتصر على غریمتها الزائفة فیما لو استطاع أهلها وحاملوها إیصالها کما هی، ودون أن تمس روحها لوثات التاریخ، أو دون أن تشوّه صورتَها ممارسات الأفراد، إضافة إلى عامل أکید ومهم جداً، وهو إیمان أصحابها بها، لیس فقط من منطلق الانتماء والکینونة والعصبیة الجغرافیة، بل من منطلق رسالی وإیمان راسخ بأنّها هی تلک الرسالة التی صدع بها رسول الله منذ خمسة عشر قرناً لتکون کافة للعالمین، وسبباً لخلاص الإنسان فی الدارین. -3 تحدیات الرسالة التحدی الثالث هو تحدی الرسالة التی حمّلنا إیاه الله سبحانه ورسوله (ص)، فخاطبنا فی کتابه بخیر أمّة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنکر وتؤمن بالله.. عجباً!؟ کیف لأمّة مهزومة ومهددة فی وجودها واقتصادها ومجتمعاتها وأفرادها أن تکون مؤهّلة لحمل رسالة التبلیغ، والدعوة إلى الحق والخیر؟ لکننا لا نرید أن نرفع أیدینا لنسلم بالأمر الواقع، ونقول کفى، فقد تعبنا من حمل هذا الوزر!!، إنّ هذه الأمّة هی آخر الأمم، ولا بدّ لها فی کل الاعتبارات من حمل هذه الرسالة. من هنا لا بدّ لنا ونحن نبحث عن عناصر القوة، ونتحسس حبائل الخلاص والنجاة، أن ننظر فی طبیعة الخطاب الإسلامی کمبارز حضاری فی معمعة صراع الحضارات التی أراد لها المستکبر الغاشم أن تکون ساحته الأخیرة، ویکتب فیها ما یدّعی أنّه حتمیّته الشیطانیة. وفی هذا المجال یتفرّع الحدیث ویتخذ أبعاداً داخلیة وأخرى خارجیة شتى، ونحن هنا بصدد الإشارة فقط لبعض ملامح هذا الخطاب الذی لا بد له أن یکون: -1 خطاباً شاملاً ومحتویاً لروح وصورة الوعی الحضاری الإسلامی الذی یعلو بلا شک على أیّ حضارة غاشمة مادیة متسلطة. -2 خطاباً مفهوماً، لیس بمعنى السهل الممتنع الذی ندرسه فی الأدب، وإنّما بمعنى الساحة الفکریة العالمیة من آراء ومفاهیم ونظریات تحاول أن تحدد المشاکل الإنسانیة وتجترح لها الحلول. -3 خطاباً موحداً: إلى حد بعید، حیث إنّنا نجد فی الخطاب الإسلامی الیوم تفاوتاً وتناقضاً فی کثیر من الأحیان، فهذا خطاب مذهبی، وذاک خطاب سلفی متعصب، وآخر خطاب إرهابی یتجاوز مفاهیم مهمة فی عالم الیوم، ویهمل کون الإسلام دین دعوة بالدرجة الأولى ولیس دین سلطة وسیادة جغرافیة. وفی ظل هذه المفارقات فی الخطاب الإسلامی تنشأ الحاجة إلى خطاب خالص موحد ونبیل، بعید کل البعد عن الشوائب التی من شأنها أن تمسّ جوهر الإسلام الأصیل، أو تشیر إلیه بأصابع الاتهام، أو تخلق الذرائع للعدو الماکر للتسلّق على أغصانها واجتیاز سورها المنیع. -4 خطاباً توحیدیاً، بمعنى أنّ الخطاب الإسلامی هذا یجب أن ینطلق من فهم توحیدی للدین الإسلامی وقدسیته، وهذا یعنی أنّ الإسلام یسعى بدایة ونهایة إلى صقل العلاقة بین الإنسان والله تعالى. ومن هنا یکون من الضار بروز الدعوات الاستعلائیة والتسلطیة فی الخطاب الإسلامی، بل لا بدّ من خطاب إسلامی ینطلق من صمیم الدین إلى وجدان الإنسان وروحه وضمیره، یکون خالصاً ومنزهاً عن المطامع التی تشوّه صورته النورانیة الخلاقة المشرقة. وأخیراً.. إنّ إصلاح ذات البین وإصلاح وإنجاح الخطاب الإسلامی مهمّة صعبة، ولکنّها لیست مستحیلة، بل هی ضروریة، وملحة من أجل وجود الأمة واستمرار حضارتها. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,018 |
||