ثورة الیمن وکابوس امیرکا و آل سعود | ||
ثورة الیمن وکابوس امیرکا و آل سعود عماد الدین نجفی اکد الملایین من أبناء الشعب الیمنی، عبر المظاهرات الصاخبة التی شهدتها المدن الیمنیة مؤخراً، بما فی ذلک ثلاثین میداناً وساحة عامة بالعاصمة صنعاء، اکدوا على تمسکهم بمتابعة اهداف ثورتهم. والملاحظة الهامة هی أن الشعارت التی رفعت فی هذه المظاهرات کانت مختلفة عن تلک التی کان یرددها الیمنیون فی مظاهراتهم السابقة. ففی المظاهرات الأخیرة ترکزت شعارات الثوار الیمنیین على استنکار وادانة التدخلات والمؤامرات السعودیة والامیرکیة فی بلدهم. فعلى الرغم من أن المعارضة الیمنیة کانت تحتج فی السابق على سیاسات الریاض و واشنطن، إلاّ أن حجم الاحتجاجات وشدتها لم تکن بهذا الحد. ومثل هذا یعتبر بحد ذاته تطوراً نوعیاً فی الساحة السیاسیة الیمنیة یزید من قلق ومخاوف الادارة الامیرکیة والحکومة السعودیة على حد سواء. الحقیقة أن الولایات المتحدة والسعودیة منزعجتان من ثورة الیمن اکثر من الثورات الأخرى لأسباب عدیدة، ومن الممکن مشاهدة ذلک بوضوح من خلال مواقف وتصرفات هاتین الدولتین طوال العام المنصرم. وعلى الرغم من اختلاف الدوافع الامیرکیة والسعودیة لمعارضة الحراک الشعبی فی الیمن، إلاّ أن ثمة قاسم مشترک بین مصالح الدولتین یستدعی الابقاء على ترکیبة النظام الدیکتاتوری فی الیمن بأی نحو ممکن. ان نظام علی عبدالله صالح کان یعتبر بالنسبة للامیرکیین بمثابة میزة ونعمة کبرى، ذلک أن سیاسة دیکتاتور الیمن لم تکن منسجمة مع المصالح الامیرکیة فی المنطقة فحسب، وإنما کان نظام علی عبدالله صالح یعمل - بالنیابة عن امیرکا- على قمع القوى المعادیة للولایات المتحدة فی الیمن. وفی مقابل ذلک کان صالح یحظى بمیزة الدعم الامیرکی للابقاء على نظامه. ان انتقال امواج الثورة الى الیمن وقیام الشعب الیمنی ضد الدیکتاتور فی صنعاء، وضع الاتحاد الاستراتیجی الامیرکی - الیمنی امام منعطفاً صعباً للغایة. إذ أن الامیرکیین کانوا قد حرصوا منذ الیوم الاول لاندلاع الثورات الشعبیة فی المنطقة، على رکوب الموجة والتظاهر بمظهر المؤید للثوار والمحتجین، غیر أنهم اصیبوا بالتخبط والعجز إزاء التعاطی مع الأحداث فی الیمن. فمن جهة لم یتمکنوا من الظهور بمظهر المساند للشعب الیمنی الثائر مثلما فعلوا مع دول أخرى أمثال مصر وتونس ولیبیا. ومن جهة أخرى لم یرغبوا بتشویة صورتهم المصطنعة بدعم ثورات المنطقة من خلال مواصلة دعمهم العلنی والصریح لعلی عبد الله صالح. وأن السبب الرئیسی فی ذلک یکمن فی خشیة أمیرکا من مستقبل الیمن واحتمال تسلم القوى المعادیة لأمیرکا الحکم فی هذا البلد. غیر أن مخاوف السعودیة ازاء الثورة الیمنیة اکبر واعمق. ان النظام السعودی مضطرب للغایة ازاء اندلاع الثورة بمحاذاة بلاده ، البحرین فی الشمال والیمن فی الجنوب. وقد بلغ القلق والاضطراب حداً دفع الریاض الى ارسال قواتها لقمع الاحتجاجات الشعبیة فی البحرین. کما أن قلق آل سعود أزاء تطورات الساحة الیمنیة لا یقل عن قلقهم