زوال دویلـــــة "إســـــرائیل" بیـن الحـلم والحقیقـة | ||
![]() | ||
زوال دویلـــــة "إســـــرائیل" بیـن الحـلم والحقیقـة علی محسن لا نرید هنا أن نتحدّث على طریقة أصحاب النبوءات والأخبار الغیبیّة، وإنّما نرید الحدیث عن مؤشّرات ومعطیات متزایدة باتت تتوفّر فی مشهد الصراع الفلسطینیّ ـ الإسرائیلیّ، والإسلامیّ ـ الصهیونیّ، الذی بات یتبلور أکثر فأکثر فی ظلّ الثورات والحراکات الشعبیّة العربیّة والإسلامیّة، التی یدرک العدوّ قبل الصدیق أنّها ثورات وحراکات أجّجتها ظاهرة الإقبال على الإسلام، والعودة إلى أحضانه، تلک الظاهرة التی یسمّیها الکثیر من العلماء والمصلحین والمفکّرین الإسلامیّین بـ ظاهرة الصحوة الإسلامیّة.. هذه المؤشّرات والمعطیات التی نتحدّث عنها تدلّل بشکلٍ قاطع على أنّ ما کان سائداً قبل هذه الثورات والحراکات على مستوى المنطقة برمّتها، لن یکون کما بعدها، بل تصدح الحناجر العربیّة والإسلامیّة بأنّ المنطقة أمام تاریخٍ جدید تجری صیاغته وکتابة صفحاته، وأمام تداعیاتٍ ومعادلاتٍ مختلفة یُراد لها أن تغیّر الشرق الأوسط نحو أن یکون جدیداً، لا جدیداً کما تریده کوندالیزا رایس، بل کما ترتئیه الشعوب التی سئمت حالة السکوت والخنوع والمهادنة والمداهنة، والتی ترغب رغبةً قاطعةً لا یحدّ منها شیء فی العودة بالصراع مع المشروع الصهیونیّ إلى البدایات الأُولى، لا بل إلى وضعٍ یکون أکثر تنظیماً وتوازناً وشجاعةً من ذلک بکثیر.. فهذا الذی جرى ویجری على امتداد خریطة العرب من ثوراتٍ وانتفاضات عاصفة بمقاییس لم تأتِ فی حسابات أعتى الأجهزة الأمنیّة والاستخباریّة الأمریکیّة والإسرائیلیّة وغیرها یثیر القلق والهلع الصهیونی، إن على الصعید الأمنیّ والعسکریّ والاقتصادیّ، وإن على الصعید الإعلامیّ والدبلوماسیّ، وکذلک ـ وهذا هو الأهمّ والأخطر ـ على الصعید الوجودیّ الإستراتیجیّ. یکفیک أن تراقب الأدبیّات السیاسیّة الإسرائیلیّة التی تصدر عن المسؤولین فی الدویلة الغاصبة تعلیقاً على هذه الثورات العربیّة المتّصلة، حیث تحرّک جیش الباحثین الإستراتیجیّین والمحلّلین السیاسیّین والأمنیّین ومراکز الدراسات لدیهم، على اختلافها، من أجل مواکبة ودراسة هذه البراکین الإسلامیّة والعربیّة الثائرة، ومتابعة وتدارک تداعیاتها على الدویلة الصهیونیّة. ویمکن لنا فیما یلی أن نشیر إلى جملةٍ من هذه المؤشّرات والمعطیات التی تحدّثنا عنها، والتی تُثبت أنّ زوال "إسرائیل" لم یعد وهماً لا واقعیّة له، ولا مجرّد حلم جمیل لا یمکن تحقّقه على أرض الواقع، وإنّما هو (حقیقة حتمیّة قریبة قادمة) ، وأنّ الکیان الصهیونیّ الغاصب سوف یصل ـ لا محالة ـ إلى نهایته قریباً خلال السنوات القلیلة الآتیة، وذلک لأسبابٍ ذاتیّة وموضوعیّة: 1) أنّ وجود هذه الدویلة کان من أوّل أمره وجوداً طارئاً وغریباً، ممّا یعنی ـ فی معادلة الصراع البشریّ للاحتفاظ بحقّ الوجود وامتلاک الأرض ـ أنّها لا تملک أحقّیّة البقاء؛ إذ إنّ شعبها لیس إلّا عبارة عن مجموعات بشریّة غیر أصیلة تمّ تجمیعهم من مختلف بقاع العالم لأجل تشکیل الدولة التی کانت، وما تزال، الحلم الیهودیّ الأوّل. وهذا بخلاف الشعب الفلسطینیّ، الذی امتزج بهذه الأرض، بقدسها، ومقدّساتها، بمدنها، وقراها، بترابها، وزیتونها، فهو شعب أصیل متجذّر فی الأرض الفلسطینیّة تجذّر صخورها وأشجارها. 