'انفصال نادر و سیمین' یفجر مکامن الابداع السینمائی | ||
![]() | ||
'انفصال نادر و سیمین' یفجر مکامن الابداع السینمائی هیفاء أبوالنادی یروی فیلم 'انفصال نادر عن سیمین'، بتوقیع المخرج الإیرانی أصغر فرهادی، ببساطة شدیدة ودونما أی تعمّد أو تکلف أو فذلکة، قصة انفصال الزوجین نادر وسیمین، ومن ثمّ طلاقهما، ومعاناة ابنتهما المراهقة، وتأثیر کل ذلک على حیاة کلیهما، وما نتج عنه من تشتت للعائلة، واختلاف شکل الحیاة عمّا کانت علیه فی السّابق، مما یُضطرهم جمیعاً إلى إعادة النظر فی کثیر من المسائل، ومحاولة إعادة صیاغة أمورهم الحیاتیة وترتیبها فی ظلّ الوضع الجدید، من خلال حکایة درامیة ترصدها الکامیرا فی إیران المُعاصرة. فوالد نادر المریض بالزهایمر یحتاج لرعایة حثیثة، لا یستطیع ولده ولا حفیدته وحدهما أن یقدّماها له، کما کان الوضع فی السابق حین کان للعائلة شکلٌ واحد عنوانه الاستقرار.. ما یمیز هذا الفیلم البسیط جدّاً هو انسیابیة أحداثه وحوارات أبطاله وبساطة ردود أفعال الجمیع، تماماً کما لو کنتَ تعیش معهم حیاتَهُم الیومیة، أو تستحضر حیاتک أنتَ شخصیّاً إن کنتَ قد مررتَ بحادثة مُشابهة مثلاً. فأساس المشکلة یکمن فی محاولات الزوجة 'سیمین' (لیلى حاتمی) المستمیتة فی إقناع زوجها 'نادر' (بیمان معادی) بالسّفر خارج البلاد مع ابنتهما، بتلمیح غیر مُباشر إلى عدم قدرة 'سیمین' على العیش أکثر داخل محیطها، لا شیء واضح حول جدلیة محاولات الإقناع التی تنتهجها الزوجة وتعتنقها مؤخراً إثر رفض الزوج لذلک، فالأسئلة تتنوع وتتصاعد من نوع: لماذا ترید سیمین الرحیل؟ هل هو فقط أمر یتعلق بمسألة تأمین مستقبل ابنتهما الوحیدة؟ وإن کان هذا هو الحدث الجلل، فممّ تشکو البلادُ؟ أم أنها البیئة والمحیط الذی تعیش فیه سیمین هو ما ترید أن تثور علیه أو تغیّره؟ مرة أخرى، هذه مجرد تکهنات واستنتاجات، فلا شیء واضح أو دالّ على أن سیمین ترید الخروج من 'عنق الزجاجة' إن کان محیطها حقاً یمثل لها ذلک، وإن المَشاهد الموحیة بتلک التکهنات کثیرة، لکن ردود أفعال سیمین کانت دائماً على هیئة إطراقة رأس، أو صمتٍ واستکانة، دون إبداء رأی واضح وصریح فی هذه المسألة. یبدو للوهلة الأولى أن أحداث الفیلم کلها تدور حول کل شیء یختصّ بانفصال نادر عن سیمین، لکنّ ذلک الأمر نسبیّ. فما حدث من توظیف خادمة بوضع خاص، حُبلى ولدیها طفلة وزوجها عاطل عن العمل، رسم ملامح ومعالم الطریق لحبکةِ ما یعانیه من یرید من الأزواج أن یختار طریق الانفصال، فالأمر لیس سهلاً بتاتاً، وفی حالة نادر وسیمین ترتبت علیه أوضاع نفسیة سیئة جداً انعکست على الطرفین وعلى ابنتهما بالدرجة الأولى أیضاً! حتى والد 'نادر'، وفی مشهد مؤثر، أبى أن یترک ید 'سیمین' وهی تغادر بیت الزوجیة، بعد أن قررت أن تترک زوجها، وطلبت الطلاق رسمیاً من خلال لجوئها إلى المحکمة. فهو من اعتاد طیلة سنوات وسنوات على یدیها وابتسامتها، رغم