مستقبل المسلمین بین المسموح والممنوع | ||
بمناسبةانعقادمؤتمرالوحدة مستقبل المسلمین بین المسموح والممنوع العلامة الفقید محمد حسین فضل الله ربما کانت المشکلة فی الوحدة الإسلامیة أنها فی العمق الذهنی للمسلمین لم تعش حالة وجدانیة یتحسسها المسلمون بالمستوى الذی تتحول فیه إلى هدف یجتذبهم إلیه لسبب بسیط جداً وهو أن المذهبیة الحادة التی اختزنها المسلمون فی وجدانهم استطاعت أن تجذر الفواصل بین المسلمین حتى أن القضیة لم تقتصر على التمذهب الکلامی بل امتدت إلى التمذهب الفقهی.
مسألتان قد نتصور مشکلة قریبة من الجذور فی مسألة الخلافة والإمامة باعتبار أنهما مسألتان متصلتان بالعهد النبوی الأول وتتحرکان فی خطین مختلفین على أساس القاعدة التی ترتکز علیها فکرة الخلافة إلى جانب القاعدة التی ترتکز علیها فکرة الإمامة فهناک نوعان من التفکیر یتمثلان فی أکثر من موقع من مواقع التفاصیل الکلامیة والفقهیة والعملیة. أما أن تجد هناک مشکلة عمیقة فی التمذهب الفقهی فهذا أمر غیر مألوف. فنحن نلاحظ أن التخلف عاش ضمن خطوط: هل یجوز للحنفی أن یتزوج شافعیة وبالعکس، بینما نلاحظ أن الحنفیة والشافعیة ینطلقان من مذهب واحد هو مذهب مدرسة الخلافة وهکذا لاحظنا کثیراً من المفردات التی تحولت إلى فواصل فی داخل الشخصیة بحیث تحول المذهب إلى دین.. وربما إلى دین یتحرک على أساس انفصالی عن المذهب الآخر تماماً کما لو کان دیناً آخر، وربما نجد أن هذه المسألة تعاظمت فی بعض مواقع التخلف حتى أن البعض قد یمیز صاحب الدین الآخر عن صاحب المذهب الإسلامی الآخر على أساس أن هذا الدین یمثل أن هؤلاء أهل کتاب، وأولئک کفرة أو مشرکون وما إلى ذلک. ولا أرید أن أفیض فی هذا الموضوع کثیراً، ولکننی أتصور أن تجذّر الخلافات المذهبیة وانعزال المجتمعات المذهبیة عن بعضها البعض أوجد حالة تجذر تاریخیة فی الفواصل التی فصلت بین المسلمین، فإذا أضفنا إلى ذلک التاریخ الدامی الذی کان المسلمون یتنازعون فیه ویتقاتلون سنّة وشیعة وأضفنا إلى ذلک ما استطاع التخلف أن یثیره فی کثیر من حالات التصور التی أغرقت المفاهیم الإسلامیة حتى المذهبیة فی أجواء من الضبابیة وأدخلتها فی کثیر من حالات الخرافة باسم الخرافات المقدسة ومنعت الفکر من أن یتحرک لیناقش عمق هذا المذهب وعمق ذاک المذهب، إن ذلک کله جعل الهوة تتسع، بحیث أصبح هذا الفریق أو ذاک الفریق لا یملک أن یحصل على قناعة بأن هذا المذهب موافق للإسلام أو أن ذلک المذهب غیر موافق للإسلام من خلال هذا الرکام من التخلف الذی انعکس على المفاهیم بطریقة سلبیة بحیث أصبحت الخرافة مقدسة ولم تعد هناک أیة حریة للفکر لمناقشة هذا الموضوع أو ذاک.
