الصحوة..أسبابها ومظاهرهاودوامها | ||
الصحوة..أسبابها ومظاهرهاودوامها الشیخ محمدعلی التسخیری حقیقةالصحوةالإسلامیة من نافلة القول أن نتحدث عن الترکیبة الإسلامیة _ ککل _ إلاّ أنّ التذکیر بها یحقّق تمهیداً جیداً لفهم حقیقة الصحوة الإسلامیة. فالإسلام عقیدة تحدّد للإنسان موقفه من الکون والحیاة والإنسان بتاریخه وحاضره ومستقبله. وتنبثق من هذه العقیدة مفاهیم تشکّل أساساً عملیاً واسع الأبعاد. وعلى أساس العقیدة والمفاهیم الحیاتیة، تتخذ العواطف الإنسانیة مساراً توجیهیاً تختلف إختلافاً حقیقیاً عنها عندما لا تعیش فی هذا الإطار. وبعد کلّ هذه الأرضیة المناسبة یأتی البناء الاجتماعی الإسلامی لیشمل تخطیط الإسلام کلّ نواحی الحیاة الإنسانیة. وحینئذ فالمسلم الواعی حقاً یتمتع بالعناصر التالیة: أولاً: فهم الحقیقة الإسلامیة فهماً مطّرد العمق. وثانیاً: إیمان منطقی بها. وثالثاً: نفوذ إیمانی إلى العواطف، وصیاغتها الصیاغة التی تنسجم بها مع الأسس. ورابعاً: نقل واع لها إلى المجال العملی، الشخصی والعام. إنّها العناصر التی یمتاز بها المسلم الواعی، والتی یصعد الإنسان بها مدارج الکمال من خلال تأصّلها فی وجوده وحیاته.
معالم الصحوة وقد تمثّلت معالم الصحوة الیوم فی أمور کثیرة، لسنا بصدد استیعابها بقدر ما نحن فیه من الإشارة، حیث نجدها فی: - هذا الاتجاه العام نحو تفهُّم الإسلام ومعرفة جوانبه الحیاتیة. - وهذا الإتجاه الصارم للقطاعات المختلفة - وخصوصاً قطاع الجیل الشاب - نحو تطبیق الإسلام، فی کلّ شؤون الحیاة الاجتماعیة والفردیة، والنظر للإسلام کمنقذ من کلّ المهالک والمشاکل، التی تورّطت فیها مسیرة الأمّة. - وهذا التفهُّم الواعی لدور قوى الاستکبار العالمی فی التخطیط لمسخ الشخصیة الإسلامیة ثم العمل على امتصاص دمائها. - وکذلک تفهّم الطاقات الضخمة التی تملکها الأمّة المسلمة، وطبیعة المرحلة التاریخیة التی تعیشها. - وکذلک هذا الترابط الإحساسی والشعوری بین أفرادها، حتى لیهتزَّ المسلم الیوم فی أقصى المعمورة لألم المسلم فی الجانب الآخر منها. - وهذا الاتجاه الرائع نحو الوحدة الإسلامیة والتقریب بین المذاهب، وتناسی الصراعات الجانبیة. - ثم هذا التخطیط الحثیث هنا وهناک لاستعادة المجد الإسلامی، وإقامة الدولة الإسلامیة الموحَّدة على کلّ الأرض الإسلامیة. ورغم اختلاف مستویات التخطیط فإنّها تکشف جمیعاً عن التطلع والعمل على صنع المستقبل. - وهذه الحرارة الثوریة المتصاعدة، والتی راحت تقضّ مضاجع اللصوص الکبار، وتهزّ عروش العملاء الصغار، وتمزّق أستار المتستّرین والمتبرقعین. إنّها حرارة الخشوع والتضحیة والفداء فی سبیل العقیدة، وهی تستمد أوارها من انطلاقة المسلم فی الصدر الأول نحو الجهاد فی سبیل إعلاء رایة الإسلام، ناسیاً دنیاه ومتعه، فی سبیل متعة تحقیق الهدف السامی العظیم. - وأخیراً ولیس آخراً: هذا الاتجاه الجماهیری نحو تعمیم الأخلاق الإسلامیة على المجتمع، ونفی مظاهر الطاغوت والعصیان، إذ رأینا الحجاب الإسلامی یسری سریان العافیة فی أوصال المجتمعات الإسلامیة، ورأینا النفور من مظاهر الخلاعة والخمر والمیسر وباقی العادات السیئة؛ وذلک یمثل ظاهرة إسلامیة حمیدة.
