الأمة بین منهج التکلیف ومنهج التبریر | ||
الأمة بین منهج التکلیف ومنهج التبریر حسن یحیى طُرح هذا المفهوم على الساحة الإسلامیّة فی الفترة الأخیرة من قِبَل بعض العلماء المخلصین من روّاد الثورة والإصلاح فی عالمنا الإسلامیّ. والجدیر بالذکر، أنّ هذا المنهج ـ أعنی منهج التکلیف الشرعیّ ـ عادةً ما یُطرح فی مقابل منهجٍ آخر یُعرف فی الأوساط المختلفة باسم (منهج التبریر والقبول بالأمر الواقع). فماهوالمراد من)منهج التکلیف الشرعیّ (؟ یمکن أن نلخّص أهمّ ملامح هذا المنهج فی الفکرة التالیة وهی: أنّ الإنسان مأمور من قبل الله عزّ وجلّ وملزم من قبل العقل بأن یبذل جهده وکلّ طاقته، بحسب ما تصل إلیه قدرته وتسعه إمکانیّاته والاستعدادات التی یملکها، من أجل إحقاق الحقّ ومحاربة الباطل، وتنفیذ ما یأمره الله سبحانه وتعالى به، علیه أن یفعل ذلک مهما کانت النتائج، فالنتائج بید الله عزّ وجلّ، وعلى الإنسان أن لا یضع النتیجة نصب عینیه، بل یقوم بما علیه، ویؤدّی ما أُوکل إلیه من المهمّات والوظائف والمسؤولیّات، سواء انتهى الأمر بتحقّق النتیجة المتوخّاة، کما کان یرجو ویشتهی، أم لم تتحقّق، فالمیزان لیس فی تحقّق النتیجة، وإنّما هو فی أداء التکلیف. قال تعالى: [آمن الرسول بما أُنزل إلیه من ربّه والمؤمنون کلّ آمن بالله وملائکته وکتبه ورسله لا نفرّق بین أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانک ربّنا وإلیک المصیر]. إنّ العبادات الإلهیّة کافّةً، من قبیل: الصلاة والصیام والحجّ والزکاة وغیرها، کلّها لها غایة واحدة، هی غایة الإنسان العظمى ومقصده الأسنى، وهذه الغایة هی: الوصول إلى معرفة الله ذی الجلال والإکرام، والفناء والذوبان فیه. وهو ما یقتضی: عشقه ومحبّته، والخضوع المطلق لسلطانه، والتقیّد التامّ بأحکامه، فی جمیع مناحی الحیاة: السیاسیّة والاقتصادیّة والاجتماعیّة وغیرها. ومن ناحیة أُخرى، فإنّ الحیاة الاجتماعیّة للإنسان تفرض وجود أحکام شرعیّة تنظّم کافّة شؤون حیاته، وتوصله إلى کماله الوجودیّ، ومن دون هذه الأحکام یفسد الأفراد، ولا تقوم قائمة للمجتمع، ولا شکّ فی أنّ هذا الفساد حیث إنّه على تقدیر حصوله یکون عامّاً للنوع البشریّ ککلّ، فهو على خلاف الحکمة الربّانیّة، فقد کتب ربّنا سبحانه على نفسه الرحمة، ومن أوضح مصادیق الرحمة: إیصال الإنسان إلى سعادته وکماله وتحقیق غایة وجوده، ولهذا أنزل الله تعالى الأحکام وفرض على الإنسان أن یتقیّد بها. وهنا بالتحدید، وفی سیاق الخضوع لأوامر الله ونهیه فی ساحة صراع المؤمنین ضدّ الباطل والظلم والرذیلة والاحتکار والدیکتاتوریّة والاستبداد وقوى الاستکبار العالمیّ والصهیونیّة ومن لفّ لفّهم، یبرز أمامنا منهجان: 1. منهج التکلیف: و یتمیّز بالخصائص التالیة: أ. الاستناد فی الحرکة والصراع ضدّ الباطل والظلم والرذیلة ونحوها إلى الإسلام، فکراً وعقیداً ومنهجاً وفقهاً، فلا تنفصل الحرکة عن الفکر والعقیدة بوصفهما عامل تحریک وتنویر، وعن الفقه بوصفه ضابطاً للسلوک والمواقف، واتّخاذ الإسلام منهجاً للتغییر والإصلاح، والسعی لتحقیق أهداف الرسالة فی الحیاة، والارتقاء بالإنسان إلى أعلى درجات السموّ والکمال الإنسانیّ، فتکون الحرکة فکریّةً وحضاریّةً بامتیاز، وتمتلک تراثاً ثقافیّاً یمتدّ لآلاف السنین، وهو تراث جمیع الأنبیاء والرسل، وصولاً إلى خاتمهم وسیّدهم الرسول محمّد(ص). ب. الوقوع تحت تأثیر الحبّ لله تعالى والخوف منه، ممّا یؤدّی إلى الترکیز على الأهداف والقضایا الأساسیّة، وعدم الانشغال بالأمور الصغیرة والجانبیّة، وعدم الخضوع للضغوط والمساومات الرخیصة، أو الوقوع تحت تأثیر الخوف من أحد، أو الطمع بشیء من المال والمنافع المادّیّة الضیّقة، بما یضمن إبعاد الحرکة والصراع عن القضایا الشخصیّة، والترکیز فیها على القضایا والمصالح الحیویّة، والحرص على الحقوق، والتمسّک بالواجبات، والصلابة والشجاعة والقوّة والعزیمة فی مواجهة الصعوبات والتحدّیات والمشاکل، والتوکّل العمیق على الله عزّ وجلّ والإصرار على تحقیق المطالب والأهداف المشروعة. ج. الترکیز على أداء التکلیف وتحمّل المسؤولیّة وعدم النظر إلى النتائج، فالنتیجة بید الله عزّ وجلّ، ولیست بید الإنسان، وإنّما على الإنسان أن یقوم بوظیفته، وهو مسؤول عن ذلک فقط، حصلت النتیجة المرجوّة أم لم تحصل. کما یترتّب على هذه المنهج النتائج التالیة: أ) ضرورة السعی لمعرفة أحکام الله، بالعودة إلى علماء الإسلام، والالتزام التامّ بها. ب) تعظیم الشهادة والفداء والتضحیة فی سبیل الله، وتعزیز روحیّة المبادرة والإقدام فی ساحة الصراع. ج) العمل لتحقیق نظریّة ولایة الفقیه التی توفّر المظلّة والمرجعیّة الدینیّة العلیا، وهی المظلّة الوحیدة التی تضمن أداء التکلیف الشرعیّ والقیام بجمیع الوظائف الشرعیّة. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,393 |
||