جدلیة المثقف والسیاسی | ||
جدلیة المثقف والسیاسی اسامه مبارک
لا شیء یولد من العدم ولا شیء یقوم من الفراغ , إنها معضلة عمرها عمر تاریخ البشر ، والعقل البشری بالذات حل للانسان القدیم مسألة قیام الکون من لا شیء باختراع فکرة الالهة ثم توصل الانسان تدریجیا الی الایمان بالله الواحد القادر على کل شیء خالق السموات والارض. اذن العقل الخلاق هو القادر علی صنع البدلئل وتجهیز الطروحات وارساء القواعد . من هنا نعتقد ان المتهم دائما باستخدام العقل اکثر هو المثقف الذی یقف طویلا امام أی حدث صغر أم کبر ماضیا وحاضرا ومستقبلا ، موقف التأمل والتفکیر ومصارحة مع الذات واصغاء للمنطق . واستخدام العقل یتعقب فیه الجذور والاسباب والخلفیات ویرصد الحاضر وامکانیاته وعوامله وعلاقاته وموازینه وقدراته وینظر الى المستقبل من خلال خطة استراتیجیة مدروسة . نحن الیوم أمام أحداث وتقلبات جسام القلیل منها لصالحنا لذلک نرید أن نوجهها مواجهة مسئولة ویقظة وواعیة وهادئة وموضوعیة وکل نسهم فی البحث عن حلول و سلوک السبیل الأفضل والأنسب والأکثر عملیة وفعالیة نحو تحقیق الهدف والقدر الأکبر من الهدف بحیث نخفف من الأثار السلبیة لهذه الاحداث قدر المستطاع. من هنا برزت اشکالیة المثقف والسیاسی لأننا ما زلنا معا نعیش اشکالیة کبیرة فی المفهوم وفی الممارسة حول العلاقة ما بین الثقافة والسیاسة ، و اذا أردنا أن نضع حل لهذه الأشکالیة لا بد لنا من وجود تکافل واضح بین المثقف الملتزم من جهة والسیاسی الذی یؤمن بالثقافة والمثقفین من جهة ثانیة ، بمعنی انه یجب اعطاء المثقف دورا مناسبا وحریة کاملة لان یقول ما لدیه وعلى السیاسی أن یتأمل فی ذلک . وهنا أنا لا اقول انه على المثقف أن یدیر العمل السیاسی ، لأنه قد یکون أمام السیاسی معلومات وصور واضحة أکثر مما هی لدی المثقف فی بعض الامور ، ولیس مطلوبا من السیاسی أن یکشف کل أوراقه للمثقف فی قضیة ما . و لکن اذا ما قامت مثل هذه العلاقة أعتقد أنه سیتم تفادی کثیر من الاخطاء . لذلک على المثقف أن یشعر بالمسؤولیة کما یشعر السیاسی بمسؤولیته ، وعلی السیاسی أن یفسح فی المجال أمام المثقف لأن یدخل الساحة ولا یفارقه ویعطیه اطمئنانا بأنه یحترم أحکامه ویرید أن یسمعه .
من هنا یبرز النقد والنقد الذاتی والمجال الواسع للفکر فی ابداء الرأی ، لذلک ما یحتاجه النقد والنقد الذاتی الی عنصرین : الأول - العنصر البشری , أی أشخاص لدیهم القدرة والجراءة علی القیام بالنقد ومواجهة نتائجه بما فی ذلک غضب الذین سیطالهم هذا النقد . والثانی - هو شیء من الموضوعیة حتى لا یتحول النقد الى اتهامات أو تجریح بحیث یجب علی الناقد أن یتذکر دائما أن هدفه هو الوصول الی الافضل ولیس الطعن بالاخرین أو المنافسین . اننا نعتقد أن أی بنیان سیقوم سیکون فاشلا وسینهار طالما أنه لیس قائما علی أساس النقد والنقد الذاتی ، کما وأن أی بنیان سیکون ضعیفا وسیجنی علی نفسه اذا لم یجعل للمفکرین المثقفین مکانا فی ادارة العمل السیاسی بحیث یکون المثقف جنبا الی جنب مع السیاسی . المعرکة الیوم هی معرکة العقل الذی یعالج المشاکل بوعی وفهم ویضع الخطط و المشاریع المجابهة بفاعلیة وموضوعیة . والعقل هو الذی یحول التربیة والتعلیم من تعلیم للحصول على شهادات الی بناء الثقافة العملیة الصحیحة القادرة على مواکبة تقدم العلم فی العالم وعلى الاسهام فی هذا التقدم حتى نصل الى التخطیط والتفکیر الذی لا یعطل ویبحث ویحلل ویعالج الأمور بشمولیة وعمق لیأخذ زمام المبادرة ویطرح نفسة بحزم وعزم وثقة مع شفافیة ، ولا یکتفی بأن تکون المواقف دائما بردود فعل عاطفیة ومتسرعة لأحداث یبادر بها الآخرون . وهنا لیس القصد من استعمال العقل والعقلانیة هو أن نعری أنفسنا وتجاربنا وشعاراتنا تعریة کاملة ونقول لا یصح الا الصحیح . ولعل الجرأة مطلوبة هنا للتخلی عن وسائل ومفاهیم سابقة ربما کانت تلائم معارک الماضی ولم تعد کذلک الان وفی المستقبل ، أو ربما کانت لا تناسب الماضی ولکننا مع هذا مارسناها خطأ. من هنا یکون المربی والعالم والاستاذ والمحلل والباحث هو اساس القرار ، وهذا لیس ببعید عنا وهو منغص لحیاتنا ومکدرها (اسرائیل ) التی لم تتغلب على العرب بمجرد وجود قوة ناریة متفوقة ولا اموال متدفقة ولا حاضنات دولیة محملقة , بل نجحت لأنها تستخدم العقل فی کیفیة أستعمال واستخدام ما سبق ، لان العقل یعرف کیف یستخدم الأموال الصداقات والقوة, أیضا فی کیفیة الأخذ بزمام المبادرة وما نعتقده هو أن القوة المجردة من العلم کالثروة المجردة من التخطیط ، کالعاطفة المجردة من الحکمة ، کلها قوی لا نفشل فی استعمالها فقط بل هی تنقلب علینا وتستخدم ضدنا فی معظم الأحیان . لهذا فجماهیر شعبنا طیبة فیها عفویة وصدق وحس سلیم ولکن المهم من یحرک فیها الشر ام الخیر ، فالذی یتقن لعبة التعامل معها وتوجیهها وتنمیة مکامن الخیر فیها أو تقییدها وتفریقها ، هو الذی یقرر دور الجماهیر فی فرض حکم أصلح أو أسوأ. على هذا الأساس نعتقد أن التاریخ لیس دائما معنا ومقولة الانتصار للحق دائما لیست دقیقة . فی بعض الاحوال یکون التاریخ والنصر للحق الى جانبنا فقط حین نعمل بالعقل والتفکیر والتدبیر .. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,152 |
||