أسباب الصحوة ولیس من الصعب على من ینطلق فی تفکیره من زاویة إسلامیة موضوعیة أن یکتشف، أسباب هذا التحول العظیم فی حیاة الأمّة. نعم قد یعمى عنها الحُوِِّل القُلّب، أمّا البصیر، فلا یشک فی کونه لطفاً إلهیاً محضاً، شمل هذه الأمّة بعد فترة، وأهّلها لأن تطرح نفسها فی الساحة العالمیة، وتمکّن إسلامها من قیادة العالم من جدید، موطئةً للیوم الموعود، حیث (یکون الدین کله لله). أمّا العناصر التی أهّلت الأمّة لشمول هذا اللطف الإلهی لها، فهی: أولاً: العمل الدؤوب للعلماء والمفکرین الذین أحسّوا بداء هذه الأمّة، وراحوا یخططون ویرسمون لها سبل العلاج. والواقع أنَّ عمل العلماء انصبّ على أن یستعید الإسلام دوره فی النفوس والعقول، وحینئذ فهو یتکفّل بدفعها نحو سبل السعادة، بما یحمله من طاقات ذاتیة، وإبداع متدفّق یفجر طاقات الفطرة، ویستخرج مکنوناتها، ویستثیر دفائنها، وإذا تجلّت الفطرة النفسیة على صعید الحیاة، کان الفلاح کله. ثانیاً: الدور الرائع الذی قامت به الحرکات الإسلامیة، فی نشر التوعیة والحماس الثوری بین أبناء الأمّة. وقد اختلف تأثیر هذه الحرکات على هذه المنطقة أو تلک، کما اختلف مستوى الوعی والحماس لدى هذه الحرکة عن تلک، إلاّ أنّها جمیعاً قد أجّجت الشوق الجماهیری نحو تطبیق الإسلام، وأوجدت شعوراً ذا مساحة معتدٍّ بها، بلزوم مقاومة مظاهر الطاغوت، والعودة للإسلام... ثالثاً: ردود الفعل التی اعقبت الهجوم الغربی الفاشل على العالم الإسلامی، فبالرغم من التخطیط الدقیق لهذا الهجوم، والعمل على أن یستوعب مختلف الجوانب الحیاتیة ویستکمل کلّ عناصر النجاح المطلوب، بل وبالرغم من هذا النجاح الظاهری، الذی تصوّر الاستکبار العالمی أنَّه حققه، فسلب الأمّة فکرها، وإیمانها بإسلامها، وعاطفتها الحماسیة، وشخصیتها، وبالتالی ثروتها المادیة، حتى ظنَّ أنّها قد ماتت، أو هی توشک على الموت، بعد أن شدَّ وثاقها بالحدود المصطنعة، ومزّق وجودها بالتناحر القومی، والوطنی، والعنصری، والتاریخی، وزرع فی وجودها البؤر السرطانیة الخبیثة، وأثقل کاهلها بالحکام العملاء، وسرّب إلى أوصالها سمومه الفکریة والعاطفیة، وملأ حیاتها بالمجون والترف والفسق . وبالرغم من کلّ هذا انتج الهجوم نتیجة عکسیة، فقد أیقظ الأمّة وعلّمها أنّ سرَّ وجودها هو إسلامها العظیم، وأنّها لن تجد السعادة إلاّ فی ظله. وقد کان تأثیر الهجوم الغربی لصالح الصحوة على طریقین: الأول: أنّه کشف نفسه وحضارته، وأخلاقه أمام أبناء هذه الأمّة . فلقد أثبتت کلّ الآراء والنظم التی خططها للحیاة الاجتماعیة فشلها، وعقمها، وغربتها عن فطرة الإنسان، وشعور المسلم وعقلیته. وهی حقیقة أدرکها الاستعمار تماماً قبل غیره، فراح یستر فشله بعملیة الترقیع، أی عملیة إلباس الأفکار الغربیة لبوس العروبة والشرق والإسلام، ممّا فضح به نفسه أکثر فأکثر. الثانی: أنّه دفع المؤمنین الحریصین على مستقبل هذه الأمّة لاتخاذ موقف المواجهة والتخطیط الدؤوب للصحوة المبارکة. وبعد هذا الفشل لم تنفع الاستعمار کلّ أسالیب التطبیع