زنزانات مذهبیة إن واقع المسلمین هو واقع التجزئة التی تتمثل فی هذا النوع من التقسیم المذهبی للمسلمین مما جعل المسألة مسألة المفهومیة ولیست مسألة التطبیقیة. فهذا یفکر بطریقة وذاک یفکر بطریقة أخرى.. وقد تعاون التخلف والاستکبار العالمی على تضخیم هذا الواقع، وإبعاد کل النوافذ التی یمکن أن یطل من خلالها على الأفق الإسلامی الواسع وعلى الروح الإسلامیة الواسعة فقد بدأت الدراسات العلمیة الاستشراقیة، التی تعمل لخدمة الاستکبار العالمی الکافر، تدرس مسألة الفرق، وتثیر حتى الفرق البائدة.. وبدأت تعمق التخلف فی هذا البلد الذی تستولی علیه أو ذاک وتضطهد بطریقة أو بأخرى کل الإصلاحیین الذین یحاولون أن یبلوروا المفاهیم لیرجعوها إلى قاعدتها الإسلامیة حتى أصبحت لدینا فی الواقع السیاسی المعاصر فی أکثر البلدان الإسلامیة سیاسة تضع السنة عنواناً لها وأخرى تضع الشیعة عنواناً لها.. فهناک تمییز فی مسألة الشیعة والسنة على أکثر من مستوى سیاسی وإداری فی هذا البلد أو ذاک البلد. إن کل هذا الواقع الذی ترک لنا هذا الرکام من التخلف فی فهم الإسلام ومن العیش الذهنی فی الزنزانات المذهبیة الضیقة ومن فقدان الحریة فی داخل کل مذهب لمناقشة مفردات هذا المذهب بالطریقة التی یمکن أن تصحح به مفاهیمه، إن هذا ترک لنا مشکلة متجذرة فی المذهبیة الطائفیة، ونحن فی الوقت الذی نجد أن المذهبیة الفکریة تمثل دلیل عافیة لأنها تتحرک من أجل إغناء الفکر فی تنوعاته على مستوى الحوار للوصول إلى نتائج کبیرة جداً فی هذا المجال، لأن لکل مذهب خصائصه الفکریة التی یمکن أن تُغنی الخط الإسلامی مما یجعلنا فی الذهنیة الفکریة للمذهب نستطیع أن نصل إلى نتائج کبیرة على المستوى الثقافی. ولکن المشکلة أن هناک مذهبیة طائفیة تحولت فیها المذهبیة إلى عشائریة إلى حالة طائفیة تختزن الحالة العشائریة بحیث أصبحت مسألة المذهب مسألة البشر الذین یدینون به لا مسألة الخط الذی یتحرک الناس من خلاله.
لماذافشل الوحدویون؟ من خلال ذلک لم تنجح حرکة الوحدة الإسلامیة فی کل التجارب التی قام بها الوحدویون بل کانت تتعثر وتتعقد انطلاقاً من جزئیة هنا تنطلق من فریق آخر لتجعل الوحدویین یتحرکون فی مظاهرة للترکیز على هذه المفردة التی ربما کانت خلفیتها مخابراتیة أو استعماریة لتسجیل نقطة على الفریق الثانی وهکذا تتجمع النقاط الجدیدة لتسقط الوحدة حتى فی نفوس الوحدویین بحیث لا یبقى لدیهم إلا الشعار نتیجة ظروف سیاسیة أو اجتماعیة خاصة. إننا نتصور أن علینا أن ننتج الوحدة الإسلامیة من خلال إنتاج الإسلام فی نفوسنا.. وأن لا یفکر الشیعی شیعیاً والسنی سنیاً، بل أن یفکر الشیعی کمسلم من حیث امتداد الإسلام فی مفاهیمه الواسعة من خلال الصورة القرآنیة والصورة النبویة فیما صح فی السنة، وأن یفکر السنی کمسلم فی هذا الاتجاه. عندما ننتج الإسلام فی نفوسنا بحیث نتحسس الإسلام فی المذهب ولا نتحسس المذهب فی الإسلام، أنا لا أقول لأصحاب المذاهب أن یترکوا أو أن یصادروا فکرهم المذهبی انطلاقاً من شعار الوحدة، ولکن أقول أن علیکم أن تناقشوا مذهبکم من خلال الإسلام ومدى انسجامه مع المفاهیم الإسلامیة لا أن تغیروا المفاهیم الإسلامیة الواضحة على أساس مفردات المذهب، ونحن نستهدی بهدی أئمتنا من أهل البیت (ع) حیث أنهم عندما واجهوا هذا الرکام الهائل من الأحادیث الموضوعة التی نسبت إلیهم من قبل الوضّاعین الکذابین.. أطلقوا الخط العام «لا تقبلوا علینا إلا ما وافق کتاب ربنا وسنة نبینا»... «ما خالف کتاب الله فهو زخرف»... «ما خالف کتاب الله فاضربوا به عرض الحائط».. إن معنى ذلک أننا نحاول أن ندرس الأحادیث على ضوء موافقتها للکتاب ومخالفتها له. لا أن نؤول الکتاب لمصلحة الأحادیث التی ربما تکون مدسوسة، إن القرآن یعطینا مفاهیم عامة للنظرة الإسلامیة للحیاة، وعلینا أن ندرس فی کل حدیث من هذه الأحادیث طبیعة الأفق العام للقیمة الإسلامیة أو للمفهوم الإسلامی فی الحیاة. مثلاً قد نلاحظ بأن هناک اتجاهاً فی بعض المواقع الفکریة الإسلامیة فی تحجیم القیمة الأخلاقیة، فالإنسان یجب أن یکون أمیناً مع أهل مذهبه أو أهل دینه، أما بالنسبة إلى غیر أهل مذهبه أو دینه فإنه یستحل أموالهم أو دماءهم.. إن معنى ذلک أن القیم نزلت لتجمع خاص ولم تنزل للإنسان کله وللعالم کله.. إن دراستنا للإسلام تفیدنا بأن الله أنزل القیم للإنسان کله لیعیشها الإنسان وتنظم حیاته.. فلم ینزل الصدق لیکون الصدق للشیعة فحسب أو السنة فحسب أو للمسلمین فحسب. لذلک نحن بحاجة إلى أن ندرس مذاهبنا على هدی المفاهیم القرآنیة ولما صح من سنّة نبینا.. لنبلورها وهذا ما ننطلق فیه من قوله تعالى: ﴿وإنتنازعتمفیشیءفردوهإلىاللهوالرسول﴾.