أن فرهادی لم یصوّر لنا أیّاً من مشاهد اعتناء سیمین بوالد زوجها، إلا أننا نلمس تلک المَشاهِد بعنایة ودقة العارف من بین السطور والدموع. یعتقد نادر لوهلة أن بإمکانه أن یعوّض مکان زوجته التی رحلت بخادمة ترعى شؤون المنزل وتعتنی بوالده أثناء فترة غیابه فی العمل وغیاب ابنته فی المدرسة، لکنه یکتشف أن الأمر أکبر وأعقد بکثیر! یتحقق من ذلک عندما یکتشف أن الخادمة کذبت علیه فی عدّة أمور، وعندما یجد فی مرة والده مقیّداً وملقى على الأرض، فی ظلّ غیاب الخادمة، یجنّ جنونه، وهو أمر طبیعی جدّاً لمن یرجع إلى بیته فیجد أن الخادمة قد غادرت ووالده على الأرض بین الحیاة والموت. ویثور أکثر لدى عودة الخادمة التی تصرّ على أخذ أجرة الیوم الذی عملت فیه أثناء محاولة نادر طردها وإخراجها بعنف من بیته، فیدفعها خارجاً، لنجد بعد حین أنها واقعة على درجات السّلم، وهنا تتسارع أحداث الفیلم ووتیرته إلى أن تصل لمرحلة صعبة حقاً عندما تشکو علیه الخادمة فی المحکمة أنه المتسبّب فی قتل جنینها عن سبق إصرار وترصد، لأنه برأیها کان یعلم أنها حبلى. تکبر المسألة أکثر، وتتسارع الصور والمَشاهد، ویعلو الصّراخ أیضاً، وتتدخل 'سیمین' فی الأمر مُحاوِلَة إصلاح ما یمکن إصلاحه، وتتشابک الأمور والأحداث، وتحتدم المشاکل بین نادر وسیمین، وتعانی ابنتهما أکثر من ذی قبل. فالمشکلة الآن أخذت أبعاداً أخرى، وشکلاً فضائحیّاً صار یحکی فیه القاصی والدانی. هذا بالإضافة إلى قضیة الحضانة التی ینتظر کلّ من نادر وسیمین المحکمة وابنتهما من أجل البتّ فیها. یحتفی الفیلم، کغیره من أفلام السینما الإیرانیة، بالبعد الدینی، فللقسم والقرآن حیز ودلالة واسعة، سواء فی المحکمة أو بین الأزواج، بهدف کشف الحقائق والتأکد من صدق الناس. وهنا أتساءل بحق: لماذا یکون القسم وحده الرادع عن استکمال ما یمکن أن نعدّه 'معصیة' أو 'خطأ فادحاً'؟، بینما لو بقی الحال على ما هو علیه، لاستمرّینا فی أفعالنا کلّها، دون أن یرمش لنا طرف؟ وهل یمکن اعتبارُ أن مقارنة بین عقوبة بالسجن مدتها من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات مع 'القسم' سالف الذکر أمرٌ نافذ بما أنّ لکلیهما نتیجة سلبیة تعود على الفرد نفسه؟ ولکن، ماذا لو کان الخلل کلّه متمثّلاً فقط فی آلیة التفکیر اللامنطقیة فی بعض الأحیان، والمتّسمة بالعناد فی حجمها الأوسع وعدم الاعتراف بالخطأ، کون ذلک یقلل من شأن وقیمة الفرد الذی أخطأ؟! کلّ تلک الأفکار یتناولها الفیلم ویلمس ألمُشاهِد الفطن أبعادها بکثافة. بقی أن أذکر أن فیلم 'انفصال' من إنتاج عام 2011، ألّفه وأنتجه وأخرجه أصغر فرهادی، وحاز مؤخراً على جائزة غولدن غلوب الدولیة عن فئة أفضل فیلم أجنبی. کما أنه أول فیلم إیرانی یحصل على جائزة الدب الذهبی فی مهرجان برلین السینمائی فی شباط/فبرایر من العام الماضی. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,304 |
||