الخبیثة، ولم تجده نفعاً حتى الأقنعة الإسلامیة، والمظاهر الخادعة التی تعلن الدفاع عن الإسلام، ولکنّها تحرف الإسلام نفسه فی أذهان الأمّة، وتفرغه من محتواه الثوری والتغییری، فإذا بعاداته طقوس واجترار عقیم، وإذا بنظمه قیود للحیاة الفردیة، وانزواء عن الحیاة الاجتماعیة. إنَّه التحریف والتخریف، وهو أمر لا ینطلی على الفطرة التی سرعان ما تکتشف زیفه فینقلب الأمر لصالح الحقیقة. رابعاً: الأحداث الکبرى فی العالم الإسلامی وفی مقدمتها نجاح الثورة الإسلامیة المبارکة بقیادة الإمام العالم الزاهد الشجاع الخمینی، والتی هزّت العالم الإسلامی من أقصاه إلى أقصاه وحقّقت حلماً کان یبدو بعید التحقق، من شعب أعزل، لا یملک إلاّ إیمانه وقبضاته العزلاء. وقد کان لهذه الثورة المبارکة، الکثیر الکثیر من المعطیات التی أثّرت أثراً کبیراً فی تحقق الصحوة، وتنامیها، وانتشارها. وشملت تلک المعطیات الصعد الحیاتیة المختلفة، وأعطت الأمّة الإسلامیة والعالم دروساً رائعة. إنّها أکّدت للشعوب المسلمة: - قدرتها على أن تقارع أقوى القوى وتهزمها. - وضرورة القیادة الحکیمة، والتفاف الشعب حولها. - ولزوم تحرر العلماء من سیطرة الحکومات، لیقودوا شعوبهم. - وکیف تتدخل ید الغیب فی نصرة المؤمنین وإرعاب الطغاة. - ونوعیة ومقدار المعاجز التی یحققها الدور الفعّال للشعب المسلم، فی الساحة السیاسیة والتشریعیة. - وکیف یتلاحم مبدأ قیادة الفقیه العادل ونظام الشورى، فی عملیة رائعة الأثر. - وکیف یتحوّل کلّ التآمر الاستعماری لصالح القضیة الإسلامیة. - وأنّ الإسلام یستطیع - نظریاً وعملیاً - أن یشمل جمیع الجوانب الحیاتیة. - وکیف یتم تطهیر الجو من الانحرافات الأخلاقیة والاجتماعیة وفضح الأنظمة التی ادّعت الإسلام وخدمت قضیة الاستکبار. ـ ولزوم تقدیم القرابین من أجل الإسلام، والدروس المعبرة فی الشهادة والتسابق نحوها، بما لم یعهد إلاّ فی الصدر الإسلامی الأول. - وتحدّی هیبة الدول الکافرة (العظمى) وتمریغ أنوفها فی التراب. وقد استطاعت الثورة الإسلامیة أن تهزم کلّ الأسالیب القومیة، والوطنیة الضیّقة، والشیوعیة الملحدة، واللیبرالیة غیر الملتزمة، وکل الطروحات التی موّه الغرب بها على الأمّة الإسلامیة. کما دعت إلى توحید المسلمین ضد العدو الکافر، بأروع الخطى فی هذا السبیل، وانتهجت سیاسة اقتصادیة مستقلة، قائمة على أساس تحقیق الاکتفاء الذاتی، فاستطاعت أن تقف على قدمیها، رغم کلّ أنماط الحصار والظروف القاسیة التی فرضها الاستعمار وعملاؤه، وغیّرت کلّ أسالیب التعلیم وأضفت علیها الصبغة الإسلامیة الخالصة. وطهّرت کلّ وسائل الإعلام من أدران الانحراف والتخریف، واضعةً أسس إعلام إسلامی نزیه، واتّبعت نظاماً تربویاً إسلامیاً، شمل کلّ الجوانب. ونجحت فی القضاء على التناقضات الحادّة بین الفئات الاجتماعیة، عاملة فی سبیل الارتفاع بالطبقة المحرومة، مانعة من الإسراف وتجاوز الحد، دون أن تخرج عن الحدود الإسلامیة، ولا نستطیع أن نستمر فی تعداد المعطیات فهی ممّا لا یمکن عرضه بهذه العجالة.
