الفن المنسی: النقوش والزخارف الحجریة | ||
الفن المنسی: النقوش والزخارف الحجریة منیرالصایغ شکّلت الزخارف والنقوش الحجریة احد ابرز معالم الآثار التاریخیة المتبقیة للعمارة. وقد تفنن معمارو العهود القدیمة فی ابداع نماذج من النقوش والزخارف مازالت حتى عصرنا الحاضر تحظى بالاعجاب والتقدیر. وان ما خلفته الحضارة الاسلامیة فی خراسان الکبیرة - کما کانت تسمى - فی هذا المجال، یدلک على عظمة هذه الفنون والمستوى الرفیع الذی وصلت الیه فی هذه البقعة من الارض، إذ تجد الابداع والبساطة قد امتزجا بإحکام فی کل نموذج من نماذج هذا الفن. واذا کانت المدنیة الحدیثة قد ابدعت الکثیر فی مجال العمارة، فانها ما انفکت تعود الى هذا الفن الاسلامی العریق تستلهم منه.. یحدثنا أحد الاساتذة عن معالم هذا الفن واستقراء اهم محطاته التاریخیة موضحاً : کنت قد نشأت فی ارض لها سابقة فی تخریم الاحجار وصناعة النقوش والزخارف الجبسیة، تتصل ببدایات ظهور فن العمارة فی ایران. ونظراً لانها کانت تفتقر الى الارض الصخریة، فقد حظی الآجر فیها برعایة کبیرة، وبالتالی ازدهرت النقوش والزخارف الحجریة فیها وأضحت محل فخرها وتفاخرها. ومن هنا تستطیع أن ترى الآجر حتى فی أقدم الآثار التاریخیة المتبقیة للمواقد العظیمة. بعد مجیء الاسلام الى ایران، اخذ ینتقل هذا الابداع الفنی، بجمالیته وابهته، الى المساجد ومقابر الاولیاء والصالحین. وقد حافظ فن العمارة الایرانی على ارتباطه بالفن الساسانی حتى الى ما قبل القرن الثالث الهجری، اذ تشیر الآثار الاسلامیة المتبقیة - التی وجدت فی مدینة نیشابور، والتی یعود تاریخها الى القرن الثانی الهجری - الى ذلک، وتدلُّ فی الوقت ذاته على دقة صنعها وغایة ابداعها وجمالها. فقد ضمّ مسجد نیشابور الاعمدة االرخامیة، و القاشانی المذهّب وجدراناً تضم زخارف ونقوشاً ملوّنة، وسقوفاً مزینة بزخارف کثیرة. بعد ذلک، اخذت معالم نهضة الفن الایرانی تظهر، لا سیما فی عهد السامانیین، وفی خراسان بالذات، لتمتد فیما بعد الى کلّ من افغانستان وبلاد ماوراء النهر. حیث ظهر فی عصر الملوک السامانیین - القرن الثالث الهجری- واحد من اهم عهود تطور فن العمارة بخصوصیات ایرانیة. ولعلّ الاثر التذکاری الوحید لذلک العصر، الا وهو مقبرة الامیر اسماعیل السامانی فی مدینة بخارا، خیر شاهد على ذلک، إذ انه تمیز بالتجربة والنبوغ فی مجال فن النقوش الآجریة. ذلک انه احتوى على زخارف ونقوش غایة فی الدقة والابداع بحیث یمکنک مشاهدة الحرکة والتضاد والظلال فیها بکل وضوح. وفیما یبدو ان معظم الزخارف والنقوش المستفاد منها فی هذا البناء قد تم اقتباسها من طریقة الحفر على الخشب. کذلک تعد قبة (قابوس)، التی تضمها مقبرة قابوس بن وشمکیر، واحدة من الابنیة البارزة لفن العمارة والنحت على الحجر لهذا العصر. فرغم ارتفاعها الذی یزید على 55 متراً، وعمق قواعدها – 12 متراً تحت الارض – الاّ انها مازالت شامخة بکل عظمة. ومما یجدر ذکره ان هذه المقبرة تم بناؤها بالکامل من الآجر المصهور، وقد احتوى المبنى على کتیبة مکتوبة بالخط الکوفی تشیر الى سنة البناء (397 هـ ش)، ونبذة عن حیاة قابوس منحوتة الى جوارها. هذا ونظراً لاتصاف الخط الکوفی القدیم بامتلاکه لزوایا حادة وخطوط مستقیمة، وبالتالی سهولته، فقد کان یستعمل فی الابنیة الآجریة ونقوشها. وربما لهذا السبب کانت الکتابات الخطیة الکوفیة الاولى تسمى بالخط الآجری. کذلک العصر الغزنوی، فقد احتوى ایضاً على نماذج تدل على فن النقوش والزخارف الحجریة. والتی منها النقوش البدیعة الموجودة فی منارة مسعود الثالث فی مدینة غزنة. وهکذا مقبرة (ارسلان) فی (سنک بست) فی خراسان. کذلک النقوش التی تضمها (منارة جام) فی افغانستان. لقد شاع فی هذا العصر بناء المآذن الى جوار المراقد المتبرکة، وکذلک الابراج بین الطرق لهدایة القوافل. ولا یخفى ان المنائر والابراج خیر مکان لتلاقی النقوش والزخارف والابداع الفنی. اذ اننا کثیراً ما نجد فی هذه الابنیة الصور البدیعة للزخارف والنقوش الآجریة کعُقَدِ الخزف الصینی، والاشکال الهندسیة، والقرنصة، والخطوط الجمیلة، ویمکن مشاهدة ذلک فی کل من (برج اردکان)، وبرج