الوحدة السیاسیة أقرب لذلک لا بد من أن تکون لنا الذهنیة الموضوعیة التی نستطیع من خلالها أن ندرس القضایا على طریق المنهج الموضوعی العلمی الذی تبتعد فیه الذات عن الفکرة بحیث یکون المتحاوران أو المتباحثان أمام الفکرة على حد سواء على طریقة أسلوب الحوار القرآنی فی قوله تعالى: ﴿وإناأوإیاکملعلىهدىأوفیضلالمبین﴾فلیسهناکشخصانوإنماهناکفکرتانودورالشخصینأنهمایعملانعلىأنیکتشفاهذهالفکرةأوتلکفیدائرةالصوابأوالخطأ. إننی أتصور أننا إذا استطعنا أن نتحلى بهذه الموضوعیة وأن نکون جدیین فی إسلامنا وأن لا یخاف أحدنا إذا فقد بعض ما ألفه من تراث آبائه وأجداده إذا اکتشف أنه على خطأ وأن لا یعتبر أن اقتناعه برأی الآخر من خلال الحجة والبرهان عملیة سلبیة یشعر فیها الشیعة بأن السنة یشمتون بهم أو یشعر فیها السنة بأن الشیعة یشمتون بهم. المهم أن لا یشمت بنا الشیطان وأن لا یشمت بنا الباطل. هناک خط آخر للوحدة الإسلامیة وهو أقرب الخطوط.. وهو خط الوحدة السیاسیة.. ولا أقصد بالوحدة السیاسیة وحدة الدول الإسلامیة یعنی الوحدة الدستوریة وإنما وحدة المواقف السیاسیة الکبرى، أن نتوحد فی القضیة الفلسطینیة فی مواجهة «إسرائیل» وأن نتوحد فی مواجهة الاستکبار العالمی الذی یحاول أن یستولی على کل مقوماتنا وکل مقدراتنا وأوضاعنا بالدرجة التی یمکن فیها أن یلغی وجودنا، أن ننطلق لنواجه الکفر العالمی الذی یعمل على مهاجمة المفاهیم الإسلامیة سواء على مستوى العقائد أو على مستوى الشریعة أو على مستویات أخرى. إننی أتصور أن علینا أن نتحسس هذا الهجوم الاستکباری الکافر ولا سیما الیهودی منه على الإسلام کله وعلى المسلمین کلهم.. إنه لا یختلف فیه مسلم عن آخر وأن حصة الشیعی لا تختلف عن حصة السنی، کانوا یتحدثون فی کثیر من الحالات عن الشیعة فی بعض المواقع السیاسیة الحادة ولکننا أصبحنا نواجه مجتمعات أخرى، وها هم یتحدثون عن عنوان الإرهاب الذی بدأ شیعیاً وتحول إسلامیاً فأصبحنا نسمع عن الإرهاب المصری والإرهاب الجزائری والإرهاب الأفغانی، وإلى غیر ذلک من المفردات التی یلصق فیها الإرهاب بکل حرکی إسلامی. کما کانوا یتحدثون عن الإرهاب الشیعی أو الإرهاب الإیرانی.. أو ما إلى ذلک. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,077 |
||