دیمومةالصحوة أولاً: صیانة الصحوة: إنَّ هذه الصحوة من أعظم النعم علینا، فینبغی أن نشکر الله تعالى علیها، وشکر هذه النعمة یعنی الانسجام معها، ووعیها جیداً، والعمل على تعمیمها وتعمیقها ودیمومتها فی الحیاة. فالتحوّل الکبیر لا یتم إلاّ فی فترات الصحوة العامة، والقائد الفذ هو الذی یستطیع أن یضمن الوعی المتأجّج حماساً فی شعبه لقضیته الکبرى، فإذا ما خبا ذلک التأجّج، کان ذلک ایذاناً بموت المسیرة بلا ریب. إنّ التأجّج الواعی لیحوّل کلّ العقبات إلى جسور، وکل المؤامرات المعادیة الى ضربات معاکسة، یزکّی بها نفسه، وینفی عن وجوده النفایات الضارة. ویجب أن لا تغیب عن بالنا حقیقة مهمة هی: أنَّ الإیمان قد یحصل فی لحظة صحوة وبکل سهولة، ولکن الأمر الصعب هو الاستقامة على خطّه، والعمل بمقتضیاته، والصمود أمام الضربات والعقبات الداخلیة والخارجیة. أمّا الأمر المهم فهو المحافظة على الصحوة، ونتائج الثورة المبارکة، وإدامتها بعد أن یهدأ الطوفان، ویملک العدو الفرصة الکافیة للمواجهة والتخطیط، بل وتنسحب من المیدان العام عناصر فقدت فاعلیتها، أو رأت الأمر على خلاف مصلحتها الذاتیة، أو غیر ذلک ممّا یوجد - عادة - فی سبیل العاملین. ثانیاً: الصحوة والتطرُّف: لابدّ أن ننبه إلى أنَّ هناک أعراضاً قد تصاحب عملیة الصحوة، أو عملیة الثورة، ینبغی للعاملین أن یلتفتوا لها: فمن أعراض الصحوة ما قد یبدو لدى بعض الأشخاص من تطرُّف فی تقییم الجهاد، حتى لیرفض الدخول فی أی حوار فردی بنّاء، أو حکم لسلوک خاص، بحجّة الانشغال فی عملیة الجهاد، بل قد یکون الترکیز کله على نصوص الجهاد، مع إهمال النصوص الأخرى. وما هی - جمیعاً - إلاّ أجزاء لنظام فکری وعملی متلاحم، لا یتم عطاؤه إلاّ بالترکیب والتناغم والانسجام، وقد ابتلینا فی ایران وغیرها بأناس جهلة، تصوّروا أنّ الإسلام ینحصر فی هذا المعنى، وانحرفوا إلى الحد الذی نبذوا معه الإسلام نفسه، وانخرطوا فی المسلک الیساری الالحادی. کما أنَّ من أعراضها على الصعید الاجتهادی أن یفرط المرء فی التجدید، حتى لینبذ الأسس القویمة التی أسّسها القدماء من المفکرین المسلمین، وحتى لیتصوّر الإنسان أنَّه ینبغی أن ینفصل عن کلّ تراثه، بحجّة الصحوة الجدیدة. إلا أنّ الصحوة إذا امتلکت قیادتها الوعی، وأحست فی شتىّ مجالاتها بالشمول الإسلامی والتفاعل الإنسانی، کهدف إسلامی، لم تنحرف إلى مجالات التطرُّف. على أنّنا یجب أن لا نغفل أمراً آخر هو أنَّ الکثیر ممّا توصم به الصحوة الإسلامیة الیوم من تطرّف یعبّر عن لؤم، أو تقاعس، أو تخطیط خبیث للقضاء علیها، أو استسلام لفهم جامد، أو لهوى حاکم فاسق، أو ما إلى ذلک من الأدواء التی یصاب بها بعض الناس. ثالثاً: الصحوة والتهم: رأینا أنَّ صحوة الأمّة الإسلامیة أمر حذّر منه دهاقنة الکفر على مرّ العصور، بعد أن أدرکوا أنَّ الإسلام إذا انطلق من عقاله