خسروجرد فی سبزوار، والمدخل الرئیس لمبنى سلطان خان قیصری، ومقبرة بیر علمدار، ومقبرة با یزید البسطامی، ومنارة دامغان. کذلک یمکن اعتبار منارة علاء الدین فی جام بأفغانستان، التی تنتصب شامخة بجمالها وعظمتها على ارتفاع 67 متراً، من النماذج البدیعة فی هذا المجال. حیث تغطی الزخارف الآجریة المنارة بالکامل، اضافة الى احتوائها على نقوش متنوعة ومتداخلة من الاشکال الهندسیة والزهور . وکتابة لسورة مریم بالخط الکوفی المتداخل، والتی تحتوی على 973 کلمة. وبظهور الکاشی والموزائیک ودخوله فن العمارة، انحسر فن النحت على الحجر وبدأوا یتخلون عنه تدریجیاً، واخذ یقتصر على ترمیم الابنیة فقط. وربما على مداخل البیوت واطر النوافذ والطیقان، التی یلجأون إلیها لإضفاء نوع من الأبّهة والفخامة علیها. ویخبرنا الاستاذ اخوان عن انواع النقوش والزخارف المستفاد منها الیوم فی الابنیة وتاریخها،موضحاً: بشکل عام تنقسم الزخارف والنقوش الآجریة، بلحاظ اشکالها، الى اربعة اقسام هی: 1 – النقوش ذات الاشکال الهندسیة. 2 – النقوش والزخارف النباتیة، والتی تشمل اشکال الاغصان واوراق الاشجار و الزهور. 3 – نقوش و تصاویر الانسان والحیوان والاشکال الاسطوریة. 4 – نقوش الخط وزخارف الکتائب التی یستفاد منها فی النحت على الآجر. هذا وان معظم انواع النقوش والزخارف التی یستفاد منها الیوم، هی فی الحقیقة کانت مستخدمة فی الاوانی والجرار الفخاریة والنحاسیة لعصر الاسلام الاول، وما قبل ظهور الاسلام فی الفنون الایرانیة، وقد دل على ذلک، الآثار المحفوظة فی المتاحف والآثار المتبقیة. ومما یجدر ذکره، ان العدید من هذه الانواع اتخذت لنفسها تسمیات محلیة تختلف من منطقة الى أخرى. فمثلاً فی بعض المناطق تسمى هذه الانواع بـ(صدر الطیر، البندق، حنک الثعلب، الجنابذ، زلف العروس، حزام ساعد صینی، زهور سامانیة، واشکال الخراطة الحادة والدائریة).اضافة الى ذلک ، هناک نباتات اقتصر وجودها على منطقة جغرافیة محدودة، کتلک المسماة بزهور الخیام، اذ یقال انها نموذج لازهار کانت موجودة فی بیت الخیام النیشابوری، وقد استفاد الفنانون القدماء من اشکالها وراحوا ینحتونها على الاباریق النحاسیة والجرار والاوانی الفخاریة. هذا وبامکاننا ان نشیر هنا الى واحد من الابنیة التی تحتوی على زخارف ونقوش جبسیة متکاملة، الا وهو ما یسمى بالابنیة الخضر، حیث یحتوی على المقرنصات الجداریة التی تزیدها الالوان روعة وجمالاً وکمالاً، والتی تشمل الابیض والاصفر والازرق والاحمر، وانک تجد فیها الانواع الجمیلة المختلفة من جرید النخیل وزهور النیلوفر الزرق، وانواع الطیور وصور الحیوانات، وقد نحت بعضها داخل الاشکال الهندسیة المربعة والمسدسة. ومما یجدر ذکره، ان نیشابور ونظراً لوقوعها بالقرب من (طریق الحریر)، کانت مکاناً للتأثیر والتأثر بالنسبة للفنون المختلفة، ووفرة فرصة التواصل والاکتساب مع فنون الممالک الاخرى، وتعتبر نقوش النخیل احدى صور تأثرها بفنون المناطق العربیة. وبالنسبة لخصوصیات الآجر الذی کان یستفاد منه فی العمارة قدیماً، وما هو موجود الیوم، یقول الاستاذ اخوان: آجر هذه الایام لا ینفع لعمل النقوش والخراطة ابداً. اذ انه ومنذ اللمسات الاولى یتفتت وینتهی. اما بالنسبة لی فاننی استفید من الطابوق المتبقى من الابنیة القدیمة نوعاً ما. وعلى العموم ومن اجل ان نحصل على الآجر القابل للخراطة والحفر، لابد من قطع مراحل عدیدة. اذ ینبغی اولاً ان نبقی الطین فی الماء لمدة اسبوع، ثم بعد ذلک نعمل على رکله لفترة طویلة، بعدها یوضع داخل القالب بضربة قویة. ثم ننتظر الى ان یجف بشکل کامل لیوضع داخل الکورة المشتعلة بوقود النباتات، لمدة ثمانیة ایام حتى یطبخ. بعد ذلک یترک لمدة ثمانیة ایام اخرى داخل الکورة بعیداً عن ملامسة الهواء. والآجر الذی نحصل علیه یمتاز بصلابته وتماسکه، ولکی یتم تحصینه من احتمال امتصاصه للماء والرطوبة، تصنع ملاطة من النورة والرماد ومادة نباتیة معینة، ورماد الاعشاب، ومسحوق الطابوق، ویطلى بها. وهذا هو احد اسرار مقاومة الکثیر من الابنیة الآجریة وبقائها عمراً طویلاً. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,208 |
||