2) لا تعتمد "إسرائیل" فی وجودها وبقائها على قوّتها الذاتیّة، وإنّما هی موجودة وقائمة بقوّة المجتمع الدولیّ الحاضن لها، وفی أیّة لحظةٍ ما ینقطع فیها الدعم الدولی، لسببٍ أو لآخر، فإنّ هذا یعنی: أنّها سوف تبقى وحیدةً فی تلک المنطقة التی تربّى أبناؤها على عقلیّة المعاداة والرفض والمحاربة لها، ولا سیّما فی ظلّ وجود دولٍ قابلةٍ لأن تشهد المزید من الازدهار والقوّة والتقدّم فی المستقبل القریب (إیران، العراق، سوریا، مصر). 3) الصمود المذهل لشعب الانتفاضة فی فلسطین، هذا الشعب الذی لم تهن عزیمته، ولم تضعف إرادته، لا بل إنّه فاقم من جهوزیّته، ومن تقنیّاته القتالیّة، ومن عتاده الحربیّ والصاروخیّ، مشکّلاً بذلک کابوساً مریعاً للمستوطنین الصهاینة، وفارضاً ـ رغم أنف الکیان الغاصب ـ نوعاً من توازن الرعب تزداد شروطه بالتحسّن لصالح الفلسطینیّین یوماً بعد یوم. 4) هزالة الاعتراف العربیّ بـ "إسرائیل"، حیث اقتصر هذا الاعتراف على طبقة الحکّام العرب، الذین لا شرعیّة شعبیّة حقیقیّة لهم، وإنّما هم یمارسون دور النواطیر للإدارة الأمریکیّة فی الدول العربیّة والإسلامیّة، ولا یعملون لشیءٍ سوى مناصبهم وکراسیهم. 5) الضحالة الأیدیولوجیّة والعقائدیّة والتفکّک الأخلاقیّ والاجتماعیّ الذی استفحل فی مجتمعات الاستیطان العبریّة، فبعد أن کانت العقیدة الوجودیّة لما یُسمّى بـ "دولة إسرائیل" هی أغلى مقتنیات أجهزة السلطة فی الکیان الصهیونیّ لجهة قدرتها تاریخیّاً ـ هذه العقیدة ـ على استقطاب واستجلاب الشتات الیهودیّ من شتّى أصقاع العالم إلى أرض فلسطین، باتت هذه العقیدة الیوم تعانی حالةً من الترهّل والتفسّخ، بعد أن طالتها أسهم الفساد الإداریّ والمالیّ الذی تعانی منه الحکومات الصهیونیّة المتعاقبة، وبعد أن حوّلتها النخبة السیاسیّة الصهیونیّة إلى شمّاعةٍ یعلّقون علیها وعودهم الانتخابیّة الفارغة، وأدخلوها بورصة الاستغلال والتوظیف السیاسیّ الشخصیّ أو الفئویّ أو الحزبیّ الضیّق. وقد تجلّت هذه الضحالة العقائدیّة فی تهرّب أعدادٍ هائلةٍ من شباب الصهاینة الالتحاق بصفوف جیش الاحتلال، ما یسبّب أزمةً حقیقیّة لـ "إسرائیل" نظراً إلى کونها، ومنذ تأسیسها، مجتمعاً عسکریّاً وأمنیّاً بامتیاز. 6) شعور الصهاینة، جیشاً وشعباً وحکومةً، بالخوف من ضربات وهجمات أعدائهم، ومن تصاعد وتیرة المواجهة بینها وبینها، وتعقّد الأمور إلى درجةٍ لا تُطاق، ولا سیّما إیران وسوریا وحرکات المقاومة الإسلامیّة والوطنیّة فی فلسطین ولبنان، والهزائم الاستراتیجیّة الخطیرة التی تکبّدتها الدولة العبریّة فی الحروب العدوانیّة التی شنّتها فی السنوات الأخیرة، وبالأخصّ: حرب الـ 33 یوماً على لبنان، والـ 22 یوماً على قطاع غزّة، والنتائج الکارثیّة التی ألمّت بها جرّاء هزیمتها فی کلا العدوانین. إلى غیر ذلک من الظروف والمعطیات والمؤشّرات التی لا یسع المجال لتفصیلها. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,183 |
||