تحمله جماهیره الواعیة فلن یبقى لنظمهم ومصالحهم وخططهم المستقبلیة باقیة، وقلنا إنَّ الاستقامة على الصحوة هو الأمر الأصعب، بعد أن تنتشر الشبهات، ومن هنا فقد بدأت التهم الاستکباریة تنهال، وتتشکل بأشکال مختلفة، ورحنا نستمع إلى عبارات من قبیل: الفئة التقلیدیة، الفئة الرجعیة، الفئة التی تخرق الأعراف الاجتماعیة، الفرق الانتحاریة، الإرهاب الإسلامی، وما إلى ذلک. وإذا کانت التهم قد استطاعت أن توقف مسیرة الإسلام العظیم الهادرة فی الصدر الأول، فإنَّها تستطیع أن تؤثّر أثرها الیوم، أما والوعی الثوری الأصیل ینتشر، والجماهیر حاضرة فی الساحة الإسلامیة العامة، والمفکرون الواعون یتصدون لنشر الحقیقة، فإنّ کید الشیطان الأکبر، والشیاطین الصغار، یرد إلى نحورهم بلا ریب، بفضل الله تعالى وعنایته. رابعاً: الصحوة الاسلامیة والاحتواء: عملیة الاحتواء ثم التحریف هی من أخطر العملیات التی واجهها الإسلام خلال تاریخه الطویل، وهی - نفسها - أخطر ما تواجهه الصحوة الإسلامیة الیوم... لقد تمثّلت الصحوة فی عطش جماهیری حاد لتطبیق الإسلام على کلّ شؤون حیاتها، وطرحه على الساحة العالمیة مبدأ یهزم أمامه کلّ المبادئ المنحرفة، ویعمل على نفی کلّ البؤر الطاغوتیة فی الحیاة والمسیرة... وما أن أحس الاستکبار بأنّه لا یستطیع أن یواجه هذا السیل حتى خطّط لاحتوائه أو امتصاص کلّ ذلک الشوق الجماهیری من خلال مسرحیات وعملیات وشعارات برّاقة تخلب الألباب، دون أن تحمل مضموناً خاصاً، وصرنا حینئذ نشهد على الساحة الإسلامیة اتجاه الکثیر من الأنظمة لطرح الإسلام، وإعلان الکثیر من الحکّام التدین المصطنع، وعقد الکثیر من المؤتمرات الضخمة المترفة باسم الإسلام، بل وتشکیل المنظمات الدولیة (الإسلامیة)، وتفرعها الأخطبوطی، بما یشمل مختلف الجوانب، بحیث ینبهر المرء المسلم عندما یواجه هذا العمل الإسلامی الضخم، وراحت القرارات تصدر الواحد تلو الآخر، لتعبّر عن الطموح الموحّد، بل واُنشئت عدة تنظیمات وجمعیات کبرى، باسم العمل على حمل هم الإسلام الى العالم. هکذا شهدنا تتابع الرجوع إلى الإسلام من قبل الأنظمة، حتى اُتخمنا بهذا الحدیث. وظنَّ الاستکبار أنَّه یستطیع من خلال ذلک خداع الجماهیر المسلمة، وامتصاص شوقها، وزاد فی تصوّره هذا انجذاب بعض الأفراد والفئات إلى اللعبة. أما الحقیقة فبقیت کما هی ناصعة بعد أن شهدت الجماهیر المسلمة هذا الهوان والتراجع المتزاید أمام العدو، وهذا البیع المتزاید للثروة وتقویة العدو، وهذا الترف والسرف والفجور الذی یمزّق الحجب والأقنعة، وهذا التآمر السافر على الأمل الإسلامی الجدید، وهذه الفوارق الطبقیة الهائلة، بل وهذه المذابح هنا والمراقص هناک، وهذه المجاعة هنا والتخمة هناک، (وما جاع فقیر إلاّ بما متع به غنی) کما یقول أمیر المؤمنین علی. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,439 |
||