إذا کان الامام الخمینی الراحل قد مثل الرمز فی الثورة الإسلامیة التی تکللت بالانتصار الکبیر فی شباط ١٩٧٩م انطلاقاً من الموقع القیادی الفاعل، اعتباراً من الخطوة الاولى المتمثلة بتوجیه الثورة بمسارها السلیم، وحتى قطف ثمار الانتصار فإن مرحلة ما بعد انتصار الثورة کانت تطبیقا عملیاً، لم یشوبه لبس اوغموض لمفاهیم الثورة ومفرداتها وافکارها لیس فی السیاسة فحسب، بل اننا شهدنا هذا التلاقی والتجانس فی الاقتصاد والثقافة والعلاقات الاجتماعیة وحتى فی تحدید موقع الفرد داخل المجتمع وقیمه لا وفقا لما ینتجه، وإنما وفقاً لقیمته الانسانیة العلیا بل والاکثر من ذلک فإن ظلال المتغیرات الجدیدة راحت تمتد بعیداً فی اصقاع العالم الاسلامی لتمنح الثورة بعداً عالمیاً ولتجعل من الامام الخمینی مثالاً عظیماً للثأئر والقائد السیاسی فی آن واحد.
فی سیرة الإمام (رض) النظریة و العلمیة ، یعدّ کل المستضعفین و الفقراء و المهمشین ، أولیاء النعم و نور أعیننا و أولیاء نعمنا، لهذا تعتبر کل شرائح المجتمع مسؤولة أمامهم، و یقول مخاطباً المسؤولین : علیکم بتقدیم مصلحة الحفاة و المهمشین و المستضعفین على مصلحة القاعدین فی البیوت و المتمکنین و المرفهین، و یرى ان الابتعاد عن المستضعفین و ترکهم جانباً هو السیر إلى جانب أمریکا ، فضلا عن هذا فان الإمام الخمینی (رض) و فی أول أیام الثورة أمر بتأسیس مؤسسة المستضعفین و لجنة إغاثة الإمام و مؤسسة مسکن للثورة الإسلامیة و جهاد البناء و... و جعل الاهتمام بالمستضعفین و المحرومین من أولویات خطط الثورة الإسلامیة.
الإمام الخمینی فی تشییده الفکری للأدلة المثبتة للضرورة الدینیة للحکومة الإسلامیة من اجل تحقیق الفلسفة الوجودیة للإنسان والمجتمع، بلّور هذه الحقیقة الإلهیة على المستوى العلمی بالکثیر من البراهین المتنوعة، رغم قناعته الواعیة والراسخة على بداهتها الفکریة التی لا تحتاج إلى أکثر من التصور والتعقل لحقیقتها ودورها، لکنه مع ذلک استطرق الکثیر من الأدلة والشواهد؛ لإثارتها وتظهیرها من الکمون الفکری إلى عالم الحضور الدینی والإسلامی، ومن أبرز هذه الأدلة:
عند دراسة الأفکار السیاسیة لسماحة الإمام، نلاحظ انه لو کان موضوع تأسیس الحکومة الإسلامیة هو الأولویة القصوى لسماحته فی إیران، ففی خارج البلاد کان تحریر بیت المقدس والأراضی الفلسطینیة، یشکل أهم هاجسه الفکری وعمله السیاسی، ونلاحظ انه من أهم أسباب الخلافات الجوهریة بین الإمام والنظام البهلوی هو نفوذ الصهیونیة فی إیران اذ کان سماحته یعارض ذلک بشدة فیما کان یؤکد على ضرورة دعم الشعب الفلسطینی الأعزل، ویمکن اعتبار تحریر الشعب الإیرانی والفلسطینی فی أفکار الإمام الثوریة والتحرریة، ضرورة ملموسة وجوهریة وخیر دلیل على ذلک هو کتابات سماحته وکلماته وخطاباته التی القاها طیلة ایام وسنوات عمره الشریف، ولهذا کان دائما یدعو الشعب الإیرانی والمسلمین والاحرار فی العالم لدعم الشعب الفلسطینی.
إن منطلقات المرء لأجل أی قضیة کانت لإثبات حق أو نفی ظلم تحت مظلة العدالة بقطع النظر عن أی رکن من أرکانها الأربع لابد وأن تعتمد على أسس ومعاییر ثابتة لا تقبل الخُلْف ولا التخلُّف، ومثل هذه المعاییر لا تتوفر إلا إذا اعتمدت المعاییر الوجودیة التی تعرف أیضاً بالمعاییر التکوینیة.
حین انتصرت الثورة الإسلامیة فی إیران، اتخذت خطوات حاسمة على طریق تحریر فلسطین المحتلة، منها قطع النفط قطعاً تاماً عن إسرائیل، وسلّمت مبنى السفارة الإسرائیلیة فی طهران إلى القوى الفلسطینیة المناضلة، وأعلن الإمام الخمینی الراحل آخر جمعة من شهر رمضان المبارک، یوماً للتعبئة العامة من أجل القدس، وقدّمت إیران ما بوسعها لمناصرة کل العاملین الحقیقیین على تحریر فلسطین من براثن الصهیونیة الحاقدة.
وجه قائد الثورة الاسلامیة المعظم سماحة آیة الله السید علی الخامنئی رسالة الى الشعب الفلسطینی عقب إنتصار المقاومة الفلسطینیة على الکیان الصهیونی. وهنّأ قائد الثورة الاسلامیة المعظم فی رسالته بانتصار المقاومة الفلسطینیة فی حرب الاثنی عشر یوما ضد الکیان الصهیونی. وفیما یلی نص رسالة قائد الثورة الإسلامیة المعظم:
إن العیش فی ظل السلام والامان والطمأنینة هو عطیة وموهبة إلهیة منحها الله للبشریة، بید ان هذه الموهبة الإلهیة تتعرض الیوم مع للأسف للتهدید من قبل البعض، حیث نراهم ینتزعون الحق الذی منحه الله للبشریة بالقمع والظلم والجریمة. وکنا قد شهدنا طیلة الشهر الماضی أو نحو ذلک بان النظام الصهیونی المحتل قد بدأ بارتکاب مجزرة جدیدة اخری لیتمکن من خلال سفک دماء الأطفال والنساء والمدنیین الأبریاء ،من طرد الفلسطینیین الساکنین فی حی الشیخ جراح بالقدس من منازلهم التی عاشوا فیها طوال حیاتهم. والذی أثار الدهشة هو ان المدافعین عن الدیمقراطیة وحقوق الإنسان قد اختاروا الصمت ولم یبدوا أی ردود فعل ازاء هذا العمل الاجرامی الوحشی، الذی جرح مشاعر کل المنصفین وکل محبی السلام فی مختلف انحاء العالم. لکن فی غضون ذلک، أدی الاشتباک العنیف لشرطة الاحتلال مع الفلسطینیین الى اندلاع انتفاضة أخرى، وان المظاهرات الجماهیریة الشاملة وهجمات حماس الصاروخیة على قلب تل أبیب التی ادت الى فرض هزیمة أخرى على الکیان الصهیونی، اکدت بأن مثل هذه الجرائم البربریة سوف لن تبقى بدون رد .وذلک لأن أی إنسان لایمکن أن یبقى صامتا امام الظلم والعدوان الصارخ.