إزاء البحرین.. ان انتقال الثورة الى الاراضی السعودیة، وتسلم الشیعة للحکم فی الیمن، اضافة الى عوامل أخرى کثیرة، جعلت من مخاوف وقلق النظام السعودی اکثر عمقاً وأکثر جدیة. ونظراً لعجز امیرکا والسعودیة عن قمع الثورة الیمنیة رغم کل الدعم الذی حظی به نظام صالح، فقد عمدتا الى اعداد المخطط الموسوم بمبادرة مجلس تعاون بلدان الخلیج الفارسی، لعلهما یتمکنا من الابقاء على الهیکلیة العامة للنظام الحاکم. وقد نصت المبادرة على نقل السلطة الى نائب الرئیس واجراء انتخابات تشارک فیها الاحزاب الیمنیة. ورغم امتناع صالح فی البدایة عن قبول المبادرة وتسلیم السلطة، إلاّ أنه اضطر فی النهایة بضغط سعودی – امیرکی الى الموافقة والتوقیع على المبادرة فی الریاض بحضور القادة السعودیین. وتشیر الاستضافة السعودیة للتوقیع على المبادرة ، الى محاولات ملک السعودیة للابقاء على ترکیبة النظام فی صنعاء وبالتالی إبقاء النظام السعودی فی مأمن من تبعات الثورة الیمنیة. ومع خروج الدیکتاتور من الیمن وهروبه الى امیرکا، یکون قد تم فی الحقیقة تنفیذ المرحلة الاولى من المبادرة، ومن المفترض أن تجری انتخابات رئاسة الجمهوریة نهایة هذا الشهر ایضاً. ورغم ذلک فان ما یدعو الى استمرار مخاوف وقلق الولایات المتحدة والسعودیة هو مواصلة الاحتجاجات بهذه الشدة وبهذا الحماس، لأن المشکلة هی أنه على الرغم من أن اصحاب المبادرة الخلیجیة استطاعوا أن یقنعوا زعماء القوى السیاسیة المعارضة بالموافقة على المبادرة، إلا أن النبض الحقیقی للثورة الیمنیة هو بأیدی الناس العادیین خاصة الشباب الذین لا علاقة لهم بالأحزاب السیاسیة وما فتئوا یصرون على مطالیبهم بتغییر جذری للنظام ومحاکمة القادة الیمنیین المجرمین. و من الواضح ان القوى الشعبیة تمتلک من القدرة بما یؤهلها لإنزال الملایین من ابناء الشعب الیمنی الى الشارع بکل بساطة، وهو الأمر الذی یربک ویهدد الحسابات الامیرکیة والسعودیة کلها. غیر أن الشعب الیمنی ومن خلال مواصلة تواجده فی الساحة، یرید أن یبعث برسالة الى دیکتاتور الیمن وحماته مفادها أنه لا ینخدع بالمخططات والمشاریع المغرضة، وأنه سیستمر فی تواجده بالساحة حتى تحقق اهداف ثورته بالکامل. ذلک أن الیمنیین یرون فی استمرار الوضع الراهن استمراراً للنظام المنبوذ والتمهید لعودة الاوضاع التی تصب لصالح نظام علی عبدالله صالح. لا شک أن امواج الدیمقراطیة والمطالبة بالعدالة المستوحاة من الدین التی عمت المنطقة لن تهدأ وسوف تتواصل حتى اجتثاث جذور الانظمة الدیکتاتوریة فی المنطقة، وإثر ذلک لیس بقایا نظام الدیکتاتور علی عبدالله صالح وحدها التی ستنهار، وإنما النظام السعودی ایضاً سیکون فی معرض هذا الاعصار وسوف یتم القضاء علیه عن قریب. و ستکون الخسارة الکبرى من نصیب الولایات المتحدة، إذ فقدت فی العام الماضی العدید من بیادقها الواحد تلو الآخر، وتبدلت احلام قادة البیت الأبیض بتحقق الشرق الأوسط الکبیر الى کابوس. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,357 |
||